مبادرة جعجع بترشيح عون لرئاسة الجمهورية ستبقى الحدث ومحور كل الحركة السياسية لأيام وأسابيع، كانت أكثر من “حجر ألقي في المياه الرئاسية الراكدة محدثا دوائر وتموجات”، كادت تكون “زلزالا سياسيا” ترددت أصداؤه في كل الأرجاء وستكون له ارتداداته التي بدأت على الفور.
فقد نجح جعجع في خطف الأضواء وفي أن يقتحم المشهد السياسي وأن يتصدره من موقع “الناخب الأساسي” وبقوة وفاعلية أكثر مما كان عليه الحال عندما كان “مرشحا أساسيا”.
اتفاق جعجع ـ عون فرض واقعا جديدا أربك الجميع دون استثناء ودفعهم الى مراجعة الحسابات.
واعتبرت صحيفة “الأنباء” الكويتية ان الأنظار اتجهت أولا الى المعني الأول والمباشر بالموضوع “سليمان فرنجية” الذي كان لامس عتبة بعبدا لرصد كيف سيتصرف وما إذا كان سيقدم على الانسحاب بعدما تحسنت فرص عون في الفوز أم سيواصل معركته، معتبرا أن ما يريده جعجع من مبادرته هو قطع الطريق عليه وليس إيصال عون الى قصر بعبدا. جواب فرنجية جاء سريعا: الاستمرار في المعركة.
اتجهت الأنظار أيضا الى الرئيس سعد الحريري الذي ظل حتى الساعات الأخيرة غير متوقع وغير مصدق أن جعجع يمكن أن يتخذ قرار ترشيح عون ليفاجأ بـ “احتفال رفع الأنخاب” في معراب الذي رأى فيه احتفالا بإسقاط مبادرته وأشعره بانزعاج شديد لا يقل وطأة عن الشعور الذي راوده بعد “احتفال رفع الأنخاب” في الرابية قبل سنوات عندما أسقطت حكومته على حين غفلة.. جواب الحريري الأولي: فلتكن المبارزة وليربح الأقوى.
اتجهت الأنظار أيضا الى المصابين بارتباك ملحوظ، نبيه بري ووليد جنبلاط، لأن حساباتهما وخططهما المنسقة لم تصح هذه المرة وجرت رياح الرئاسة بما لا تشتهي سفنهما. ولكن في الواقع الأنظار تتجه، بشكل مركز وأكثر من أي اتجاه وطرف آخر، في اتجاه حزب الله لسببين على الأقل:
٭ الأول: لأنه الممر الإلزامي الفعلي للانتخابات الرئاسية، وفي يده زمام القرار والمبادرة، فهو الأقوى “على الأرض” وفي المعادلة وميزان القوى رغم حجمه النيابي “المتواضع”. وهذا ما أكدته الوقائع والتطورات التي انتهت بعد سنة ونصف السنة الى أن يصبح السباق محصورا بين حليفين له والى انتصار سياسي مؤكد في هذه المعركة، حتى ان المجتمع الدولي المتحرك بخجل على خط هذا الاستحقاق اللبناني بات يعترف بأن الموضوع يحسم في الداخل وأن حزب الله هو من يبت ويحسم فيه، بدليل أن مبادرة الحريري المغطاة دوليا سقطت داخليا على يد حزب الله.
٭ الثاني: لأن الكرة الرئاسية استقرت عمليا في ملعب حزب الله، وإذا كان يساوره شعور الارتياح ازاء ربح مضمون، يساوره أيضا شعور الإحراج ازاء موقف لم يكن يتصور أنه سيصل إليه بأن يرشح قطبا 14 آذار الحريري وجعجع حليفيه الأساسيين فرنجية وعون.
وبات عليه الآن أن يقرر ويختار بين فرنجية وعون، لا بل بات عليه أن يقرر مصير الاستحقاق الرئاسي وبات يتحمل أكثر من غيره مسؤولية الوضع واستمرار الفراغ الرئاسي.
المسألة عند حزب الله وفي حساباته ليست بسيطة وسهلة ومجرد مفاضلة بين فرنجية وعون، وإنما هي مسألة معقدة تتداخل فيها اعتبارات كثيرة داخلية وإقليمية، وهذا ما يفسر الصمت الرئاسي الذي مارسه حزب الله بعد مبادرة الحريري وبعد مبادرة جعجع وكيف أن السيد حسن نصرالله لم يتطرق في أي من خطاباته المتلاحقة منذ شهر الى الملف الرئاسي.
ومثلما لم يكن حزب الله مسرورا ومتقبلا لاتفاق الحريري ـ فرنجية في ضوء إشكالية عودة الحريري الى رئاسة الحكومة ومن ضمن أي شروط وظروف، فإنه لم يكن كذلك إزاء اتفاق جعجع ـ عون في ضوء إشكالية الثمن أو المقابل الذي يترتب على عون ومن ضمن أي إطار سياسي. وفي الواقع فإن الفوضى التي دبت في صفوف ١٤ آذار أربكت حزب الله بقدر ما أفادته وحشرته وضيقت هامش الوقت والمناورة لديه.
حزب الله ملتزم منذ البداية بمرشحه العماد عون وتوافرت له الآن فرصة للدفع في اتجاه إيصاله الى رئاسة الجمهورية.
فإذا كان يريد ذلك، فالمؤشر يكون في ممارسة ضغوط على فرنجية أولا لسحب ترشيحه وعلى بري لتأييد عون.
ولكن حزب الله الذي لا يريد خسارة عون لا يريد أيضا التفريط في فرنجية، لا بل يريد احتواءه واستيعابه، ومثلما امتنع عن ممارسة ضغوط على عون سيمتنع عن ممارسة ضغوط على فرنجية للانسحاب، كما أنه لا يريد فرض رئيس على تيار المستقبل ومن خارج الحوار الجاري وروحيته.
والسؤال الذي يطرح حول موقف حزب الله ليس من يريد ومن يفضل بين فرنجية وعون. السؤال الأصح يبقى هل يريد انتخابات رئاسية الآن؟!