كتب غاصب المختار في صحيفة “السفير”:
ثمة ثابتة واحدة في «احتفالية معراب» قبل أيام لإعلان ترشيح النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، هي ان رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع خرج من السباق الماروني المتعلق بالاستحقاق الرئاسي لمصلحة مرشحين قويين: عون ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية.
الفارق بين المرشحَين أن الرئيس سعد الحريري الذي رشح فرنجية، تنقصه «شجاعة» جعجع الذي أعلن ترشيحاً كامل المواصفات السياسية لعون من حيث أسباب الترشيح وبرنامجه والخطوات المستقبلية، بينما لا زال الحريري يتلطى وراء أسباب غامضة لعدم إعلان ترشيح فرنجية رسميا مع الأسباب الموجبة.
لكن ثابتة خروج جعجع من السباق الرئاسي، لا تعني انه لم يخلق عوامل متحركة اخرى يفترض ان تملأ الساحة السياسية قبل ان يتضح ما اذا كان ترشيح عون سيصب في هدف إنهاء الشغور الرئاسي فعليا ام انه سيسبب أضرارا اخرى جانبية، لا سيما في الساحة المسيحية، كمثل إطالة أمد الشغور بسبب عدم حصول شبه إجماع أو شبه توافق نهائي على انتخاب رئيس من المرشحين الاثنين، إلا اذا كان وليد جنبلاط يريد مزيدا من اللعب السياسي عبر استمراره بترشيح النائب هنري حلو، ليصل الى غايات سياسية اخرى يريدها، كمثل أن يعود هو الصوت المرجح في اختيار الرئيس العتيد، بعدما انتزع جعجع هذه الصفة، ولو مؤقتا، الى جانب آخرين.
لكن هناك شخصيات سياسية مسيحية ترى ان ترشيح جعجع لعون هو بمثابة تحالف المسيحيين الأقوياء بوجه التهميش الذي حصل للمسيحيين في القرار والسلطة على مدى عشرين عاما وأكثر، بدليل ما وصف بـ «تمرد» جعجع على الرئيس الحريري برفضه السير في خيار ترشيح فرنجية، وهناك شخصيات مسيحية اخرى ترى أن وحدة المسيحيين عبر تفاهم عون ـ جعجع أهم من أي استحقاق، لأنه يوصل المسيحيين الى أهدافهم الجوهرية.
إلا ان هذا الرأي يفترض، بحسب آخرين، خروج جعجع من عباءة السعودية و «الحريرية السياسية» التي حكمت البلاد وهيمنت على القرار المسيحي، وما لم يحصل ذلك فسيكون عون قد أدخل نفسه في لعبة استمرار الشكوى من تهميش المسيحيين، خاصة ان الالتزام باتفاق الطائف من دون أي تعهد بإعادة النظر ببعض بنوده، هو أحد أبرز عناوين ورقة التفاهم العونية ـ القواتية، كما أن ترشيح الحريري لفرنجية يحمل المخاوف ذاتها، برغم شكوى الطرفين وأطراف مسيحية اخرى من سوء تطبيق الطائف اولا، ومن بعض بنوده المقيدة لصلاحيات رئيس الجمهورية ثانيا.
وفي جانب موازٍ، ثمة من يرى أن ترشيح جعجع لعون وحّد قسما من الساحة المسيحية، لكنه أوجد شرخا في جانب آخر من هذه الساحة، بخلق خلاف بين عون وفرنجية، وبالتالي لن تختلف الاصطفافات السياسية والطائفية كثيرا عما كانت عليه، فذهاب عون الى ساحة جعجع يقابله ذهاب فرنجية الى ساحة الحريري وجنبلاط، بينما يبقى من يسمون أنفسهم «مسيحيين مستقلين» بين مطرقة هذه الجهة وسندان تلك الجهة لا تأثير لهم ولا قرار، وسيضطر حزب «الكتائب» الى تحديد خيار بين إحدى الجهتين إلا اذا قرر تكوين قوة مسيحية ثالثة مع المستقلين.
قد يخرج بعض الحلفاء لعون وفرنجية ليقول: «اننا لم نرغب أن يأتي ترشيحكما من تحت عباءة جعجع والحريري، فأنتما مرشحان بلا منّة أحد، ومن يريد أن يدعم أحدكما فما عليه إلا ان يعلن ذلك بلا شروط وقيود واتفاقات جانبية»، وسيمضي وقت طويل نسبيا قبل أن تتضح صورة المشهد السياسي الجديد، خاصة مع عدم اتضاح صورة المشهد الإقليمي ومصير لبنان فيه.
وقد يخرج من يؤكد أن ترشيح عون وفرنجية بهذه الطريقة أو تلك، ليس بالضرورة أن يؤدي الى عقد جلسة انتخاب للرئيس، وان الاصطفافات والانقسامات لا زالت قائمة، ما يحول دون توفير نصاب الجلسة، فتبقى الرئاسة تدور ضمن الدوامة ذاتها.