مارسيل محمد
زادت التوترات الأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نسبة الضغط على قطاع الطاقة. فالحروب التي تشهدها بعض الدول العربية، على سبيل المثال، أدت الى تضرر قطاعات الطاقة بنسب كبيرة، ورفع حدة العجز المالي في هذه القطاعات، وخلقت حاجة الى مزيد من التمويل لإعادة الوضع على ما كان عليه قبل الأحداث الأمنية، على أقل تقدير.
وترتبط عملية تمويل قطاعات الطاقة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بقضايا الفقر التي تتميز بها المنطقة، فالحاجة الى محاربة الفقر وتحسين شروط الحياة للمواطنين تضاعف من أزمة تمويل الطاقة، خصوصا في ظل الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه هذه الدول، والذي يؤدي الى هدر الطاقة وهدر أموالها، في ظل غياب آليات التعويض عن هذا الهدر في قطاعات أخرى. وارتباط وجود قطاعات طاقة فاعلة بملفي الفقر والبيئة وغيرهما من الملفات، دفع البنك الدولي الى اعتبار الطاقة “عنصراً أساسياً من عناصر النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. ويُعد الحصول على إمدادات منتظمة ومستدامة وبتكلفة ميسورة من الطاقة أمراً حيوياً لإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك. فخدمات الطاقة الحديثة يمكن أن تساعد على تحسين نوعية الحياة لملايين البشر في مختلف أنحاء العالم، وتشكل أساس التقدم في جميع مناحي التنمية”.
ووفق “عرض عام للطاقة” نشر في ايلول 2015، سجل البنك الدولي وجود “1.1 مليار شخص في أنحاء العالم – أي ما يعادل سكان الهند – يعيشون بدون كهرباء، ويتركزون أساساً في أفريقيا وآسيا”، ولتعويض هذا النقص، “يعتمد 2.9 مليار شخص آخر على الأخشاب أو الكتلة الأحيائية في الطهي والتدفئة، مما يؤدي إلى تلوث الهواء داخل المنازل وخارجها، ويتسبب في وفاة 4.3 مليون شخص سنوياً”. وبهدف معالجة نقص الطاقة والنتائج السلبية التي تصدر عنه، يشارك البنك الدولي بإدارة مبادرة للأمم المتحدة تهدف الى “توفير الطاقة المستدامة للجميع”، ويحمل المشروع “3 اهداف” يفترض تحقيقها “بحلول العام 2030″، وتتلخص الأهداف بـ”تسهيل حصول الجميع على الكهرباء ووقود الطهي النظيف، ومضاعفة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي، ومضاعفة معدل تحسين كفاءة استخدام الطاقة”.
بالنظر الى هذه الأهداف ومقارنتها مع واقع قطاعات الطاقة في دول مثل لبنان وسوريا على الأقل، نخلص الى أن الحديث عن تمويل لقطاع الطاقة هو ضرب من الخيال، لأن تمويل مشاريع الطاقة في الظروف الراهنة يعني المزيد من الإستدانة، لاسيما أن العجز هو سمة قطاعات الطاقة في لبنان وسوريا. فمؤسسة كهرباء لبنان تسجل عجزاً يصل الى حوالي 3000 مليار ليرة، ناهيك عن المبالغ المهدورة جراء الاستمرار بمشروع الشركات مقدمي الخدمات، حيث يستنزف هذا المشروع موارد المؤسسة، في ظل غياب خطط الإعتماد على الطاقة البديلة، وخصوصا توليد الكهرباء من مياه الأنهار. كما ان سوء الادارة الذي ينتشر في مؤسسة كهرباء لبنان يزيد من الضغط على قطاع الطاقة، فالفساد أدى في الفترة الأخيرة الى خلق ازمة المياومين، والتي تهدد بحرمان عدد كبير من العائلات من لقمة