في شباط العام 2014 تولّى اللواء اشرف ريفي مهام وزارة العدل بعد تعيينه وزيرا في الحكومة، ومنذ ذلك الحين بدأ مع مجموعة من القضاة المتخصصين ومستشاريه بإعداد مشروع تقليص صلاحيات المحاكم الاستثنائية وليس إلغاءها (المجلس العدلي والمحكمة العسكرية) بهدف خلق منظومة قضائية جديدة ومتطورة تراعي المعايير الدولية للعدالة وتحمي المواطن من تداعيات هذه المحاكم.
على ان مشروع وزير العدل تضمن رؤية مختلفة عن باقي المشاريع التي قدّمت في هذا المجال، وتميز عن غيره لجهة انشاء اجهزة قضائية متخصصة بقضايا الارهاب والجرائم الكبرى، وتعريف دقيق وعصري للجريمة الإرهابية، لينتهي الى حصر دور المحكمة العسكرية بمحاكمة العسكريين عن الجرائم التي يرتكبونها.
واذا كان قرار اخلاء سبيل ميشال سماحة، قد اعاد طرح مسألة إلغاء المحاكم الاستثنائية فإن مشروع ريفي لا يستهدف المحكمة العسكرية ولا قضية ميشال سماحة، بدليل ان الوزير ريفي بدأ بإعداد هذا المشروع منذ توليه وزارة العدل وقبل صدور الحكم ونقضه، وفق ما اكد مستشاره القاضي محمد صعب في حديث الى صحيفة “المستقبل”، والذي جزم بتمسك الوزير ريفي بمشروعه الى حين إقراره، الامر الذي سيشكل رسالة واضحة للمجتمع الدولي وهيئات حقوق الانسان والمنظمات الدولية وقبلهم جميعا للشعب اللبناني بالسير نحو حرية اكثر وديمقراطية اكبر وضمان محاكمة عادلة. وقال: “مَن سيعرقل اقرار المشروع لن ينطلق من خلفية قانونية وقضائية”.
واذْ رأى صعب ان “الوضع القائم اليوم لجهة الصلاحيات الممنوحة للمحكمة العسكرية والاجراءات التي تسير امامها وبعض من ادائها هو وضع شاذ”، شدّد على “ضرورة العودة الى الوضع الطبيعي على مستوى القانون والقضاء”، لافتا الى ان “معظم الثورات التي شهدتها بعض الدول في الفترة الاخيرة بنيت على مطالب إلغاء المحاكم الاستثنائية. وقال: “آن الاوان للانتهاء من هذه المنظومة الاستثنائية وخصوصا ان بعض ادائها يؤكد صحة الاسباب الموجبة للمشروع وقراراتها، ومنها قرار اخلاء سبيل سماحة الذي يصب كدليل في تدعيم هذا المشروع”.
فنّد صعب الاسباب الموجبة للمشروع “انطلاقاً من مفاهيم الشرعة العالمية لحقوق الانسان، وتأميناً للمحاكمات العادلة النزيهة امام محاكم مستقلة،وتكريساً لمبدأ التخصص في مكافحة الارهاب والجرائم الخطرة بهدف جلب الارهابيين الى العدالة،ومكافحة لجرائم تبييض الاموال والاتجار بالاشخاص وبالاسلحة والذخائر التي صنفت من الجرائم الخطرة في المجتمعات المتحضرة”.
وتابع: “ليست المرة الاولى التي تطرح فيها مسألة تقليص صلاحيات المحكمة العسكرية وليس إلغاءها، انما هي المرة الاولى التي يُطرح فيها مشروع لا يطال المحكمة العسكرية فقط انما يطال ايضا المحاكم الاستثنائية وهي الى المحكمة العسكرية المجلس العدلي”.
