Site icon IMLebanon

سوء انقشاع.. بعد “عاصفة” جعجع!

 

 

 

تفوّق عددي لفرنجية على عون والأنظار تتجه إلى «الثنائي الشيعي»بدا المشهد السياسي في لبنان امس، كأنه دخل حقبة متغيّرات كبيرة، غداة الحدَث المدوّي الذي حصل في مقر قيادة حزب «القوات اللبنانية» في معراب، حيث أعلن زعيم «القوات» سمير جعجع ترشيح خصمه المسيحي والرئاسي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، في تَطوّر دراماتيكي تاريخي.

ولم يكن غريباً أبداً ان يُحدِث هذا التطور تداعياتٍ أشدّ قوة وعصفاً مما أحدثه لقاء باريس الشهير في نوفمبر الماضي، بين زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، وولادة مبادرة الحريري لترشيح فرنجية للرئاسة. فرغم ان الإعداد لإعلان جعجع دعْمه ترشيح عون، بدأ منذ فترة غير قصيرة، فإن مجمل المعطيات المتوافرة عن هذا الخيار كانت تشير الى ان جعجع لم يكن يُظهِر أمام زواره ومستوضحيه أيّ استعجال لحسم خياره، بل انه دأب على إعطاء الإشارات الى ان درْس هذا الخيار يستلزم الكثير من الوقت وانه لن يطرح ترشيح عون، على الأقلّ قبل اعلان الرئيس الحريري ترشيح فرنجية رسمياً. وتبعاً لذلك، فإن عامل المفاجأة لدى الأوساط السياسية تمثّل في توقيت الحدَث الذي شهدته معراب، التي زارها عون للمرة الاولى، ليس كزعيم سياسي يردّ الزيارة لزعيم «القوات اللبنانية» (كان زار عون في يونيو الماضي لإعلان ورقة النيات بين الجانبين) بل مرشحاً لـ «القوات» الى رئاسة الجمهورية.

ورسمت اللوحة البيانية لردود الفعل السياسية على لقاء معراب خليطاً من الإرباك والرفض والترحيب بالخطوة القواتية – العونية، علماً ان اكتمال صورة ردود الفعل يستلزم مزيداً من الانتظار، لأن أفرقاء عديدين لا يُظهِرون حماسة كبيرة للانخراط في سرعة بتحديد مواقفهم من الآن.

وقالت اوساط مواكبة لهذا الحدَث لـ «الراي» ان «العلامة الفارقة الاولى التي تؤشر الى ان البلاد امام معركة مفتوحة بمواصفات جديدة تمثّلت في مسارعة النائب سليمان فرنجية الى الإعلان عقب زيارته ليل الإثنين، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، انه لا يزال مستمراً في ترشيحه للرئاسة، وان عنوان منزله معروف لمَن يريد زيارته. ذلك ان فرنجية كما الحريري، كانا يعرفان مسبقاً ان جعجع متّجه الى دعم عون من منطلق مجموعة أهداف ومعطيات يزمع رئيس القوات تحقيقها، وليس أقلّها السعي الى تعزيز وضعه بقوة في الشارع المسيحي، من خلال فرض معراب رقماً صعباً في المعادلة الرئاسية»، وهو الأمر الذي تقول الاوساط «انه تحقق بنسبة عالية لجعجع، وفق ما يراه خصومه وحلفاؤه معاً. لكن الحريري وفرنجية لن يتراجعا عن التحالف الرئاسي الذي اتفقا عليه، بما يعني انهما لن يسلّما بإسقاط مبادرتهما امام تحالف عون وجعجع، وهو الأمر الذي يضع المعركة الرئاسية أمام واقع جديد مختلف عن السابق».

وفي هذا السياق، استبقت الاوساط الاجتماع الذي عقدته «كتلة المستقبل» النيابية، التي كان وفد منها زار المملكة العربية السعودية مساء الإثنين، للقاء الرئيس سعد الحريري، وكشفت اتجاه «المستقبل» نحو «التمييز بين عامل التحالف المسيحي بين عون وجعجع وعامل التنافس الرئاسي، اذ ستؤيد الاول وتدرج الثاني في اطار التنافس الانتخابي، وتمضي تالياً في تأكيد استمرار مبادرة الرئيس الحريري».

وتعتقد الأوساط نفسها ان «الايام القليلة المقبلة ستكون كفيلة ببلورة توزيع القوى بين المرشحيْن المتنافسيْن عون وفرنجية، علماً ان هذا الميزان لا يزال رقمياً حتى الساعة لمصلحة فرنجية الذي يحظى بتأييد المستقبل والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ومستقلين آخرين بما يوفّر له ما لا يقلّ عن 70 صوتاً من اصل 128 يتألف منهم البرلمان، فيما لا يوفر دعم جعجع و(حزب الله) وحدهما لعون الأكثرية المطلوبة بل رقماً بالكاد يناهز 50 صوتاً».

وتذكر الاوساط ان«عون لن يغامر في اي لحظة بالذهاب الى مجلس النواب وتوفير النصاب مثلاً للجلسة المحددة في 8 فبراير المقبل»، وذلك قبل انسحاب فرنجية له على قاعدة تعهّد سابق لزعيم المردة، بأنه ينسحب لعون اذا تعزّزت حظوظ انتخابه». ولكن الأوساط نفسها تشكّك الى حدود بعيدة في إمكان انسحاب فرنجية، وخصوصاً اذا استمرّ «حزب الله» في ترْك اللعبة مفتوحة بين حليفيه (عون وفرنجية) ونظراً الى تعذُّر حصول عون على اكثرية تؤهله لمطالبة فرنجية بالانسحاب لمصلحته.

وكان بارزاً ما نقلته صحيفة «السفير» أمس، عن فرنجية، من انه يدعم ترشيح «الجنرال»، لكن إذا فشل الاخير في الحصول على الأصوات المطلوبة في الدورة الأولى «عليه أن يتبنّى ترشيحي في الدورة الثانية… وإلا لن أسمح بتغطية ترشيح هدفه قطع الطريق على وصولي المشروع الى القصر الجمهوري. أقله هو رفضني رئيساً… وأنا سأرفضه مرشحاً».

وتضيف انه «ينبغي الانتظار بعض الوقت لرسم خط الفصل بين الواقع الداخلي والواقع الاقليمي الذي يحكم لبنان وأزمته الرئاسية، إذ إن غالبية المعطيات الراهنة لا تزال تؤكد صعوبة الفصل بين الواقعين اللبناني والاقليمي لإنقاذ الأزمة الرئاسية من الاسترهان». ولكن الاوساط تلفت هنا، بكثير من الحذر، الى دخول المنطقة عصر الاتفاق الغربي – الايراني على الملف النووي واستتباعاته الاقليمية، الأمر الذي يستدعي التساؤل عما اذا كانت ايران أصبحت مرنة أكثر بحيث تسمح لحليفها «حزب الله» بالإفراج عن الاستحقاق الرئاسي والذهاب نحو حسْم وشيك لمصلحة احد المرشحيْن الرئاسييْن الحليفيْن له.

وفي انتظار بلورة هذه الناحية الاساسية، تتوقّع الأوساط احتداماً متدرّجاً في ردود الفعل على ترشيح جعجع لعون ولو من دون معارك إعلامية صاخبة، ولكن الاوساط لا تُسقِط، في هذا السياق، أهمية التداعيات الكبيرة التي يستولدها هذا التطور ولا سيما على صعيد قيام ثنائية مسيحية بين عون وجعجع، وكذلك على صعيد الأثر السلبي القوي للخطوة على مصير قوى «14 آذار».