IMLebanon

الكنتونات الكردية السورية: إقتصاد “فرعي” لا يضاهي الدولة

Kurds
أزدشير أحمد

أثَّر الواقع الاقتصادي المرير الذي مرت به سوريا منذ بداية الثورة على جميع نواحي حياة المواطنين، وأدى إلى هجرتهم ونزوحهم، خصوصاً بعد أن وصلت جميع المؤشرات الاقتصادية إلى درجات حادة من السوء.
وكانت لأكراد سوريا حصتهم من الهجرة والنزوح الداخلي، تحديداً من مناطق الداخل الى المناطق الكردية التي تحولت الى كانتونات بإدارة ذاتية بشكل علني في تشرين الثاني 2013، وقُسّمت المنطقة الكردية الى 3 مقاطعات رئيسية هي الجزيرة، كوباني، عفرين، تدار بواسطة لجنة إشراف مشتركة. وتشير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، الى ان 23% من أصل 7 ملايين نازح داخلي في سوريا، توجهوا الى نطاق الكنتونات الكردية، وهذا الأمر كانت له سلبيات وإيجابيات على هذه الكنتونات.

من الناحية الإيجابية، إكتسبت الكنتونات طاقات شبابية جديدة، تؤثر في حركة الإعمار. وظهر ذلك بوضوح خلال مشروع إعادة إعمار كوباني، وتحديداً عبر مشروع بناء 100 مبنى سكنياً، وبناء مستوصف صحي، ومخبز جديد. وإرتفعت حاجة الكنتونات الى الطاقات الوافدة، مع إنصراف السكان الأصليين الى القتال. لكن من جهة أخرى كان لتوافد النازحين انعكاسات سلبية تتلخص بزيادة الأعباء على كاهل الإدارة الذاتية، وتحديداً أعباء تأمين السكن ومستلزمات الطاقة، وبشكل خاص الغاز والمازوت للتدفئة، فضلاً عن زيادة الضغط على البنى التحتية للكنتونات. أما أبرز وجوه الضغط، فهو اضطرار الأكراد النازحين الى ترك أعمالهم في الداخل، وعدم إيجاد بديل في الكنتونات، وهو ما واجهه صاحب سلسلة مطاعم للوجبات السريعة في دمشق، خضر محفوظ، والذي يشير لـ”المدن” الى انه ترك المهنة التي ورثها عن والده وجده، بعد ان اشتد القصف، ولم تترك له الصواريخ مكاناً للعمل، وجعلت ممتلكاته أنقاضاً. حال محفوظ تشبه حال إبراهيم حمو الذي يقول لـ “المدن” انه لم يتمكن من إكمال تعليم أولاده في جامعة حمص، فتوجه الى عفرين، محاولاً الإندماج في بيئتها، بعد ان افتتح محلاً لبيع الخضار. ويؤكد الرجل الخمسيني انه اليوم، عالق في المجهول.

أمام هذه التحديات، تحاول الإدارة الذاتية إيجاد الحلول، فبدأت بتنفيذ ما يسمى “الإقتصاد التشاركي”، عبر “تقزيم حجم الملكية الخاصة الى 17%”، وفق ما يقوله لـ “المدن”، الخبير الإقتصادي كيندال عفريني، الذي يشير الى ان تقزيم الملكية سيؤدي الى “تخوف بعض المستثمرين الكبار من الدخول في عملية إعادة الإعمار”، لكنه يجد بعض التطمينات في ما تعتمد عليه الإدارة الذاتية من مقدرات، كالنفط مثلاً، حيث تُنتج الإدارة “250 ألف برميل يومياً، وهناك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، يمكنها انتاج حوالي 16 الف اسطوانة غاز يومياً، بالاضافة الى توفر سلع أساسية مثل القمح الذي يأتي بمردود 372 مليون دولار سنوياً، والزيتون الذي يأتي بمردود 750 مليون دولار سنوياً، الى جانب القطن بمردود 230 مليون دولار سنوياً”.

وإذا كانت النتائج السلبية التي تعانيها الكنتونات اليوم، قابلة للتذليل بفعل القدرة الإقتصادية لبعض القطاعات، الا ان هذه الانعكاسات قد تكون كارثية على الاقتصاد السوري عموماً، وربما تكون غير قابلة للتعويض بسرعة، وبشكل جيد. حيث ان النزوح الكثيف، ودعم النظام لمثل هذا النزوح في اكثر من منطقة بهدف تسهيل الفرز الديموغرافي الطائفي، سيفقدان الدولة حقول الطاقة في منطقة الرميلان، والخزان المائي الأهم في منطقة الجزيرة، التي تضم 10 سدود تتسع لحوالي 300 مليون متر مكعب، وخسارة 8 انهار من بينها نهر دجلة، فضلا عن عشرات الينابيع والآبار، علماً ان المنطقة الكردية تضم حوالي 57% من حجم ثروة سوريا المائية. اما الخسارة الاخرى، فتتمثل باليد العاملة النازحة والمهاجرة، والتي من الصعب عليها العودة الى نشاطها السابق.

حال المنطقة الكردية ربما يكون افضل من باقي المناطق نظراً لوجود ما يشبه “تنظيم الأوضاع”، بشكل افضل من باقي المناطق، خصوصاً أن الأكراد يملكون القدرة ولديهم الخبرة في الإدارة الذاتية. لكن كل تلك الخبرات لن تعوّض ما تفقده سوريا والسوريون من مقدرات ومقومات لبناء الدولة. وإذا كان النظام يراهن على مساعدات حلفائه، الا ان هذه المساعدات لا تستطيع بناء اقتصاد دولة، وهي قابلة للتعديل بحسب المتغيرات السياسية.