IMLebanon

موقف جنبلاطي بكل الألوان!

 

walid-jumblat1

 

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:

قال النائب وليد جنبلاط كل شيء ولم يقل شيئاً. مشى على حافة الكلمات وبين الأحرف، مستعيناً بمفاتن اللغة العربية، ليصدر بياناً بلا لون.. أو بشكل أدق، ملونا بكل الألوان.

انتظر اللبنانيون موقفاً جنبلاطياً واضحاً، فتناسوا أن المُنتَظَر هو وليد جنبلاط، الذي لا يبالي بجمع التناقضات في جملة واحدة، إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك.

أراد وليد جنبلاط أن يشتري الوقت، معتبراً أن الزمن هو زمن التريث، ريثما تتضح الصورة أكثر، لكنه أوحى، في المقابل، أن القرار لا يحتمل التأخير، فعجَّل في عقد اجتماع «اللقاء الديموقراطي»، الذي حضره تيمور جنبلاط وجميع أعضاء اللقاء: وزير الزراعة أكرم شهيب، وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور والنواب هنري حلو، مروان حمادة، نعمة طعمة، أنطوان سعد، إيلي عون، فؤاد السعد، غازي العريضي، علاء الدين ترو، إضافة إلى نائب رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» دريد ياغي وأمين السر العام ظافر ناصر ومفوض الإعلام رامي الريس.

وإذا كان جنبلاط قد «غرّد» عند ترشيح عون أن «اللقاء» سيجتمع لإصدار «القرار»، فقد جاء البيان الصادر عن اجتماع أمس أبعد ما يكون عن «القرار». ولزيادة التأكيد على اللاقرار المتخذ، فضَّل التمسك بورقة ترشيح النائب هنري حلو، الذي «يمثل خط الاعتدال ونهج الحوار». وهنا يذكر الريس أن «اللقاء» لم يسحب ترشيح حلو عندما قام الرئيس الحريري بمبادرته، إنما أكد استعداده لتذليل العقبات.

عندما تم التطرق إلى «تطور معراب»، أمعن «اللقاء» في المبدئية، مرحباً بـ «التقارب الحاصل بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر»، ومعتبراً أن «المصالحة المسيحية – المسيحية هي خطوة هامة على مستوى تعزيز مناخات التفاهم الوطني، وهي تستكمل المصالحة التاريخية التي حصلت في الجبل سنة 2001 وطوت صفحة أليمة من صفحات الحرب الأهلية».

من يعرف جنبلاط يعرف أنه إذا كان يعتبر أن الخلاف المسيحي سيئ، فإن التقارب المسيحي هو أكثر سوءاً. حساسيته تلك لها جذور تاريخية لا تنحصر بالحرب الأهلية، إنما تتخطاها إلى أواسط الستينيات، عندما احتدم الخلاف بين كمال جنبلاط والتحالف الشمعوني الكتائبي.

لكن في المقابل، وكما فعل جنبلاط الأب عندما خفف من وتيرة مواجهته لشمعون قبيل انتخابات 1957، حرصاً منه على الصوت المسيحي في الشوف، فإن جنبلاط الإبن يحمل الحرص نفسه. ويدرك أن الأولوية تبقى للزعامة الجنبلاطية.

ولذلك، لم يتعامل مع ترشيح عون كما تعامل مع ترشيح فرنجية. تحمس لفرنجية إلى حد تسويق ترشيحه، ثم إعلانه جهاراً تأييده. لكنه عندما ارتفعت حظوظ عون، ازداد عنده منسوب القلق. الفارق بين الاثنين كبير، وبعيداً عن كون فرنجية «إبن النظام» بينما عون «مشاغب على النظام»، إلا أنه على المدى البعيد، فإن رئاسة فرنجية لا تشكل ضرراً فعلياً على جنبلاط، كون النائب الشمالي، مهما توسع نفوذه ستبقى شعبيته محصورة في الشمال، لكن عون ليس كذلك. هو زعيم على مساحة الوطن وحيث يوجد مسيحيون يوجد عونيون، ما يعني أن الخطر يمكن أن يطال نفوذ جنبلاط في عقر داره أيضاً، عدا عن عدم ضمان ضبط عون تحت السقوف التقليدية للسياسة اللبنانية. صحيح أن جنبلاط تقارب مؤخراً مع عون، وخاصة على خلفية التعيينات الأمنية، إلا أن ذلك بدا في سياق الاستعداد لتقديم تعويض ما لعون، عما يمكن أن يخسره لاحقاً، لا سيما رئاسة الجمهورية.

كانت النتيجة أن فرصة قيادة الجيش انعدمت بعد التمديد لقائد الجيش وإحالة العميد شامل روكز إلى التقاعد، فيما تعززت فرصة الوصول إلى رئاسة الجمهورية، فانقلب المشهد السياسي رأساً على عقب.

ولأن تداعيات هذا الانقلاب لم تتضح بعد، فقد سعى جنبلاط إلى تسليف الجميع من كيسهم، ريثما تظهر تطورات الأمور. أَسْمَعَ كل طرف ما يريد أن يسمعه، وقابله الجميع بالشكر والثناء.

وهو إذ ثمن «خطوة ترشيح النائب سليمان فرنجية باعتبارها تشكل مخرجا من الأزمة»، رأى، في المقابل، أن «الترشيح الحاصل من قبل العماد ميشال عون يلتقي أيضا مع المواصفات التي تم الاتفاق عليها في هيئة الحوار الوطني التي يديرها الرئيس نبيه بري، مع التأكيد أن هذه المواصفات لا تلغي دور المعتدلين في الحياة السياسية اللبنانية».

كما حيا «اللقاءُ» التقاربَ بين جعجع وعون، معتبراً أنه وسواه من الخطوات المماثلة «من شأنه أن يعمم مناخات المصالحة والوحدة الوطنية بين اللبنانيين، وهي حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى التحديات والمصاعب الإقليمية والمتنامية والمتصاعدة».

وعليه، سارع كل من الأطراف المعنية في البيان إلى تلقف ما يعنيه منه. اتصل العماد ميشال عون بجنبلاط، شاكراً إياه على موقف «اللقاء». وثمّن جعجع الموقف أيضاً، معتبراً أن «وليد جنبلاط ميثاقيٌ بطبعه. وفي كل الفترات أبدى حرصاً كبيراً على العيش المشترك، تجلّى أكثر ما يكون في مصالحة الجبل الشهيرة»، فيما ارتاح فرنجية إلى أن جنبلاط لا يزال في موقعه وإن لم يقلها حرفياً.

باختصار، وضع «اللقاء الديموقراطي» الأمور في مسارها الطبيعي. الانتخابات الرئاسية لم تنضج بعد، والمواقف الإقليمية والغربية لم تنضج بعد. ولذلك، فإن الوقت هو وقت التريث وانتظار ردود الأفعال لا وقت القرارات الحاسمة. وعليه، أعلن أنه «سيبقي اجتماعاته متواصلة لمواكبة النقاش السياسي الحاصل في البلد، كما سيبقي اتصالاته مستمرة مع كل الكتل النيابية للخروج من المأزق الراهن».