Site icon IMLebanon

رفع وزن ربطة الخبز.. عودة جزء من الحقوق

مارسيل محمد

يحمل علي ابن العشر سنوات ربطة الخبز فوق رأسه، ويحاول موازنتها كي لا تقع على الأرض، لكنه سرعان ما يمسكها بيده ويقطع الشارع ليصل الى مدخل البناية حيث يسكن. يقوم علي بهذه “اللعبة” كلما أرسلته والدته ليشتري ربطة خبز من التعاونية البعيدة بضع خطوات عن المنزل. يحب علي هذه اللعبة، ولا يدري “ليش بيعمل هيك”، لكن المؤكد، هو حبه للخبز، فأحياناً يأكل “رغيف حاف بلا أي شيء”. وحب علي للخبز هو حب طبيعي وضروري للعيش لكن علي والكثير من الفتيان والفتيات في سنه لا يعلمون شيئا عن انخفاض او ارتفاع سعر ووزن ربطة الخبز. كل ما يهمهم هو الأكل حتى وان كان سعر الرغيف لا ربطة الخبز 1500 ليرة.
ربطة الخبز كانت ولا تزال المؤشر الاساسي لأسعار السلع في لبنان والعالم. وفي العالم أجمع يُنظر الى الخبز على أنّه رمز الحياة. لكن في السياسة والإقتصاد يختلف الوضع تماماً، فتوفر الخبز وتحديد سعره يدخل في لعبة السياسة والإقتصاد، وتحديدا في لعبة المصالح بين اصحاب الافران والدولة ومستوردي النفط فهؤلاء هم الذين يحددون الاسعار والاوزان، لكن المشكلة انهم لا يحددون ذلك بحسب كلفة الانتاج وانما بحسب نسبة الارباح التي يريدون تحصيلها. فمع انخفاض اسعار النفط عالمياً بقي سعر ربطة الخبز في لبنان 1500 ليرة وبقي وزنها منخفضا الى 950 غراماً، بعد ان ارتفع الوزن 50 غراماً عن التخفيض الذي طال الربطة في العام 2012، حيث خفّض وزنها الى 900 غراماً بعد أن كان السجال قائماً بين رفع السعر أو خفض الوزن.
ربطة الخبز سترتفع عن 950 غراماً خلال الاسبوع المقبل، استنادا الى قرار وزير الاقتصاد الان حكيم، الاربعاء، برفع وزن الربطة “نظرا لإنخفاض اسعار المحروقات عالمياً”، وفقاً لما قاله إثر لقاء جمعه، الإثنين، بمدير عام الحبوب والشمندر السكري حنا العميل، ووفد اتحاد نقابات الأفران برئاسة كاظم إبراهيم، تم البحث خلاله في موضوع كلفة ربطة الخبز في ضوء تراجع اسعار بعض المواد الداخلة في صناعة الرغيف ولاسيما مادة المازوت. وسيكون رفع الوزن كما أوضح حكيم، استناداً الى “استكمال الدراسات مع الجهات المعنية من افران ومطاحن، والقطاعات المعنية بهدف التوصل الى زيادة وزن الربطة بما يؤمن حقوق الجميع”. وتجدر الاشارة الى ان نسبة الزيادة لم تحدد بعد، لأن الدراسات لم تنته، ولم تحدد كل جهة معنية بموضوع الخبز “مصلحتها” من الوزن الجديد. وفي السياق، دعا حكيم أي جهة لديها دراسة حول الموضوع، للتقدم وطرح ما لديها على وزارة الاقتصاد “ونحن على استعداد لدراستها”.
إذا الأمور باتت مفتوحة على كل الاحتمالات مع وعد بإعطاء المواطن جزءاً من حقه المسلوب سابقاً، لكن برغم ذلك، لم يتأكد المواطن اذا ما كان حقه سيعود إليه، فذلك مرهون بـ “الدراسات” التي سيقوم بها اصحاب المصالح، اي التجار والسياسيين. هذا الهامش المفتوح لا يمكنه ان يعطي السعر الحقيقي لربطة الخبز، لأنه في الاصل لا يتحدد وفق اسعار المواد التي تدخل في صناعته. وهنا يشير رئيس جمعية المستهلك زهير برو في حديث لـ “المدن” الى انه “يجب الخروج من لعبة الوزارة والمطاحن والافران، والتي تتضمن مفاوضات يربح فيها هؤلاء دائماً على حساب المواطن”، ويضيف برو ان الحل يكمن في اعتماد “معادلة فيها اسعار مكونات الخبز، من طحين وملح وخميرة، ويضاف اليها اسعار المحروقات وكلفة العمال، وهامش الربح. وفي هذه الحالة يصبح تحديد سعر الخبز تلقائياً وواضحاً، ولا تعود هناك ضرورة لتدخل أحد في نقاش سعر الخبز”. وينتقد برو عدم قيام اي وزير للإقتصاد بتحديد سعر الخبز “وفق عملية حسابية واضحة”. ويلفت الانتباه الى ان السعر الحالي لربطة الخبز يحتوي على لعبة يربح فيها اصحاب الافران “30%” ويصل ربح اصحاب الدكاكين الى “50 و60%”، حيث يتم تسليم الخبز الى الدكاكين بسعر حوالي “1000 ليرة”، ويباع بسعر “1500 ليرة”، ويرى برو ان هامش الربح هذا ينفي ادعاء اصحاب المصالح بان السعر المحدد يتضمن اسعار الاكلاف بطريقة صحيحة. وينفي امكانية تحديد السعر او الوزن بناء على سعر النفط، لأن المحروقات هي جزء من عملية الانتاج وليست كل العملية.
من جهة اخرى، ينتظر اللبنانيون مطلع الاسبوع المقبل لمعرفة وزن الربطة الجديد، دون انتظار تعديل في السعر. وبذلك، يكون اصحاب المصالح قد أعادوا للمواطن جزءاً من حقه المسلوب مسبقاً، فهذه الزيادة لا تعني أن الدولة واصحاب المصالح قد خفضّوا الكلفة على المواطن من طريق رفع الوزن، بل خفضوا جزءاً من ارباحهم بعد ان كشفها انخفاض النفط الى مستويات كبيرة لا يمكن لأصحاب المصالح التغاضي عنها.