كتبت صحيفة “النهار”:
“لم يكن غريباً ان ترتسم علامات استفهام مبكرة حول مصير الجلسة الـ35 لانتخاب رئيس للجمهورية والمحددة في 8 شباط المقبل، غداة التطور الاستثنائي الذي شهدته معراب باعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تبنيه ترشيح رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
ذلك ان الساعات الاربع والعشرين التي اعقبت هذه الخطوة اكتسبت دلالات بارزة من خلال ديناميكية قوية طبعت المشهد السياسي وبدا واضحاً من خلالها ان فريقي التفاهم العوني – القواتي قررا المضي في ضرب حديد خطوتهما وهو حام من خلال اطلاق حملة تسويق قوية وفورية للترشيح في كل الاتجاهات السياسية.
وجاءت هذه الحركة وسط معطيات تشير الى ان مهلة قد لا تتجاوز الشهر ستشكل الفرصة الثمينة للاندفاع في محاولة تشكيل اكثرية وازنة لتزكية خيار ترشيح العماد عون، علماً ان منافسه الوحيد والرئيسي النائب سليمان فرنجيه بدا بدوره كأنه اتخذ من احتفالية معراب منطلقاً جديداً لتزخيم تحركه بالتنسيق مع داعمه الاساسي الرئيس سعد الحريري.
واذا كانت المعطيات تعكس صورة ضبابية غداة لقاء معراب لم تتبدل معه علناً على الاقل الملامح الاساسية لتوزع القوى والكتل النيابية بما لا يجعل أياً من العماد عون والنائب فرنجية يأمن وجود أكثرية محسومة لمصلحته، فان الكلام الواضح الذي يتردد في الكواليس والمقار السياسية يستبعد ان تكون جلسة 8 شباط مفصلية وحاسمة كما بدأ يأمل كثيرون.
ولعل أبرز ما يتردد في هذا السياق ان العماد عون نفسه لن يقبل بحضور جلسة يتنافس فيها مع النائب فرنجية وسط جو يصعب معه حصر التوقعات والنتائج سلفاً، علماً ان اشارة عون في الكلمة التي القاها في معراب كانت واضحة تماماً لجهة حضه على “الاجماع ” في انتخابه. وهو الامر الذي يشكل واقعياً العقبة الأساسية أمام الحلف العوني – القواتي نظراً الى انه على رغم الوتيرة الهادئة للغاية التي طبعت بيان كتلة “المستقبل” أمس حيال ترشيح جعجع لعون، فان الكتلة كانت واضحة في الاشارة الى مضيها في “التزام توجهات الرئيس الحريري” والتي يفهم منها انه مستمر في مبادرته لترشيح النائب فرنجية.
من جهتها، كتبت صحيفة “السفير”: وفي اليوم الثاني على حدث معراب، انشغل اللاعبون المحليون بمحاولة “الإعراب” السياسي لمبادرة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فيما بقيت “الشيفرة” الإقليمية والدولية غير مكتملة، في انتظار اتضاح مسار التطورات في المنطقة، وبالتالي نضوج “كلمة السر” التي باتت أحرفها تتوزع بين عون والنائب سليمان فرنجية، في وقت كان لافتا قول وزير الخارجية القطري خالد العطية إن قرار جعجع ترشيح عون حكيم، مؤكداً أن “جعجع أخذ بعين الاعتبار مصلحة لبنان”.
وبدا واضحاً أن موقف جعجع أطلق دينامية سياسية إضافية في “الصحراء اللبنانية”، شبيهة بتلك التي أحدثها قبل فترة تسريب خبر دعم الرئيس سعد الحريري ترشيح فرنجية، إنما من دون ان يكون أحد قادرا، حتى الآن، على الجزم بماهية مشهد النهاية في هذا الفيلم الرئاسي الطويل.
