كتبت دنيز عطاالله حداد في صحيفة “السفير”:
مرة جديدة تتكشف هشاشة التوافقات اللبنانية. سرّع ترشيح سمير جعجع لميشال عون اظهار مدى تصدّع “العمارة اللبنانية”، كأن البناء كان على رمل. موقف واحد، على جذريته، كان كفيلا بايقاظ حساسيات قديمة، وكأن لا شيء ينطوي في هذا البلد.
ظنّ بعض المسيحيين أن تلاقي عون ـ جعجع، صحوة في زمن الصحوات المتعددة، وان توافقهما سيعيد لهما قوة مفترضة، من زمن مضى، يمكن أن توصل رئيسا قويا الى قصر بعبدا. الاكيد أنه لم تسقط من حساب الرجلين مواقفُ حلفائهما، تحديدا المسلمين، وردود فعلهم. فهل جاءت ردود الفعل تلك كما افترضاها؟ هل حقا يعرف الفريقان حلفاءهما جيدا أم أن في ترشيح جعجع لعون اختبار مفصلي لمدى صدق الحلفاء وهامش حريتهم؟
لم يتأخر المسلمون في اظهار ارتباكهم. تُركت الساحة لتسريب كم من المواقف القلقة من إحياء عصبيات طائفية او عودة الى ما قبل التوافقات الوطنية، سواء في تحالف جعجع مع السنّة، عبر “تيار المستقبل”، أو تحالف عون مع الشيعة، عبر “حزب الله”. واذا كان الحزب أقدر على ضبط ناسه وشارعه، وربما اكثر ارتياحا من “المستقبل”، على اعتبار أن المرشحَين من حلفائه، فان صدمة التوافق بلغت حدّ التشكيك بالخيارات والتوافقات الوطنية الكبرى، في اوساط “المستقبل”، ولو بقي ذلك ضمن اطار الهمس، وفي اوساط ضيقة.
لا شك ان خطوة الزعيمين المسيحيين اربكت الجميع. بغض النظر عن دوافع كلّ من الرجلين وطموحاته وحساباته، ومن ضحى وتجرأ أو من ربح وخسر، فان في المشهد، المفترض أن يطوي صفحات سوداء، ما يشّرع ابواب الذاكرة على لحظة مشابهة سبقت مآسيَ يحاول المسيحيون الى اليوم تضميد جراحها.
واذا تم تجاوز الرأي العام المسيحي، المرتاح عموما الى فكرة المصالحة والتلاقي، وان اختلف في تقويم الترشيح، فان موقف الشركاء هو المرتقب والمعوّل عليه.
في قراءة “القوات” ان “الكلمة الفصل اليوم هي عند حزب الله. فاما يريد انتخاب رئيس فيبادر للعمل على خطوط المعالجة وتذليل العقبات وطمأنة حلفائه، واما ستطول أزمة الرئاسة”. لكن في الاوساط “القواتية” تشكيكا كبيرا بإقدام الحزب على هذه الخطوة، “فتأخره باصدار موقف يعود الى ارباكه وتفتيشه عن أعذار يخفي وراءها رغبته بعدم اتمام الاستحقاق لان أوانه لم يحن بعد، وفق أجندته الاقليمية”.
في قراءة “التيار الوطني الحر”، إن “تيار المستقبل هو من يمكنه أن يُسقط كل الذرائع ويبادر الى تبني ترشيح عون. فالحزب الذي يحاول تجنيب لبنان اية فتنة سنيّة شيعية، سيكون محرجا في انتخاب اي رئيس يعترض عليه اكبر تكتل نيابي ذي غالبية سنية”. واذا افترضنا أن الرئيس نبيه بري يختبئ وراء رداء الميثاقية متذرعا بوجوب الحصول على موافقة “المستقبل”، فما على الاخير، الذي لم يعد متحفظا على انتخاب رئيس من “8 آذار” الا “احترام رغبات معظم شركائه في الوطن، وفي طليعتهم المعنيين الاول بهذا الاستحقاق، اي المسيحيين”. تضيف اوساط “التيار”: نحن “حريصون على اكبر قدر من التوافق. والى اليوم لم نعرف الاسباب التي تجعل المستقبل يتحمس لسليمان فرنجية مثلا، ويتخوف من العماد عون”.
قال التياران المسيحيان الاكبر تأثيرا كلمتهما الرئاسية ووقفا ينتظران. هما يفترضان انهما وضعا كرة النار الرئاسية في ايدي حلفائهما وخصومهما معا.
يكرر سياسي مستقل أن “حجر سمير جعجع لم يكتف بتحريك المياه الرئاسية الراكدة، وعلى الارجح، لن يتمكن من ايصال رئيس الى بعبدا في المدى القريب، لكن حجره أصاب أهدافاً كثيرة”. يضيف: “ثمة مشهد اساسي يستدعي التوقف عنده. أليس غريبا ومقلقا أن تأتي لحظة سياسية يشكك فيها حليفا حزب الله المسيحيان، اي التيار الوطني الحر وتيار المردة، بمدى التزامه بتحالفه معهما وبصدق وعوده؟ وهذا امر لا يُستبعد حصوله، وبالتالي يخسر الحزب ورقة مهمة من اوراقه الوطنية في ظرف يحتاج فيه الى مراكمة اوراقه الرابحة لا خسارتها”.