IMLebanon

جعجع ينتزع المبادرة المسيحية من التوافق السني – الشيعي

samir-geagea

 

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”: ستتوالى تداعيات “ضربة” رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بتبنيه ترشيح خصمه زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية خلال الأيام والأسابيع المقبلة على الصعد كافة، باعتبارها أنشأت وقائع جديدة تفرض نفسها على المشهد الداخلي وعلى المواقف الخارجية، الدولية والإقليمية، حيال لبنان.

فبالإضافة الى أن قلب جعجع الطاولة سيقلب حكماً التحالفات الداخلية ويخلط الأوراق، بات على سائر القوى المحلية والخارجية تحدي بلورة مواقفها من هذه الوقائع قبل الجلسة النيابية المقررة في 8 شباط (فبراير) المقبل والمخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد فشل 34 جلسة سابقة منذ أيار (مايو) 2014 في ملء الشغور الرئاسي اللبناني.

وعلى الكتل النيابية أن تقرر توجهها في الجلسة المقبلة استناداً الى حسابات الأصوات، وما إذا كان معارضو خيار عون سيغيرون موقفهم، وسيحددون خياراتهم، وما إذا كان خيار ترشيح زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري، رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية سيبقى ثابتاً، كما هو الآن وفق تصريحات الأخير ومواقف “المستقبل”.

جعجع لاعب رئيسي

ومع الأهمية القصوى لما أقدم عليه جعجع، بتكريس نفسه لاعباً رئيساً في الاستحقاق الرئاسي عبر خطوته تبني ترشيح عون، وعرّاباً لفكرة توحيد الموقف بين قوتين مسيحيتين هما الأقوى، لـ”مصلحة المسيحيين”، فإن الأوساط المتتبعة خفايا محاولات إنهاء الشغور الرئاسي تدعو الى الإضاءة على الخلفيات والأبعاد الإقليمية لما أقدم عليه رئيس “القوات”.

ويمكن تسجيل جملة معطيات وملاحظات متصلة بما سبق وما سيلحق ضربة جعجع كالآتي:

– أن عون وجعجع استبقا زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي الفاتيكان التي تبدأ غداً الخميس، والتي تردد أن جهوداً بذلت معه من مؤيدي خيار فرنجية للرئاسة كي يطرح على الكرسي الرسولي ضرورة بذل الجهد لاعتماد هذا الخيار، من باب حرصه على إنهاء الشغور الرئاسي، طالما أن فرنجية يحظى بتأييد تيار “المستقبل” والمسيحيين المستقلين. وأفاد المطلعون على هذا الجانب من خطوة جعجع- عون “الحياة”، بأنها قطعت الطريق على احتمال طرح الراعي خيار فرنجية، إذا كان صحيحاً أنه كان ينوي ذلك، في الفاتيكان.

وبحسب هؤلاء، ففي كل الأحوال، تكمن أهمية التداول مع الفاتيكان حول الرئاسة في لبنان، في أنه يسبق بأيام قليلة زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للبابا فرنسيس آخر الأسبوع، وسط توقعات بأن يطلب الفاتيكان منه أن تبذل بلاده جهودها مع حلفائها في لبنان لإنهاء الشغور الرئاسي. وتشير الأوساط المتابعة للاتصالات الخارجية حول لبنان، الى أن روحاني سيزور بعد الفاتيكان باريس، ومن المعلن والمعروف أن الرئيس فرنسوا هولاند سيطرح عليه أن تلعب طهران دورها في ملء الفراغ الرئاسي، وسبق أن تواعد معه خلال لقائهما في أيلول (سبتمبر) الماضي في نيويورك، على متابعة بحث الأمر (خلال الزيارة المرتقبة).

وبصرف النظر عن التوقعات في شأن تفاصيل ما سيطرح في لقاءي الفاتيكان وباريس، فإن تبني جعجع لعون خلق واقعة جديدة يستحيل تجاهلها، ستفرض نفسها على اللقاءين، وتستبق احتمال أي تقدم لخيار فرنجية الذي يتفق عون وجعجع على رفضه، ويجعل خيار عون متقدماً في حال جرى التداول بالأسماء بين مسؤولي الدول الثلاث.

