كتب باسم عون
عندما تفاقمت الأحداث الشاذة في الغرب في الآونة الأخيرة والتي قام بها “مسلمون ” غير مسلمين ، تعالت الأصوات من كل حدب وصوب تشجب الإسلام دينا، وترميه بكل ناقصة وفرية …
ولئن صح هذا عند العامة والغوغاء فهذا طبعاً لا يصح عند ذوي الألباب ممن يعرفون بدقائق الأمور …
ولم يكن الرسول العربي “صلعم” بغافل عما سيعتري أمته من شيع وبدع قد تورد المسلمين موارد الهلاك …
ولكن كلمة حق تقال ، فلئن كثر اليزيديون من مغتصبي السلطة في هذا الدين الحنيف ، فإن الصفحات المضيئة في التاريخ الإسلامي لا عد لها ولا حصر…
فمن حكمة أبي بكر وورعه حين أوصى الجيوش الفاتحة المتوجهة إلى الشام بالحفاظ على اهل الكتاب: (أرزاقهم ، دورهم ، كنائسهم ورهبانهم) إلى إبن الخطّاب نصير الفقراء والأرامل”بابا نويل” ذلك العصر وماحق الفساد بين الولاة في الأمصار، إلى الإمام عليّ (قديس الإسلام وفيلسوفه) الذي تخبو النجوم ،وكلماته المضيئة تدوم منارة أبدية تشعل الضمائر الإنسانية .
وإذا انتقلنا إلى العصر الأموي ، فيكفي أن نبدي التفاتة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز ، هذا الراشديّ الخامس الذي كانت له جولاته والصّولات في زهق الباطل وإعلاء الحقّ…
أما في العصر العباسي المظلم ، فتكفي الإشارة إلى الإمام الأوزاعي الذي حمل قضية موارنة المنيطرة عندما أجلاهم الوالي العباسي عن قراهم ، بجريرة سواهم ، وقد كلفت الأوزاعي شهادته للحقّ ما كلفته من نقمة العباسيين فما مات وحيدا في منزله إلا وقد سمع مذمّته بأذنيه .
وإذا انتقلنا إلى الحروب الصليبية التي لم تكن إلا حرب الفرسان الفرنجة على أرضنا سعيا وراء الأراضي والمغانم ،وبرغم ما صنع الصليبيون في القدس من الإبادة الجماعية مما أغرق قوائم خيولهم بالدماء ، فعندما قام رجل الدولة (الدين والدنيا) البطل صلاح الدين الأيوبي بفتحها كانت صفحة اسلامية مشرقة جديدة. إذ أعفى الألاف من الأسرى الفقراء من دفع بدلات إعفائهم ورافقهم في طريقهم إلى البحر لملاقاة أبناء دينهم في الأساطيل الصليبية . وهذا ما لم يفعله الملك ” ريتشارد” (قلب الأسد) لاحقا إذ حنث بوعوده فذبح أكثر من ألفي أسير مسلم على أسوار عكا…
وهذا بالطبع ما لم يفعله الملكان “فرديناند وإيزابيل” في أسبانيا إذ أجبرا الذين لا حول لهم على الخروج من أسبانيا على اعتناق الدين المسيحي . وابتدعت من أجل ذلك محاكم التفتيش للمراقبة ..
ما يهمنا اليوم هو أن يجمع المسلمون شتات إسلامهم الممزق ويباشروا ورشة الإصلاح التي سبقهم اليها المسيحيون منذ 500 سنة ، فأنهوا حروبهم الدينية الطويلة في مؤتمر ” وستفاليا” حيث كُرِّست حرية الأديان والمذاهب حتى عصرنا الحالي .
ولئن اختفى الله ظاهريا في أوروبا فإنه احتل مكانه الخفي في شرائع تلك الدول ،ولاسيما في شرائع حقوق الإنسان ، فأصبح كالملح المذاب في الطعام .أما نحن ، المشرقيون العرب ، فملحنا ما زال في الأكياس، في المستودعات ، وفي كتبنا المقدسة . وطعامنا ، لا نكهة له ….
أما ما أجبرني على هذه الإطالة ما شاهدناه من مأساة المجاعة في ( مضايا ، كفرا، والفوعة)…
فإن قلنا أطفال مضايا ، قالوا لنا وماذا عن كفرا والفوعة ؟؟
حسناً … الطفل الجائع لا مذهب له أيها الفقهاء ، وليس في ما تفعلونه من الحصار القاتل على أطفالكم هنا وهناك ، ما يمت إلى الإسلام بشيء ….
أم تراه من عانى من أهوال كربلاء يرتضي اليوم كربلاء جديدة ؟؟ أو من عانى مما ارتكبه العباسيون بحق الأمويين في معركة الزاب الكبير ، بما سمي بالوليمة العباسية ، حيث ضربت أعناق المدعوين الأمويين أل 750, ومُدَّت عليهم البسط وأقام المنتصرون وليمتهم فوق الجثث ، يرتضي بما يجري اليوم ؟
ولئن فهمنا ما أقدمت عليه الميليشيات من الحصار والتجويع ، فإننا لا نفهم ما قد يدفع دولة إلى ذلك، واتفاقية “جينيف” لم يجفّ حبرها بعد…
فيا أيها المسلمون بحق دين محمد، احقنوا الدماء فيما بينكم رحمة بالعالمين، واقتدوا بما ذكرنا من الصفحات المضيئة في تاريخكم ، والأقربون أولى بالمعروف ، وقد قال يسوع: “كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب “.
أولم تكن دولة ملوك الطوائف إيذاناً بأفول نجم الإسلام في اسبانيا ؟؟؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم …