ميليسا لوكية
في ظل الفساد السياسي الذي أفقد الناس الثقة بقدرة الطبقة الحاكمة على تسهيل أمور حياتهم اليومية، قد تبدو عقدة السير في لبنان غير عصيّة عن الحل اذا توافرت الارادة الفعلية لذلك. وعلى غرار الدول المتقدّمة التي توصلت إلى تجنيب مواطنيها استنزاف طاقاتهم وأعصابهم على الطرق، يبقى لبنان صاحب مكوّنات وعوامل طبيعية تسمح له في أن ينضمَّ إلى صفوف هذه الدول، إذا التزم تحسين أوضاعه.
يتكبّد الاقتصاد المحلي بفعل الأزمات المرورية خسائر تقدّر بنحو ملياري دولار سنوياً بين تكاليف مباشرة وغير مباشرة. وفي حين لم تلقَ هذه المشكلة الاهتمام الكافي بعد، يبقى عدد كبير من الحلول المقترحة مجرّد حبر على ورق، رغم أنَّ بلدية بيروت بدأت تبذل جهوداً لتخفيف زحمة السير في العاصمة وتعمل على تحسين طرقها.
ولزحمة السير أسباب عدّة يردّها عميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة روك – أنطوان مهنا الى “الكثافة السكانية في العاصمة وضواحيها، غياب التنظيم المدني، عدم التزام نظام السير، فضلاً عن كون العاصمة مليئة بالآثار، الأمر الذي يعرقل عملية إنشاء مواقف تحت الأرض تخفف عن الطرق الأعداد المتزايدة للسيارات”.
ويشير مهنا لـ”النهار” إلى أنَّه كان يُفترض أن تكون المباني في وسط بيروت مخصصة للسكن بدلاً من الشركات، بما يخفّف الطلب على المواقف لركن سيارات العاملين فيها والزوّار، ويتيح لقاطني المنازل فرصة التنقل سيراً على الأقدام، وتالياً إبقاء المدينة حيّة ليل نهار.
ويبدو أنَّ التوصل إلى خفض نسبة الازدحام ليس مستحيلاً، خصوصاً أنَّ الحلول متعدّدة ولا تتطلّب إلاّ توافر نيّة جدية في تطبيقها. وهنا، يلفت مهنا إلى أهمية المواقف الأفقية، كالتي تنتشر في اليابان وهونغ كونغ، والتي تتولى فيها آلات متخصصة في ركن السيارات بطريقة أوتوماتيكية تضمن الإفادة من كل المساحات المخصصة لهذا الموضوع.
ويضيف: “لأن للبنان امتداداً طويلاً على الشاطئ يصل إلى 215 كيلومتراً، يمكن الإفادة من أوتوستراد بحري ومن سكة الحديد الممتدة على هذا الخط بطريقة تتيح التنقل من بيروت إلى جونيه بواسطة نظام الـ BRT) Bus Rapid Transit)، مع استبدال القطار بباصات تسير على سكة كهربائية، وإضافة مخارج من طرابلس، شكا، البترون، جبيل وغيرها من المدن الساحلية تكون في الوقت عينه نقاطاً سياحية. وفي ظل وجود تعديات على هذه السكة زادت وضعها سوءاً، تصل تكاليف اعادة تأهيلها الى نحو 100 مليون دولار.
ويستطيع القطاع العام، وتحديداً وزارة العمل، أن يضطلع بدور فاعل في هذا المجال عبر إجراء تعديل على دوامات العمل، خصوصاً أنَّ كل المؤسسات الرسمية والمدارس والمصارف تلتزم المواعيد عينها في الدخول والمغادرة، وفق مهنا الذي يرى أنَّه في إمكان البلديات تخصيص بضعة أيام في الأسبوع للدراجات الهوائية، بحيث ينتقل المواطنون بواسطتها الى اعمالهم او الى اي مكان قريب من منازلهم.
أخيراً، يشدّد مهنا على وجوب إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي لا يزال عالقاً في ادراج مجلس النواب، بهدف إحراز تقدم في هذا المجال، وتالياً إيجاد حلول لمشكلات المياه والكهرباء أيضاً، فضلاً عن تطبيق اللامركزية الإدارية وتفعيل مطارات حامات، ورياق، والقليعات، الكفيلة بإيجاد آلاف فرص العمل.
مشاريع جديدة
تعمل بلدية بيروت، في سياق جهودها الرامية إلى تخفيف ثقل أزمات السير عن كاهل المدينة، في اتجاهات عدّة الهدف منها الوصول إلى سياسة نقل مشترك تكون صحيحة وبنّاءة.
ويشرح رئيس لجنة السير في البلدية رشيد الأشقر لـ”النهار” أنَّ البنك الدولي قدّم للدولة قرضاً لتنظيم النقل المشترك والسريع، على أن يصب في بيروت ويسير على خطوط سير مستحدثة، ولا يزال هذا الموضوع في عهدة مجلس الوزراء ينتظر عملية تنفيذه على أرض الواقع.
ويشدد على أنَّ المفتاح الرئيسي لتخفيف أزمة السير هو خفض عدد السيارات والمواقف. وقد اتخذت البلدية اجراءات عدة واستملكت الأراضي لإنشاء مواقف علوية أو سفلية مُمكنَنة، أي تصبح السيارات قادرة على الوصول إلى المواقف عبر مصاعد تركنها بدقة، كذلك كلفت شركات متخصصة إجراء دراسات ستطبق على أراض في منطقتي الأشرفية والحمرا. وتعتزم البلدية ايضاً تفعيل عمل العدادات Park Meter، والذي حدّ من بقاء السيارات مركونة لوقت طويل في المكان نفسه.
ورغم أنَّ المخالفات في مشكلة ركن السيارات لا تزال متوافرة، يرى الأشقر أنَّ الحل في تطبيق قانون السير الكفيل بخفض الأزمة بنسبة تراوح بين 10-20%، مؤكداً أنَّ البلدية تعمل حالياً على تفعيل شرطة البلدية. وبما أنَّ السيارات باتت تحتل معظم الطرق، فانَّ البلدية تجهد لاستحداث طرق تكون مخصصة للمشاة فقط، وذلك عبر تحرير الأرصفة من السيارات.
ويختم الأشقر بأنَّ العمل جار حالياً على وضع دراسة لإنشاء خطوط مخصّصة للدراجات الهوائية، على أن تمتد من حرج بيروت إلى الوسط التجاري، ومن المفترض أن يبدأ العمل على الشق التنفيذي لهذا المشروع خلال هذه السنة.