وأضافت “السفير”: “الأمر الوحيد المؤكد، في مرحلة خلط الأوراق، هو أن “تسونامي” التحولات في الخيارات والتحالفات حوّلت كلا من فريقي “8 و14 آذار” الى “هيكل عظمي” مترنّح، بعدما “تمرد” جعجع على الحريري، وفرنجية على عون، ليرتسم فوق أنقاض الفريقين اصطفاف جديد، يكاد يطغى عليه الطابع الطائفي الذي يوحي بتكوّن أكثرية مسيحية تدعم عون في مواجهة أكثرية اسلامية تعارضه.
الكل “استحقها”، وبدا بحاجة الى مزيد من الوقت لـ”هضم” مفاعيل انقلابين سياسيين، كان يتهيأ للكثيرين أن حدوثهما يحتاج ـ وفق التقويم التقليدي ـ الى “أزمنة سياسية”، فإذا بهما يحصلان خلال أسابيع، كانت كافية ليقرر الحريري ترشيح فرنجية، وجعجع ترشيح عون:
جنبلاط يتمهّل في انتظار ان يلتقط رادار المختارة الذبذبات الإقليمية.. “تيار المستقبل” أعلن عن حالة طوارئ سياسية استدعت انتقال وفد منه (فؤاد السنيورة ونهاد المشنوق وأشرف ريفي وسمير الجسر ونادر الحريري) الى السعودية للقاء الرئيس سعد الحريري على عجل.. الرئيس نبيه بري يراقب محتفظاً بحق اختيار التوقيت المناسب للافراج عن الكلام المباح.. “الكتائب” التي باتت بين فكي كماشة الرابية ومعراب تدرس الخيارات.. و “حزب الله” يراعي التوازن الدقيق بين عون وفرنجية.
أما احتمال ان ينعكس تفاهم معراب خرقاً في العلاقة المقفلة بين “حزب الله” و”القوات”، فهو احتمال يبدو مستبعدا، أقلّه حالياً، إذ ان الحزب الذي لا يخفي حماسته لعون، يحرص في الوقت ذاته على مراعاة خصوصية حليفه الآخر سليمان فرنجية، وهو على الأرجح لن يبادر الى أي خطوة قد توحي بأنها تساهم في عزله او تهميشه، من قبيل فتح حوار رسمي مع “القوات” في هذا التوقيت.
وبرغم أن لقاء معراب يمكن أن يشكل، من حيث المبدأ، إحراجاً لفرنجية على الصعيدين المسيحي والرئاسي، إلا أن المعلومات تفيد بأن فرنجية مصمم أكثر من أي وقت مضى على الاستمرار في المعركة الرئاسية، وأنه ليس بصدد التراجع عن خوضها، متسلّحا بالعديد من عناصر القوة التي يعتقد أنها تسمح له بـ “الصمود”.
وبهذا المعنى، فإن فرنجية ليس في وارد “الانسحاب المجاني” من المعركة الرئاسية، وهو لا يجد في لقاء معراب بحد ذاته معطى كافياً لدفعه الى التسليم بانعدام فرصه، علماً ان باسيل كان قد اتصل بفرنجية قبل زيارة معراب لوضعه في أجواء التفاهم الرئاسي مع جعجع، فيما تولى رئيس جهاز التواصل والاعلام في “القوات” ملحم رياشي الاتصال بالوزير السابق يوسف سعادة وأبلغه بنية جعجع تأييد ترشيح عون.
من جهتها، اعتبرت صحيفة “الأخبار” أن الانتخابات تبقى رهينة لدى الرئيس سعد الحريري في الرياض.
وبحسب مصادر وثيقة الصلة بالمشاورات الجارية بين القوى السياسية، فإن بري وجنبلاط لن يحملا “وِزر” معارضة خيار أكثرية المسيحيين. وهما سيراهنان على موقف تيار المستقبل، الأكثر تعنّتاً بين القوى السياسية الرافضة لوصول الجنرال إلى قصر بعبدا.
وحتى ليل أمس، كانت المعطيات الواردة من الرياض تؤكّد أن المستقبل، ومن خلفه السعودية، سيعطّلان الاستحقاق الرئاسي، حتى لو اتسعت مروحة القوى الداعمة لرئيس “التغيير والإصلاح”.