يشكل وزير العدل اللواء أشرف ريفي ظاهرة فريدة من نوعها في الحياة السياسية اللبنانية. أشرف ريفي ليس ابن بيت سياسي، وهو ليس سياسياً بطبعه. هو ابن المدرسة العسكرية التي تخرّج منها ضابطاً في قوى الأمن الداخلي. تدرّج في الرتب العسكرية، ليحتل منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي في أخطر مرحلة من تاريخ لبنان الحديث: مرحلة الاغتيالات الشاملة من اغتيالات قادة “ثورة الأرز” الى استهداف ضباط قوى الأمن الداخلي من سمير شحادة ووسام عيد الى وسام الحسن، مرحلة 7 أيار وتهديد السراي والمقر العام لقوى الأمن الداخلي، مرحلة كشف تورّط “حزب الله” في الاغتيالات من “القديسين الخمسة” الى محمود الحايك وغيرها، ومرحلة كشف تورّط النظام السوري بزعزعة أمن لبنان من بدعة “فتح- الإسلام” الى مؤامرة سماحة- المملوك!
في كل المراحل المذكورة كان أشرف ريفي يعيد بناء مؤسسة قوى الأمن الداخلي لتكون مؤسسة أمنية لبنانية بامتياز، بجهازها الأمني المتميّز “شعبة المعلومات” التي أثبتت فعاليتها ووطنيتها وجرأتها.
لم يرضخ لكل تهديدات “حزب الله” المباشرة وغير المباشرة. واجه متسلّحاً بوطنيته وإيمانه بلبنان أولاً وأخيراً، وبمنطق الدولة والمؤسسات اللبنانية. رفض أي مساومة من أجل البقاء في منصبه بعد 1 نيسان 2013، رغم كل عروض “حزب الله” المباشرة. وانتقل بعدها الى العمل الوطني من دون أن تعني له المناصب شيئاً.
شكّل حاجة للرئيس سعد الحريري لتوزيره في حكومة الرئيس تمّام سلام رغم فيتو “حزب الله” الذي تمكّن من منعه من استلام وزارة الداخلية، لكنّه تسلّم وزارة العدل.
كان أول وزير يصرّح عن أمواله وممتلكاته الى المجلس الدستوري، ويقدّم تصريحه الى الرأي العام. ورغم أنه دخل الحكومة بتسمية من الحريري، إلا أنه أصرّ على ممارسة اقتناعاته منذ اليوم الأول، فتحفّظ على البيان الوزاري وأحرج سعد الحريري. وبقي متمايزاً عن تيار المستقبل في كل ما لا يتماشى ومبادئه، وصولا الى إعلانه الصريح والواضح رفضه مبادرة الرئيس الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الحكومة. لم يقبل بأن يخضع لأي ضغط وأبلغ من يعنيهم الأمر في تيار المستقبل بأنه يرفض أن يسير بعكس مبادئه. تمسّك بموقفه وأبلغ الجميع أن لا مناصب تهمّه ولا شيء يعنيه غير الوفاء للشهداء والتماهي مع جمهور 14 آذار.
وكما رفض ترشيح فرنجية، رفض ترشيح العماد ميشال عون، مصرّاً على رفض أي مرشح من قوى 8 آذار. وقال في ذكرى اغتيال الرائد الشهيد وسام عيد:
“اقول ما احوجنا اليوم الى رئيس ينحني امام هامة الشهداء.
نريد رئيساً لم يتباهى يوماً بانه شقيق لطاغية، رئيساً لا يُحمل لبنان تبعات العلاقة مع الطغاة.
نريد رئيساً لا يبيعُ تاريخه وكرامة الشهداء من أجل شهوة السلطة.
نريد رئيساً لم يسخر لسانه للنيل من الشهداء في أضرحتهم.
نريد رئيساً لا تكون رئاسته مكافأة لتاريخه الاناني والمدمر لكل القيم الوطنية والمبادئ.
نريد رئيساً لا يساوم على أمن وطنه، رئيساً قادر على مواجهة إرهاب من أرسل ميشال سماحة وعبواته القاتلة، ومن قد يرسل المزيد.
نريد رئيساً قوياً قادراً على متابعة المهمة، رباناً حريصاً على السفينة، لا يتفرج كشاهد زور على من يثقب هيكلها.
نريد رئيساً يحمي الدولة والمؤسسات قولا وفعلاً، لا تنقلب عهوده في اليوم الاول الى نقيضها في اليوم الثاني، كلما استدعت مصلحته الشخصية، استدارة من هنا او التفافة من هناك.
نريد رئيساً يعمل على ارساء مصالحة شاملة بين اللبنانيين على قاعدة الاحتكام الى الدولة، لا رئيساً يعتاش على تذكية التحريض الطائفي والمذهبي.
نريد رئيساً يصون علاقات لبنان العربية، لا حصان طروادة لايران وللمشروع الفارسي.”
هكذا هو أشرف ريفي: منسجم مع نفسه ومبادئه مهما كانت التحديات. وفي لشهداء 14 آذار مهما كلّفه الأمر. لا تعنيه المناصب والإغراءات على أنواعها. لا يتقن ممارسة السياسة على الطريقة اللبنانية، ولا يريد إتقانها. لا يحيد عن مبادئه وثوابته أياً تكن الأثمان. يرتاح الى كونه يعكس نبض الشارع الاستقلالي… ويصرّ على البقاء وفيّاً لدماء الشهداء.
شفّاف الى درجة أن كل إعلام 8 آذار لم يتمكّن يوماً من اتهامه بأي نوع من أنواع الفساد. يهاجمونه في السياسة وبسبب مواقفه، فيزداد تشبثاً بها.
هو أبعد ما يكون عن الطائفية. عندما درس في باريس سكن في دير للراهبات. يتهمونه بالسلفية والتطرّف وهو يجد نفسه في البيئة المسيحية تماماً كما يجد نفسه بين أهله. ويشكّل عنواناً للدولة في مواجهة كل أنواع التطرّف.
يرفض ممارسة التكتيك السياسي ويصرّ على الحفاظ على الاستراتيجيا. يؤمن بشعب 14 آذار إيماناً عميقاً رغم كل التباينات بين قياداته. يشعر أنه أقرب الى الجمهور، يصرّ دائما على العودة إليه. لا تهمّه ردود فعل السياسيين على أدائه وخطاباته، بل يسأل في المقابل عن رأي الناس به وبأدائه، لأن ما يهمّه هوأن يبقى وفيّاً لناسه، للبنانيين من كل المناطق الذين يستقبلهم ببسمة عريضة وترحاب. يعرفهم فرداً فرداً، ويردّ على كل الاتصالات الهاتفية التي ترده بنفسه.
هو انسان مؤمن يتكّل على ربّه ولا يهاب شيئاً، وهو دائماً وأبداً “حيث لا يجرؤ الآخرون”. هو لبناني مجبول بالكرامة حتى النفس الأخير. اسمه عنوان الشرف ويشكّل ظاهرة في الحياة السياسية في لبنان بعد أن أثبت أنه بطريرك المبادئ السيادية. إنه أشرف ريفي الذي أشمّ في عنفوانه ومواقفه رائحة بشير الجميّل. لذلك رفض ترشيح أي مرشح من 8 آذار. رفض ترشيح سليمان فرنجية وميشال عون، ولسان حاله يقول: ولو رشّح سمير جعجع ميشال عون، فسيبقى مرشحي أنا اسمه سمير جعجع.