Site icon IMLebanon

الإستحقاق الرئاسي: من أزمة المرشح إلى أزمة الناخب

 

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “اللواء”: باستثناء “حزب الله” ـ السبّاق الى ترشيح الرئيس ميشال عون والاصرار عليه دون سواه ـ يكاد معظم الافرقاء ادلوا بدلوهم من “تفاهم معراب” بين “التيار الوطني الحر” والقوات اللبنانية، وتبني رئيس الحزب سمير جعجع ترشيح عون.

انجز النصاب السياسي للاستحقاق الرئاسي خارج مجلس النواب بين المرشحين الثلاثة المتنافسين، المعلنين، الرئيس ميشال عون والنائبين سليمان فرنجيه وهنري حلو، من دون ان يفضي الى اكتمال النصاب الدستوري لجلسة انتخاب احدهم.

بل يتعذر اكتماله ما لم ينتقل من الورق الى الارقام: حزب الله يرفض ان يُسأل رأيه في المرشح الذي يريده، تيار المستقبل يلتزم توجهات الرئيس سعد الحريري الذي لم يقل جهاراً بعد انه يدعم ترشيح فرنجيه في وقت صار اكثر اهتماماً باحتواء رد الفعل الموجع الذي جبهه به جعجع، النائب وليد جنبلاط اكثر ميلا الى رفض تأييد عون منه الى ترشيح حلو، حزب الكتائب منذ امس خارج لائحة المرشحين المتداولين.

قبل يومين من انقضاء الشهر 20 على الشغور الرئاسي، تغيّر الكثير من حول الاستحقاق لا فيه:

ـ ازمة ثقة في قوى 14 آذار لا تحسد عليها، بين الحريري والحليف المسيحي اولا، ثم بينه وبين جعجع. وقد يكون موقف النائب سامي الجميل خير معبّر عنها برفضه تأييد فرنجيه، مرشح الحريري. بذلك يذهب الحلفاء الى الاستحقاق منفردين بخيارات متنافرة ومتناقضة.

ـ ازمة ثقة مماثلة في قوى 8 آذار بين عون وفرنجيه اولا، ثم بين نائب زغرتا وحزب الله الذي افقده فرصة انتخاب محتملة. تكمن معضلة قوى 8 آذار في ارتباكها بين خيارين: ان تذهب الى جلسة انتخاب الرئيس بمرشحين اثنين من صفوفها تنقسم عليهما، او لا تذهب ابدا ولا يكون ثمة رئيس. في الحالين ــــ قبل الجلسة تلك او بعدها ـ لن تعود الفريق نفسه.

ـ يلتقي عون وجعجع للمرة الاولى على ما لم يجتمعا عليه قرابة ثلاثة عقود، وهو تبني جعجع ترشيح عون للرئاسة، وكانا اعتادا الاتفاق على ما يرفضانه معا (ترشيح النائب مخايل ضاهر عام 1988) او رفض احدهما الآخر (مناوأة جعجع ترشيح عون عامي 2007 و2008 ورفض عون مساواة ترشيح جعجع به عام 2014 في جلسة الاوراق البيض الـ52). بيد ان سرّ التفاهم الجديد بين الرجلين، وهو ما يعرفانه على السواء، ان عون يريد مَن ينتخبه لا مَن يرشحه.

ـ الانتقال من ازمة المرشح الى ازمة الناخب. بعدما دار جدل مستفيض في الاشهر المنصرمة على المرشح الماروني وتحميل زعماء الطائفة مأزق الشغور بسبب خلافاتهم وتنافسهم، بات الاستحقاق امام ازمة ناخب: يرفض حزب الله ترشيح فرنجيه مقدار ما يرفض تيار المستقبل ترشيح عون. بالتأكيد ساهم انسحاب جعجع من الساح وتخليه عن ترشحه، وابتعاد مرشحين محتملين في قوى 14 آذار عن الصدارة كالرئيس امين الجميل والوزير بطرس حرب، كذلك مرشحين آخرين كحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، في اقتصار السباق على مرشحي قوى 8 آذار، الا انهما باتا بلا ناخبين. مشكلة اضحى افضل مَن يعيها جنبلاط: لا يقترع لمرشح يغضب حزب الله او يعارضه تيار المستقبل. بل واقع الامر ان الزعيم الدرزي صار اكثر حساسية بازاء تغييرات مهمة في المنطقة، من حول ايران وسوريا، تجعله لا يذهب خصوصا الى ما يستفز الناخب الشيعي او يستنفره.