العيش جراء أزمة تثبيت المياومين التي لم تنتهِ حتى الآن، برغم وجود قانون يرعى عملية التثبيت. وتجدر الاشارة الى ان مياومي الكهرباء اكدوا، الجمعة، خلال اعتصام في مؤسسة الكهرباء، انه “بعد مرور ثلاث سنوات على صدور قانون تثبيت المياومين من مجلس النواب، لا يزال أكثر من 80 بالمئة من هذا القانون غير منفذ، ونجد أنفسنا اليوم بعد اقتراب موعد انتهاء العقود مع شركات مقدمي الخدمات، وسط شائعات تتقاذف مصير هذه الشركات بين التمديد والتجديد والإفلاس أو إنهاء التعاقد معها”. طالبين من إدارة المؤسسة “والمعنيين، عدم المماطلة بعد اليوم لأننا متجهون نحو خطوات تصعيدية لا تحمد عقباها”. وتشير مصادر “المدن” في مؤسسة الكهرباء، الى ان “تمويل الطاقة ليس هو الأزمة الاساسية لهذا القطاع، بل تكمن الازمة في سوء الادارة”، ولفتت المصادر النظر الى ان “العديد من الهبات والقروض توجهت الى إصلاح قطاع الطاقة، لكن اين هي تلك الاموال اليوم؟ فقطاع الطاقة يعاني منذ العام 1992 على الاقل، وما صُرف على الكهرباء حتى اليوم كافٍ لبناء قطاع كهربائي يغذي دولة أكبر من لبنان بخمس مرات، وأكثر”. اما حديث السياسيين عن مزيد من مصادر التمويل “عبر القروض”، فيهدف بحسب المصادر، الى “اغراق البلد بديون يستفيد منها السياسيون وليس قطاع الطاقة”.
ومن جهة أخرى، لم تستطع الحكومة السورية السيطرة على استنزاف قطاع الطاقة لديها، على مدى خمس سنوات من عمر الازمة السورية. وبرغم اتجاه الحكومة في العام 2014 الى الاستعانة بخدمات القطاع الخاص لتوليد وتوزيع الكهرباء، الا ان ذلك لم يفِ بالغرض، حيث بلغت ديون شركة الكهرباء على القطاعين العام والخاص في العام 2014، حوالي 110 مليون دولار، وفق ما قاله مدير “الشركة العامة لكهرباء دمشق” نور الدين أبو غرة. وفي تقييم لواقع الكهرباء في العام 2015، وسبل تطويره في العام 2016، أكد وزير الكهرباء السوري، عماد خميس أن “التحديات التي يواجهها قطاع الكهرباء خلال الأزمة كبيرة، وهذا يتطلب من جميع العاملين بذل المزيد من الجهود ووضع آلية عمل جديدة تتناسب مع حجم هذه التحديات التي يتعرض لها القطاع”. ورأى خميس أن على آلية العمل أن “تنطلق من عناوين عديدة أهمها توصيف واقع العمل والأداء والاستفادة منه في تطوير الإيجابيات ومعالجة السلبيات ووضع الخطط المستقبلية لتطويره، والاهتمام بالتدريب لخلق كادر بشري يستطيع أن يقود المرحلة المقبلة لكونه العنصر الأهم في بناء أي مؤسسة وإنجاح العمل، بالإضافة إلى ضرورة وضع خطة لتطوير الذات والارتقاء إلى مستوى القائد الإداري الناجح القادر على مواجهة التحديات التي أفرزتها الأزمة والتحديات ما بعد الأزمة”.
اذا كان البحث عن تمويل لقطاع الطاقة في الشرق الأوسط يعني جر المزيد من القروض الى هذه المنطقة، فهذا يعني ان قطاع الطاقة سيتجه الى مزيد من الخسائر، التي لن تستطيع خطط التنمية تعويضها. خصوصا ان حوافز البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول المانحة، لا تكون مجانية، بل هي قروض ذات فوائد مالية وسياسية. غير ان التمويل بصيغته “البريئة” مطلوب بشدة، لكن من يضمن تمويلاً دولياً دون قيود اقتصادية وسياسية؟