قبل عشر سنوات حزم فؤاد فنائي أمتعته وغادر إيران الخاضعة للعقوبات على أمل أن تزدهر شركة الأعمال الهندسية التي تملكها الأسرة في قطر.
وثبت أن بدء نشاط من الصفر في قطر صعب على فنائي الغريب البالغ من العمر 27 عاما الذي اضطر للسعي لفهم قوانين الأعمال المعقدة في قطر والتعامل مع القيود المالية الدولية المفروضة بسبب البرنامج النووي الإيراني.
ومنذ ذلك الحين تحمل فنائي سنوات من الخسائر المالية لكنه واصل العمل على أمل أن تُرفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي ذات يوم. وعلى الأمل نفسه واصل الأب إدارة الشركة الأم في إيران.
والآن جاء ذلك اليوم وأصبح فنائي يعتقد أن المجهود الذي بذله سيكلل بالنجاح.
وقال “جئت إلى هنا بالخبرة وتكنولوجيا جديدة. والتقيت مع شركات عديدة لكن الأمر كان صعبا. فاتتنا صفقات كثيرة. ومع ذلك فالسياسة أصبحت من الماضي. استغرق ذلك وقتا طويلا لكننا نتحرك للأمام.”
ومن المرجح أن تقتدي شركات إيرانية أخرى بالمسار الذي سار فيه فنائي.
وقد كونت شركته واسمها رين للهندسة والتجارة شراكة مع مجموعة الجابر للبناء في أبوظبي التي يُنتظر أن تبرم اتفاقا مع مجموعة سيمنس الصناعية لبدء تصنيع أجهزة كهربائية موفرة للطاقة بمواصفات عالية.
وإذا تمت الصفقة فسيشارك فنائي وهو واحد من عدد محدود من رجال الأعمال الإيرانيين في قطر في تطوير أكبر مصنع للإلكترونيات في البلاد وسيتقدم مع مجموعة الجابر للمشاركة في مناقصات لمشروعات البنية التحتية التي تطرحها الحكومة.
ولن يتأثر هذا المشروع مباشرة بتخفيف العقوبات فهو يعتمد على مصنعين محليين لكن احتمال التمكن من تحويل المال إلى إيران ومنها للخارج والسفر بحرية دون عوائق وتوقيع عقود مع شركات غربية وكلها أمور خاضعة للعقوبات الآن سيسمح لنشاط فنائي على حد قوله وغيره من الإيرانيين بالازدهار في المنطقة.
وقال فنائي “استثمرنا بكثافة في قطر. وللأمانة خسرنا الكثير من المال لكن ما زال عندنا أمل.”
ومن المحتمل أيضا أن تستفيد شركات عربية من انفتاح إيران.
فالنمو المتوقع في قطاع الأعمال بين إيران ودول أخرى في منطقة الخليج سيمثل جانبا واحدا فحسب من ازدهار الأعمال المتوقع أن يتحقق بعد رفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي في 18 يناير كانون الثاني الجاري.
وأدى الاتفاق مع القوى العالمية لإنهاء عزلة إيران الدولية مقابل فرض قيود على برنامجها النووي إلى اتاحة استخدام أرصدة مجمدة بعشرات المليارات من الدولارات وإعادة فتح البلاد أمام الاستثمار الأجنبي والسماح لها ببيع النفط مرة أخرى في الأسواق العالمية.
ويقول الرئيس حسن روحاني الذي قاد مساعي بلاده لإبرام الاتفاق النووي إن ايران تحتاج لاستثمارات جديدة بين 30 و50 مليار دولار سنويا لتحقيق النمو الاقتصادي المستهدف البالغ ثمانية بالمئة. وأمر روحاني بزيادة كبيرة في إنتاج النفط وذلك في مؤشر على حجم فرص الأعمال المتوقعة وقالت إيران إنها تريد شراء أكثر من 100 طائرة غربية.
وسارعت بعض الشركات لتحقيق المكاسب أو العودة إلى إيران الغنية بالموارد الطبيعية ويبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة نسبة كبيرة منهم من الشبان والمتعلمين.
وللشركات الأوروبية والآسيوية أسبقية على الشركات الأمريكية إذ أن الولايات المتحدة ما زالت تفرض بعض العقوبات على طهران الأمر الذي يعد قيدا على الشركات الأمريكية.
لكن الكثير من البنوك والشركات العالمية والمستثمرين الأجانب لا يتعجلون دخول السوق الإيرانية بسبب إمكانية المجازفة بمخالفة العقوبات الأمريكية الباقية وغموض بعض النقاط القانونية.
كذلك فإن البعض يخشى أيضا أن يطرأ أي حادث دبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة ليهدم الاتفاق النووي كما أن انتخابات الرئاسة الأمريكية التي تجري هذا العام قد تأتي إلى مقعد السلطة برئيس يعارض الاتفاق.
لعبة الانتظار
بالنسبة لبعض الشركات الأجنبية كان الأمر أشبه بلعبة انتظار. فقد بقيت في إيران عندما فُرضت العقوبات ومثلما كان حال فنائي في قطر تحملت هذه الشركات أوقاتا صعبة على أمل عودة الرخاء في نهاية الأمر.