– أن الدوافع الفعلية والعميقة الكامنة وراء ضربة جعجع هي انتزاع الفريقين المسيحيين الأقوى في لبنان المبادرة في الشأن الرئاسي، بدل حصر الأمور الأساسية على مدى السنوات الماضية، بالتوافق السني- الشيعي، وتحديداً تيار “المستقبل” و “حزب الله”، ففي زمن الخلاف تنسحب التداعيات على حلفاء كل منهما من المسيحيين، وحين يتفقان يدفع هؤلاء الثمن. ومع أن خيار فرنجية لم يترجمه اتفاق بين “المستقبل” والحزب، فإن إبقاءه قائماً استبطن انتظار إمكان حصول التوافق السني- الشيعي، الذي أخر حصوله تأزم العلاقة بين السعودية وإيران. فالاعتقاد السائد لدى قيادات مسيحية أن التنازل الذي قدمه الحريري بقبول مرشح من “8 آذار”، هو مقدمة لتفاهم بينه وبين الحزب على المرحلة المقبلة في لبنان.

لكن أوساطاً عديدة تحرص على التعمق في خلفيات اتفاق الخصمين اللدودين، جعجع وعون، تذهب في تفسيره الى حد الاعتقاد أن تنازل جعجع لزعيم “التيار الوطني الحر” ينطلق من حاجة القادة المسيحيين الى التكتل والتوحد في لبنان، في وقت تموج المنطقة على وقع التغييرات والتبديلات في مواقع المكونات الطائفية، من سورية الى العراق وغيرهما، وأن هناك مصلحة للمسيحيين في أن يتعاونوا لحفظ موقعهم في البلد الصغير، والتمسك بمواقعهم، من الرئاسة الى أوجه وجودهم كافة في المجتمع والدولة، بصرف النظر عن مكسب هذا أو ذاك (تحديداً جعجع) من خطوة تبني عون للرئاسة.

وبين الأوساط التي تقرأ خطوة جعجع من هذه الزاوية العميقة، مَن يعتبر أنه إذا كانت تنتزع المبادرة من التوافق السني- الشيعي على الرئاسة المسيحية، فإن مفاعيل ذلك تنطبق على فريق “المستقبل” أكثر، لأن لدى “حزب الله” القدرة على التكيف معها أكثر، طالما أنه كسب مرشحين من فريق 8 آذار (فرنجية وعون) وأنه يمكنه توظيف ذلك في صراعه مع “المستقبل” وفي إطار تصاعد الصراع السعودي- الإيراني، على رغم أن النقاط العشر التي أذاعها جعجع كبرنامج رئاسي ليست في مصلحة الحزب وتعاكس تورطه في القتال السوري… إلخ.

“فليكن”

لكن المطلعين على الاتصالات التمهيدية لتبني “القوات” ترشيح عون، يؤكدون أن الأخير أطلع “حزب الله” على تفاصيل الاتصالات التي ارتفعت وتيرتها في الأيام الماضية مع جعجع، بما فيها النقاط العشر التي أذاعها الأخير واعتبرها عون “في ضميرنا وكتابنا وسنعمل عليها”، وأن الحزب لم يعترض عليها.

– استتباعاً، تترتب على خطوة جعجع تداعيات إقليمية أخرى، فمقابل مكاسبه “كمنقذ لوحدة المسيحيين ومصلحتهم” على المديين القريب والبعيد، يهمس غير مصدر سياسي ومتابع للتفاصيل، بأنه أقدم عليها متخطياً “ضغوطاً كبيرة” من تيار “المستقبل”، بالإصرار على استقلالية قراره. وهو إذ سعى إلى تزيين خياره بأنه مكسب له مسيحياً قياساً إلى عون، وأنه حريص على وحدة قوى “14 آذار” ومصر على ضمان رئاسة الحريري للحكومة، فإن لغة أخرى كانت ترافق تحضيره لقلب الطاولة، أقلها أنه مثلما انفرد الحريري بترشيح فرنجية يحق له الذهاب الى خيار عون، وأنه لم يعد يقبل أن يكون ملحقاً لـ “المستقبل”. وحين سمع من قياديي التيار الأزرق أنه بخياره يفك التحالف، لم يتردد في القول في الكواليس: “فليكن”.

لكن لذلك تداعيات أبعد، لأن جعجع أقدم على خطوة غير مستحبة من الجانب السعودي، كما يقول العارفون بالاتصالات بينه وبين الرياض.

فالأوساط التي تعرف هذه المعطيات والوقائع (وغيرها) تعتقد أن جعجع أقدم على خطوة هي في مصلحة حلفاء إيران في هذه الظروف الحرجة من الصراع مع طهران على امتداد المنطقة كلها. وإذا صح التوقع بأنها ستتعاطى معها على أنها تحقق لها تقدماً في نفوذها في لبنان، فإن الرياض تنظر إليها بعين كثيرة التحفظ.