على ان الانتقال من ازمة المرشح الى ازمة الناخب، للمرة الاولى منذ الشغور، ضاعف من اسباب تعذر انتخاب الرئيس لدوافع بعضها غير مفهوم:

1 ـ لم يعد عون وفرنجيه مرشحي قوى 8 آذار على نحو ما نعتا به اشهرا طويلة، في معرض رفض تأييد كل منهما. بل انقسم من حول ترشيحهما الناخب الشيعي الذي اختار رئيس تكتل التغيير والاصلاح، والناخب السّني الذي اختار رئيس تيار المردة. كلاهما لا يخوض في اسم ثالث بديل، ولا يتفقان على اي من المرشحين الحاليين، ولا يذهبان معا بهما الى مجلس النواب.

2 ـ على وفرة ما يشاع في العلن ويؤكده عون وفرنجيه، فان ربط انتخاب رئيس من قوى 8 آذار برئيس حكومة من قوى 14 آذار لا يزال غير محسوم. بل يكاد يكون العقبة التي تحول دون الوصول بالاستحقاق الرئاسي الى خاتمته. في ما يفصح عنه المرشحان ان نظيرهما في السلطة الاجرائية هو الحريري، في حين لا يبدو قرار كهذا حاسما لدى “حزب الله”. بذلك امسى الخلاف على رئاسة الحكومة مماثلا بوطأته للخلاف على رئاسة الجمهورية. بالتأكيد لا يوافق “حزب الله “على وضع مبادرة اختيار رئيس الجمهورية جسرا الى الوصول الى رئاسة الحكومة في يد الحريري وحده. على نحو مشابه، لم يُرحه تحميل جعجع تبنيه ترشيح عون غطاء مسيحيا واسعا كان يفتقده. في المقابل لم يتردد فرنجيه في ابداء انتقاد ضمني لـ”حزب الله” بالتساؤل: هل صارت صورة جعجع وعون مقبولة لدى فريقنا اكثر من صورتي مع الحريري؟

3 ـ رغم الحماسة التي تطبع الاستحقاق في الداخل واندفاع الافرقاء المعنيين مرشحين وناخبين في اتجاهات شتى، يترجح الموقفان الاقليمي والدولي بين التفرج والموقف الخجول: لم تقل طهران كلمتها شأن ما قالته باريس قبل ثلاثة ايام ولم يتعد بدوره المجاملة. تكتفي الرياض بالصمت رغم اهمية الدور الذي لعبه سفيرها في بيروت علي عواض عسيري لدى زيارته جعجع في 19 كانون الاول الماضي لثنيه عن تأييد ترشيح عون، ومدير المخابرات العامة خالد حميدان الذي استقبل موفدا لجعجع هو بيار ابي عاصي قبل ان يبادر، بنفسه عشية رأس السنة، بالاتصال بجعجع ويكرر عليه موقف السفير: لا تسمح ظروف المملكة باستقباله في الوقت الحاضر، لكنها مستعدة للاصغاء اليه. اصغت اولا الى موفده، ثم اليه في المكالمة الهاتفية الشخصية. قالت المملكة ان قراره يحرجها، من غير ان تقتنع بوجهة نظر جعجع: لم يعد يسعه مزيدا من تهميش حلفائه، وتحديدا تيار المستقبل، اياه ولا يحتمل احراج الشارع المسيحي له بعد مبادرة الحريري ترشيح فرنجيه بلا تشاور مسبق. ما تطلبه جعجع من محاوريه السعوديين هامشا، وان محدودا، من المناورة لا يؤثر على تحالفه مع الرياض. توقع غداة مقابلته وزير الداخلية نهاد المشنوق في 12 كانون الثاني جوابا من المملكة لتبديد قلقه من مبادرة الحريري، فلم يأته. فذهب بعد خمسة ايام الى الحد الاقصى.