اضاف: “وعلى الرغم من ان المجلس العدلي يتألف من ارفع القضاة في لبنان، انما طرح الغائه يأتي لان نظامه قائم على درجة واحدة وهذا المعيار يتناقض مع معايير حقوق الانسان والعدالة الدولية. اما بالنسبة الى المحكمة العسكرية فأمر وجودها منطقي انما المشكلة هي في نطاق الصلاحيات الممنوحة لها، فدورها طبيعي في ان تكون هيئتها مؤلفة من ضباط وتحاكم العسكريين وفقط في ما خص المخالفات العسكرية التي يرتكبها هؤلاء. فالصلاحيات الممنوحة لها ومنها النظر في جرائم الاعتداء على امن الدولة الداخلي والتفجيرات الارهابية ونقل الاسلحة والذخائر الحربية، وحتى الخلافات الشخصية للعسكريين وتحديدا عسكريي الجيش اللبناني، فإن المحكمة العسكرية هي التي تنظر في هذه الجرائم. والاسوأ من ذلك ومع هذا الاختصاص الواسع فانه يتم خرق مبدأ آخر من معايير حقوق الانسان والعدالة في العالم وهو مبدأ مثول المدنيين امام القضاء العسكري، لان اي ملف يلاحق به اي عسكري مهما كان الجرم فكل المدنيين المتصلين به يحالون امام القضاء العسكري للمحاكمة”.
وانطلاقا من ذلك رأى صعب “اننا امام معضلتين اساسيتين، الاولى المجلس العدلي الذي يضم نخبة من قضاة لبنان انما هو على درجة واحدة، والثانية المحكمة العسكرية التي يجب ان تكون موجودة انما صلاحياتها وصلت الى حد يمكن ان تتخطى اي صلاحيات تعطى لمحكمة عسكرية. فهي مؤلفة من ضباط يصدرون احكاما في قضايا قانونية وحقوقية وقضايا تفرض ان يكون الناظر فيها اشخاصاً متعمقين في القانون. واكثر من ذلك مثول المدني امامها ما يعطي صورة سلبية عن حقوق الانسان والعدالة في لبنان تجاه المجتمع الدولي والرأي العام”.
وتابع: “ففي جميع المجتمعات المتقدمة والدول التي شهدت ثورات سلمية او غير سلمية او شهدت حركات اعتراض او تحرر فإن المطلب الاول في التغيير كان دائما هو إلغاء المحاكم العسكرية. وهذا الامر يدل ويعكس مدى تناقض الحرية والديمقراطية مع وجود قضاء عسكري يحكم على مدنيين. فبعد الثورة في مصر فإن اول مطلب رفعه المتظاهرون هو تقليص صلاحيات المحكمة العسكرية وإلغاء حالة الطوارئ. وفي المغرب وعلى الرغم من عدم قيام ثورة وبجهد من هيئات المجتمع المدني وحقوق الانسان، فإن مجلس الوزراء المغربي اقرّ هذا القانون ما شكل عرسا وطنيا للديمقراطية في المغرب،وكذلك الامر في تونس بعد الثورة حيث اخذ الدستور الجديد هذا المنحى. ومن هنا نرى حركات تحرر ودول متقدمة وحضارية ودول تذهب الى التقدم والحضارة. فإن المطالب الأولى تكون تقليص صلاحيات المحاكم العسكرية. البعض يحاول ان يظهر ان هنالك نقاشا وان هناك جهة مع القانون وجهة ضده انما هذا الامر غير صحيح. فعلى مستوى العالم هناك اجماع مطلق حول هذا القانون، فلا يوجد شخص واحد يدافع عن المحكمة العسكرية بالصورة الموجودة فيها حاليا”.
اما عن الذي يميّز المشروع عن غيره فأشار صعب الى ان “هذا المشروع ليس هو الاول من نوعه انما ميزته تكمن في ان المشاريع الاخرى التي تقدمت بها سابقا جهات سياسية ونواب كانت تقتصر على محاولة تقليص صلاحيات المحكمة العسكرية ونقطة على السطر انما الوزير ريفي كانت له رؤية اكبر من ذلك، فهو اذ لفت الى تقليص صلاحيات المحكمة العسكرية وإلغاء المجلس العدلي، وضع هذه الصلاحيات في محكمة متخصصة في قضايا الارهاب. فنحن بذلك لا نعيد فقط الامور الى نصابها انما نتقدم خطوة الى الامام نحو تخصص المحاكم في هذا النوع من الجرائم في قضايا الارهاب والجرائم الكبرى. فيجب ألا ننسى بأن دخول المحكمة العسكرية على هذه الصلاحيات ومثول المدنيين امامها هو استثناء عن القاعدة العامة. وكما هو معروف فإن المحكمة العسكرية وجدت لحالات مؤقتة زمنيا وجغرافيا، انما المؤقت اصبح دائماً ولا يمكن ان يتحول الاستثناء الى دائم. وانطلاقا من هذا المبدأ فاننا اذا كنا نعتبر انه كانت ثمة ظروفا استثنائية فإنها الآن لم تعد موجودة”.