وقال بييرباولو مارتسيالي رئيس قسم الاندماجات والاستحواذات بشركة لاندي رينتسو الايطالية التي تعمل في إنتاج غاز البترول المسال وأجهزة الغاز الطبيعي المضغوط للسيارات إن الشركة شهدت انخفاض إيراداتها السنوية في إيران من حوالي 35 مليون يورو إلى حوالي ثلاثة ملايين عندما فُرضت العقوبات.
فلم تكن هناك بنوك غربية مستعدة لعرض ضمانات وخطابات ائتمان كما أن الانخفاض الحاد للعملة الإيرانية في ظل العقوبات زاد الأمر سوءا.
وقال مارتسيالي “لكننا حافظنا على مسارنا ولم نتوقف عن الإنتاج رغم أنه ظل بأدنى المستويات وهذا يضعنا في وضع قوي الآن حيث أن لنا قناة تفضيلية من نوع ما. وموظفونا موجودون بانتظام في طهران ونحن نتطلع لإعادة اطلاق الانتاج.”
ومن الشركات الايطالية التي استمرت أيضا شركة ساباف التي تصنع مكونات لأجهزة الطهي المنزلية رغم أن مبيعاتها السنوية في إيران انخفضت من حوالي عشرة مليارات يورو إلى نحو ثلاثة ملايين على حد قول مديرتها الإدارية جانلوكا بيشي.
وأضافت بيشي “بدأنا بالفعل محادثات في البلاد ونحن نأمل أن نتمكن من زيادة مبيعاتنا في 2016 للعودة إلى فترة ما قبل العقوبات.”
وتأمل ايطاليا أن تحقق تجارتها مع ايران طفرة الآن وترى أن أفضل الفرص في قطاعات النفط والغاز والسيارات والنقل والبناء والأثاث. لكن الصين والهند وروسيا والبرازيل حافظت على موطئ قدم لها أو اكتسبت موطئ قدم في إيران منذ فرض العقوبات كما أن الصين هي أكبر دولة مصدرة لإيران.
وبالنسبة لبعض الشركات فإن السباق قد بدأ بالفعل.
وقال مسؤولون إيرانيون كبار يوم الأحد إن ايران تعتزم شراء أكثر من 114 طائرة من شركة ايرباص الأوروبية قريبا ربما في شهر مارس آذار المقبل كما أنها تتطلع لإبرام صفقات أخرى.
وسارعت وحدة الشاحنات بشركة دايملر الألمانية للسيارات إلى توقيع خطابات نوايا مع شركاء في إيران وقالت الشركة الوطنية للالومنيوم (نالكو) الهندية إنها سترسل خبراء إلى إيران لاستكشاف إمكانية إقامة مجمع للصهر باستثمارات قدرها مليارا دولار.
وقال بنك في.تي.بي ثاني أكبر البنوك التابعة للدولة في روسيا إنه يأمل أن ينفذ أولى عملياته المصرفية مع إيران في غضون شهور.
وبدأ المستثمر البريطاني دومينيك بوكور انجرام صندوقا مشتركا مع صندوق استثماري إيراني في 19 يناير كانون الثاني وذلك بعد عقدين من دخوله بورصة موسكو بحقيبة مملوءة بالمال لشراء الأسهم في أعقاب نهاية الحكم الشيوعي.
غير أن العديد من البنوك والشركات الأخرى بدءا من شركات النفط الدولية وحتى صغار المستثمرين يتريثون بسبب بعض النقاط القانونية الغامضة وللتأكد من أنهم لن يواجهوا غرامات كبيرة لانتهاك العقوبات الأمريكية الباقية.
ترقب الفرص
تواجه الشركات الصغرى مخاوف مماثلة لما تواجهه الشركات الكبرى وهي تدرس المخاطر والفرص السانحة. ومثل الشركات الكبرى تستعد بعض الشركات الصغرى منذ سنوات لانفتاح إيران.
وقال فنائي في مكتبه في قطر “لدي أصدقاء في إيران ينتظرون انتهاء العقوبات حتى يمكنهم القدوم والاستثمار هنا.”
ويسافر رجال أعمال إيرانيون منذ عشرات السنين إلى دول الخليج العربية التي تتيح لهم استخدام مياه الخليج ومناطق للتجارة الحرة في مدن مثل دبي وكذلك إعادة تصدير السلع والالتفاف على العقوبات. ومن المنتظر أن تتزايد أعدادهم الآن.
وقال فنائي “قطر سوق مثالية بالنسبة لنا. فالنمو سريع قبل كأس العالم (التي تستضيف قطر نهائياتها عام 2022). ويقدر الشركاء المحليون هنا ما لإيران من باع في الصناعة والتكنولوجيا.”
وقال محمد سلطان الجابر رئيس مجموعة الجابر وشريك فنائي الجديد إن “المشاكل السياسية” مثل الخلاف بين إيران والسعودية لن تعوق شراكات الأعمال العربية الإيرانية.
وأضاف “إيران لديها أشياء كثير تحتاج إليها قطر. واعتادت قطر استيراد مواد كثيرة من إيران مثل الاسمنت والسيراميك… وتوقف ذلك.”
وأبدى تطلعه لمزيد من التعاون بعد رفع العقوبات وقال “لا أرى سببا لماذا لا يُستأنف.”