IMLebanon

«المركزي البرازيلي» يواجه خيارات صعبة تتعلّق بالتضخم

central-bank-brazil

سامانثا بيرسون

في البداية كانت الطماطم، ثم أسطوانة الغاز؛ الآن يُطلَق على البصل المتواضع لقب “شرير” في إشارة إلى معدلات التضخم المرتفعة في البرازيل.

أظهرت الأرقام هذا الشهر أن أسعار البصل ارتفعت 61 في المائة العام الماضي بعد محصول ضعيف، الأمر الذي زاد الضغط على معدل التضخم السنوي في البرازيل الذي أنهى عام 2015، 10.7 في المائة – أعلى مستوى منذ عام 2002.

يقول ماركوس فيريرا، المدرّس المتقاعد، الذي يتسوّق مع زوجته في أحد المتاجر الكبيرة في ساو باولو في عطلة نهاية الأسبوع: “في رأيي، البصل ليس المُذنب؛ إنها (الرئيسة) ديلما (روسيف). كلاهما يجعلني أبكي!”.

في اجتماعه لتحديد أسعار الفائدة، يواجه البنك المركزي البرازيلي واحدا من أصعب قراراته حتى الآن؛ لأنه يُكافح لإعادة معدل التضخم إلى الهدف البالغ 4.5 في المائة، في الوقت الذي تدخل فيه البلاد أسوأ فترة ركود لها منذ أكثر من قرن.

في حين أن الأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم تُعاني التباطؤ في الصين، إلا أن بعض مختصي الاقتصاد يحذّرون من أن البرازيل أيضا على حافة “الهيمنة المالية العامة”، وهو سيناريو اقتصادي حيث المخاوف بشأن الموراد المالية الضعيفة في بلاد تجعل السياسة النقدية غير فعّالة.

إذا قام البنك المركزي البرازيلي برفع سعر الفائدة السيليك القياسي في البلاد أعلى من المعدل الحالي البالغ 14.25 في المائة، فسيزيد مدفوعات الفائدة الباهظة أصلا التي تدين بها الحكومة لسداد الديون الخاصة بها.

كما تقول النظرية، هذا قد يُثير مخاوف حدوث عجز عن السداد – وهو احتمال من شأنه التسبّب في تخفيض قيمة العملة، وجعل الواردات أكثر كُلفة، وبالتالي في الواقع تغذية التضخم.

في واحد من التقارير الأكثر إثارة للقلق بشأن هذه المسألة، كتب محللون في بنك باركليز الأسبوع الماضي: “وجدنا دلائل أن البرازيل قد تكون بالفعل تُعاني هيمنة المالية العامة، وأن إطار عمل البنك المركزي الذي يستهدف معدل التضخم، ربما يكون قد تعرّض للخطر”.

مع ذلك، فإن البدائل التي تواجه البنك المركزي ليست أفضل. إذا لم يفعل المُحافظ ألكسندر تومبيني أي شيء، أو حتى قام بتخفيض أسعار الفائدة، فربما سيتم اتهامه بالخضوع للضغوط السياسية.

البنك المركزي البرازيلي واحد من البنوك المركزية القليلة في العالم التي ليست مستقلة رسميا عن الحكومة. وفي حين أن المؤسسة تتمتع عموما بحكم ذاتي تشغيلي، إلا أن المخاوف زادت بشأن التدخل السياسي؛ لأن ريو فالكاو، رئيس حزب العمال الحاكم، طالب الشهر الماضي علنا بوضع حدّ لارتفاع أسعار الفائدة. يخشى محللون من أن الرئيسة روسيف قد تستجيب لدعواته ودعوات الجماعات الأخرى المناهضة لسياسة التقشف من اليمين المتطرّف في حزبها، مقابل دعمهم ضد الاقتراح في الكونجرس لتوجيه الاتهامات لها.

يقول جواو بيدرو ريبيرو، مختص الاستراتيجية في نومورا، إن استقالة المُتشدّد المالي جواكيم ليفي من منصب وزير المالية الشهر الماضي واستبداله بنيلسون باربوسا، لم يعمل إلا على زيادة المخاوف بشأن التحوّل إلى سياسات غير تقليدية أكثر.

بالتالي، يقول مختصو اقتصاد إن تقاعس البنك المركزي عن اتخاذ أي إجراء يُمكن أن يُحدث الكثير من الضرر بقدر رفع أسعار الفائدة، ما يقوّض مصداقية تومبيني بين المستثمرين وأيضا تأجيج معدل التضخم.

إنه سيناريو قاتم، خاصة بالنسبة للبرازيليين الكبار في السن الذين لا يزالون يعانون التضخم المُفرط من الثمانينيات وأوائل التسعينيات، الذي قضى على المدّخرات ودمّر سبل العيش.

في العقد الأول من هذا القرن، كان يبدو أن البرازيل قد تجاوزت ماضيها المظلم ودخلت حقبة جديدة من الازدهار والاستقرار القائم على ثلاث سياسات مُقدّسة: استهداف التضخم، والمسؤولية في المالية العامة، وتعويم العملة.

غير أن قرار الرئيسة روسيف لزيادة الإقراض من عام 2011 وما بعده على حساب العجز في المالية العامة، إلى جانب نهاية دورة السلع الأساسية الضخمة، قد مهّد الطريق أمام الأزمة الحالية.

يبلغ عجز الميزانية في البرازيل أقل من 10 في المائة بقليل، حيث يقف الدين العام عند نحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويرتفع بسرعة. وفي حين أن معدل التضخم بعيد عن المستويات المرتفعة في التسعينيات، إلا أن انكماش الاقتصاد المتوقع بنسبة 3.7 المائة العام الماضي وبنسبة 3 في المائة هذا العام يُعتبر بمثابة أعمق فترة ركود منذ بدء الاحتفاظ بسجلات في عام 1901، والأعوام المتعاقبة الأولى للانكماش منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات.

في تصريحاته الرسمية، على الأقل، يؤكد تومبيني أن البنك المركزي لا يزال يستطيع لعب دوره من خلال تخفيف التضخم، مع توقّع معظم مختصي الاقتصاد أن البنك سيرفع سعر فائدة السيليك القياسي 50 نقطة أساس ليُصبح 14.75 في المائة – أي أعلى مستوى له منذ عام 2006.

يقول سيلفيو كامبوس نيتو، وهو اقتصادي لدى Tendências، الشركة الاستشارية البرازيلية: “لا يزال البنك يتمتع ببعض المقدرة على التأثير في التوقعات”، في حين أن المحللين الآخرين يتفقون على أن المخاوف حول هيمنة المالية العامة في محلها، لكنها سابقة لأوانها.

بالنسبة إلى أندريه بيرفيتو، كبير الاقتصاديين لدى Gradual Investimentos، شركة الوساطة التي مقرها ساو باولو، سيرفع تومبيني أسعار الفائدة ببساطة لأن هذا ما هو متوقع منه، وليس لأنه يعتقد أن هذا القرار سيكون مفيدا في الأزمة الحالية.

يقول بيرفيتو: “الظروف التي يعمل بها البنك المركزي البرازيلي حاليا صعبة للغاية.” ويقول إن هذا يشبه “محاولة قيادة طائرة أصيب أحد محركاتها بعطل، وتم تعطيل أجهزة التحكم فيها، وهناك فيل في انتظار أن يتم شحنه”.