واعتبر ان “مشروع وزير العدل حول المحاكم المتخصصة في قضايا الارهاب، وهذا الامر موجود في كثير من البلدان المتقدمة، لم يحصر عمل هذه المحاكم في قضايا الارهاب فقط لان نظرة العالم اليوم لبعض الجرائم التي لم تصنّف مع انها ارهابية فإنها لا تقل خطورة عن الارهاب مثل تبييض الاموال والاتجار بالبشر والاتجار بالأسلحة خصوصا، إلا ان هذه الجرائم مترابطة في مكان ما مع الجريمة الارهابية. ونحن نعلم ان من مصادر تمويل تنظيم داعش هو الاتجار بالبشر. كما ان الاتجار بالمخدرات هو من مصادر تمويل الارهاب وكذلك الاتجار بالأسلحة. وهذه الجرائم وعوضا عن انها من الجرائم الكبرى وتستحق ايضا قضاة متخصصين، فهي ايضا في مكان ما متصلة مع التنظيمات الارهابية ولذلك وضعناها في الخانة نفسها. كما نص المشروع على ان هذه المحاكم المتخصصة مؤلفة من قضاة فقط ويتطلب بمن يتسلم هذا المركز ان يكون من درجة معينة في السلك القضائي، ونفس المنظومة القضائية الموجودة في المحاكم العادية، اي قاضي تحقيق وهيئة اتهامية ومحكمة جنايات ومحكمة عليا مكان محكمة التمييز. واعتبرنا ان هذه الجرائم حتى ولو كان توصيف البعض منها بانها جرائم جنحية كتبييض الاموال فانها ستحال الى محكمة الجنايات للتلازم”.
وأوضح ان “القضاة في المحاكم المتخصصة سيعينون من ضمن التشكيلات القضائية على ان يكون التقاضي على درجتين من المحاكم”.
وشدّد على ان “تركيبة الجرائم تتطلب من القاضي متابعة لان هذه الجرائم في تطور دائم ومستمر وربما تطور يومي الامر الذي يتطلب ان يكون القاضي متفرغاً الى هذا النوع من الجرائم وعلى سبيل المثال فإن جريمة الاتجار بالبشر لا يمكن لقاض او غيره ان ينظر فيها ما لم يكن ملماً بأدق التفاصيل وكيفية حصول عمليات الاتجار فهذا الامر يتطلب دورات متخصصة. وهنا التخصص صورة متقدمة للقضاء اللبناني وذو فعالية اكبر لجهة الانتاج والتحقيق كما ان المحاكمة على درجتين، تحقق العدالة وحصرها بجسم قائم على قضاة فقط، تعطي ثقة اكبر كما ان مثول المدني امام القضاء العادي هو امر بديهي”.
اضاف: “ثمة امران مهمان، الاول هو اننا نعلم انه امام المحكمة العسكرية لا يوجد مدع شخصي، وهو مغيب في دعوى تخصه الامر الذي يخلق لدى المدعي شكوكاً وهذا الامر امام القضاء العادي غير واقع فالمدعي لديه حقوق. فاذا شعر المواطن ان الدولة تخاذلت فيستطيع ان يحرك دعواه في قضايا الارهاب بادعاء منه مع ضوابط. والثاني، ففي قانون الاسلحة والذخائر الذي تنظر فيه حاليا المحكمة العسكرية فالإتجار بالسلاح هو جنحة. فمن ينقل رتلا من الاسلحة مثلا هو جنحة وقد تستبدل عقوبة الحبس التي لا تتجاوز الثلاث سنوات بغرامة مالية، وهذه مسألة خطيرة كثيرا وبالتالي يجب تعديله، ومن هنا فإن المشروع لحظ سحب اختصاص قانون الاسلحة والذخائر من صلاحيات المحكمة العسكرية ووضعناه امام المحاكم المتخصصة في قضايا الارهاب باستثناء حالات الحيازة الفردية التي وضعناها من ضمن صلاحيات الحاكم المنفرد الجزائي. وقد تم تعديل العقوبة وحولناها من جنحة الى جناية تصل عقوبتها الى الاشغال الشاقة المؤقتة”.
