Site icon IMLebanon

سباق «دافوس» بين أزمات الاقتصاد وكوارث السياسة والأمن

davos-2016-4thIndustrialRevolution
حيدر الحسيني

اختتم المنتدى الاقتصادي العالمي أعماله لهذه السنة في منتجع دافوس السويسري، أمس، بعد فعاليات دامت 4 أيام، طغت عليها بوضوح المصائب المرتبطة بشؤون السياسة والأمن، لا سيما ظاهرة الإرهاب وما يستتبعها من مفاقمة لأزمة اللاجئين، على حساب الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا تزال تداعياتها مستمرة منذ عام 2008، مضافةً إليها كارثة مالية تعانيها الدول المصدرة للبترول نتيجة تدهور البرميل من حوالى 110 دولارات قبل عام ونصف تقريباً إلى هامش يحوّم فيه السعر حول 30 دولاراً حالياً.

صودف أن يدخل مع بداية السنة الاتفاق النووي مع إيران حيّز التنفيذ، مع ما بدأ يُفضي إليه من رفع تدريجي للعقوبات المفروضة عليها، تزامناً مع استفحال الصراع العسكري في منطقة الشرق الأوسط وما أنتجه من توتّر خطير بين طهران والعواصم العربية المجاورة لها.

برز هذا الخلاف مع إيران في المنتدى الذي يُفترض أساساً أنه اقتصادي، فكان ما نقلته وكالات الأنباء أمس عن مشاركين في اجتماع عقد على هامش الأسبوع الماضي، قولهم إن الاجتماع الذي ناقش سبل تحقيق السلام في سوريا شهد خلافات في وجهات النظر بين شخصيات سعودية وإيرانية رفيعة المستوى.

على خط آخر مرتبط بالتوتّر الإيراني الإسرائيلي، كان إعلان رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو في المنتدى، أن كيان الاحتلال سوف يحتاج إلى مزيد من المساعدات العسكرية بعد الاتفاق النووي مع ايران، وذلك لتعزيز موقفه التفاوضي مع واشنطن للحصول على المزيد من هذه المساعدات لـ10 أعوام، من جهة، والدفع باتجاه زيادة المساعدات الحالية التي تحصل عليها تل أبيب من واشنطن بقيمة 3,1 مليارات دولار سنوياً. على هامش المنتدى، خطف الأضواء لقاء عقده مع نتنياهو نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، مباشرة بعد إعلان كيان الاحتلال عزمه على مصادرة قطعة أرض في الضفة الغربية المحتلة قرب الأردن.

أزمة اللاجئين كان لها نصيب وافر على مسرح «دافوس» هذا الأسبوع، ونظراً لما لها من تأثير على العديد من الاقتصادات المتضررة من موجهة الهجرة والنزوح بالملايين من دول الصراع والفقر، دعا وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الى زيادة المساعدات الدولية المقدمة للأمم المتحدة والمخصصة للاجئين هذه السنة بنسبة 30 في المئة، بما يعني زيادة المساعدات الإنسانية من 10 مليارات دولار العام الماضي إلى 13 ملياراً سنة 2016.

أوروبياً، كان بارزاً سياسياً إعراب قادة القارة المشاركين في المنتدى دافوس عن أملهم في أن يتجنب الاتحاد الأوروبي «كارثة» و«مأساة» خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. فيما كان الأبرز اقتصادياً تأكيد رئيس البنك المركزي ماريو دراغي أن المصرف يمتلك العديد من الأدوات التي تمكنه من رفع معدل التضخم.

ومن دون الخوض في العديد من المناقشات التي تناولت جهود مكافحة الإرهاب وتمويله، لم تغب بالطبع الكوارث الاقتصادية التي يعانيها العالم اليوم، لا سيما تبِعَات انهيار أسعار النفط لأدنى سعر في 12 عاماً، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني إلى أدنى معدلاته منذ 25 عاماً.

مسؤولون خليجيون اعتبرواً أن هبوط النفط يشكل فرصة لبلدانهم من أجل إنهاء أنظمة دعم المحروقات والكهرباء واعتماد إصلاحات اقتصادية لا بد منها، باعتبار أن تدنّي الأسعار يجعل المستهلكين أكثر قبولاً لإزالة الدعم عن منتجات البترول، علماً أن الهدف من هذه التدابير هو الحد من اعتماد موازنات دول الخليج على العائدات النفطية التي لا تزال تشكل مصدراً أساسياً لإيراداتها ولو بدرجات متفاوتة بين بلد وآخر.

تدهور النفط المثير للقلق، نُظر إليه في المنتدى من زوايا متعارضة. البعض توقع انعكاسه سلباً على الاقتصاد العالمي عبر إضعاف الأسواق الناشئة والاستثمارات في المدى المتوسط، بينما اعتبر آخرون أن هبوط النفط سيكون أثره إيجابياً للمستهلك الأميركي والأوروبي وجيداً أيضاً لـ5 مليارات إنسان يستهلكون النفط حول العالم.

عالمياً، حاول القادة المشاركون في المنتدى إشاعة الاطمئنان إلى أن تباطؤ الاقتصاد الصيني ليس أسوأ المخاطر التي تواجه العالم ولن يؤدي إلى كارثة اقتصادية.

بدورها، مديرة صندوق النقد كريستين لاغارد التي رشحت نفسها رسميا لفترة ثانية على رأس المؤسسة الدولية، قالت أمس إنها لا تتوقع تحوّلات درامية، مع أنها أقرّت بأن العالم يشهد تطوراً وتغيّراً كبيراً سيكون مليئاً بالمطبّات، وسبق أن قالت الخميس في المنتدى نفسه إن الصين «لديها مشكلة تواصل» حول سياساتها الاقتصادية واستراتيجيتها بشأن سعر صرف اليوان.

وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن أكد (اقتصادياً) أن الصين طغت تقريباً على مناقشات دافوس، معتبراً أنه «حتى مع هذه الوتيرة من النمو، ستضيف الصين الى الاقتصاد العالمي بنهاية هذا العقد ما يساوي حجم ألمانيا.. أعتقد أن من مصلحتنا تماماً جلب الصين الى المؤسسات الدولية المتعددة الطرف».

اجتمع صانعو القرار السياسي والاقتصادي معاً في المنتدى الاقتصادي العالمي هذه السنة كما درجت العادة منذ أكثر من 4 عقود، إلا أن المنتدى هذا العام كان فريداً بجدول أعماله الحافل بالأزمات على كل صعيد، من الاقتصاد إلى السياسة والبيئة والأمن وغيرها، لدرجة دفعت برئيس المنتدى كلاوس شواب للقول إنه «على مدى 46 عاماً من وجود المنتدى.. لا أذكر أننا واجهنا مثل هذا الكم من المشكلات في وقت واحد!».