وما هي نسبة حظوظ المشروع في اقراره ؟ يجيب صعب ان “في هذا المشروع، او اي مشروع، الذي يتطلب تعديل القوانين فإن الباب الصحيح هو مجلس النواب والوصول اليه لديه طريقان لا ثالث لهما إما مباشرة امام مجلس النواب وفي هذه الحالة يجب ان يتقدم بالاقتراح نائب او اكثر او اذا كان الاقتراح مقدما من وزير فيحال الى الحكومة لاقراره ومن ثم يرسل الى المجلس النيابي. وفي حالتنا وكون المشروع مقدماً من وزير العدل فمساره الطبيعي مجلس الوزراء. وهل هذا المشروع له امل وما هو سبب عدم السير بالمشاريع السابقة مع الاختلاف الكبير بينهم وبين هذا المشروع المتطور والمتقدم الذي يخلق منظومة قضائية جديدة متقدمة ومتطورة طبعا الامل موجود واقراره سيشكل رسالة واضحة للمجتمع الدولي وهيئات حقوق الانسان والمنظمات الدولية وقبلهم جميعا للشعب اللبناني اننا نحن نسير نحو حرية اكثر وديمقراطية اكبر وضمان محاكمة اكبر وهنا لا نقول ان المحاكم المتخصصة بقضايا الارهاب ستتساهل مع الارهابيين انما على العكس فنحن نشكو من التساهل مع بعض الارهابيين وبالمقابل نشكو من عدم التساهل مع من يستحق التساهل معه. ونحن بذلك نحترم المدني في ان يكون له دور وعدم تغييبه. هذه هي الدوافع والضمانات التي يجب ان تدفع بجميع النواب والوزراء الى السير بهذا المشروع”.
امام في البعد السياسي فاشار الى انه “في حال كان ثمة من لديه حسابات معينة لعرقلته فهذه مسألة مختلفة وانا اتحدث قانونيا وقضائيا وتشريعيا، فيجب ان يتبنى هذا المشروع كل من يؤمن بدولة ديمقراطية وبقضاء عادل ومتقدم ومن يحترم حقوق الانسان وحق المتضرر في ان تحفظ حقوقه عندما يمثل امام القضاء”.
واوضح ان “المشروع لا يستهدف المحكمة العسكرية ولا قضية ميشال سماحة بدليل ان الوزير ريفي بدأ باعداد هذا المشروع منذ توليه وزارة العدل وقبل صدور الحكم ونقضه، هو يستهدف المجلس العدلي الذي لا يمكن لاحد ان يشكك بنزاهة قضاته يستهدفه ليس لعيب في القضاة انما لعيب في نظامه الاجرائي كونه درجة واحدة. المسألة ليست موجهة لإبعاد سياسية انما لقاعدة عامة حول المحاكم الاستثنائية المؤقتة لحالات استثنائية فلماذا ما زالت قائمة؟ اذاً المبدأ هو في العودة الى القضاء العادي. وطبعا هذا لا يعني اذا كانت المحكمة العسكرية غير مستهدفة انها جيدة هذا وضع شاذ قائم اليوم لجهة الصلاحيات الممنوحة لها والاجراءات التي تسير امامها وبعض من ادائها كي لا نظلم، يطلق عليه اسم الوضع الشاذ ويجب ان نعود الى الوضع الطبيعي الذي تعرفه البشرية على مستوى القانون والقضاء ومستمر من آلاف السنين الا عندنا لا يزال الوضع شاذا ويجب ان نعيد الامور الى نصابها. ولا شك ان بعض القرارات التي تصدر عن المحكمة العسكرية تساهم في مكان في ما في تعزيز موقع هذا القانون لان الاداء ايضا في بعض الاحيان يعزز القناعة لدى الرأي العام انه آن الاوان للانتهاء من هذه المنظومة الاستثنائية وخاصة ان ادائها يؤكد صحة الاسباب الموجبة لهذا القانون، ان اداءها يؤكد ان ما ورد في القانون يأتي كدليل وقراراتها تصب كدليل في تدعيم المشروع ومنهم قرار سماحة.
وانتهى صعب الى التأكيد ان “الوزير ريفي متمسك بمشروعه الى النهاية وليس هو فقط انما كل هيئات المجتمع المدني وحقوق الانسان والرأي العام الحر الذي يريد قضاء ومحاسبة ضمن معايير وضوابط ومن سيعرقل او يواجه المشروع، لن يكون منطلقاً من خلفية قانونية وقضائية، وسيلجأ الى اسباب اخرى لانه لن يجد نموذجا افضل منه”.