كتب غسان ريفي في صحيفة “السفير”:
يدرك الأمين العام الجديد لـ«الجماعة الاسلامية» عزام الأيوبي رهبة الموقف في أن يكون أول من يعتلي هذا المركز بعد جيل المؤسسين، لكن قربه الشديد من الأمناء العامين السابقين، والخبرة التي اكتسبها خلال ست سنوات في رئاسة المكتب السياسي، وثقة مجلس الشورى به، والانطباع الجيد لدى كل مكونات الساحة اللبنانية بانتخابه، يعطيه زخما قويا لخوض غمار المرحلة المقبلة التي ربما تكون من أصعب المراحل. لذلك يرى الأيوبي أن مهمته الأساسية تكمن في الحفاظ على ثوابت «الجماعة» في الاعتدال والانفتاح، فضلا عن السعي للوصول الى التنوع ضمن الوحدة في الساحة السنية، ومواجهة أي فعل يمكن أن يؤدي الى فتنة مهما كان نوعها في البلد، لا سيما بين السنة والشيعة.
يرى الأيوبي في حديثه لـ «السفير» أن المسؤولية كبيرة جدا، مؤكدا أن العنوان العريض لعهده هو التعاون مع كل المكونات، وأن تكون «الجماعة» عنصرا في خدمة المشروع الاسلامي واللبناني بشكل عام.
ينفي الأيوبي وجود صراع أو تنافس أجيال في «الجماعة»، مؤكدا أن الكل يطمح الى حركة الشباب والى الطاقة التي يستطيع الشباب أن يضخها في جسم «الجماعة» ويعطيها دفعا إضافيا، لافتا الانتباه الى أنه لولا الجيل المؤسس والجيل الثاني لما وصلت «الجماعة» الى ما وصلت إليه اليوم، وقال: لقد تسلمنا من الجيل المؤسس «جماعة» منتشرة في كل لبنان، و «جماعة» واحدة وليست منقسمة، و «جماعة» متجذرة في المجتمع بفعل المؤسسات التي أنشئت في العقود الخمسة الماضية على كل المستويات.
وعما إذا كان ذلك يشكل توجها لدى «حركة الاخوان المسلمين» في العالم، يؤكد الأيوبي أن «الحركة» تؤمن بدور الشباب، ولا أحد من قياداتها يتطلع الى التمسك بأي منصب.
عن الخطوط العريضة لعهده، يؤكد الأيوبي أنه متمسك بثوابت «الجماعة» المؤمنة بالانفتاح على الجميع، مشيرا الى أن الأداء يرتبط دائما بشخصية المسؤول، لذلك لا يوجد عندي ما أخاف منه عندما أجلس مع أي فريق آخر، سواء كنا متفقين معه أو مختلفين، وأحاول أيضا أن أبحث مع أي فريق عن نقاط التواصل والالتقاء، وليس عن نقاط الخلاف، فنحن محكومون بالعيش والجلوس معا.
وعن خلافات الساحة السنية والعتب الدائم على «تيار المستقبل»، يأسف الأيوبي لهذه الخلافات، مؤكدا أن «الجماعة» تسعى الى وحدة هذه الساحة وتقويتها، ويشير الى أن لا خلاف شخصيا مع «المستقبل»، بل القضية هي قضية ممارسات، فالتيار يتصرف بطريقة تنعكس سلبا عليه وعلى الساحة السنية واللبنانية، وهو يتعامل بتفرد كامل، ولا يقيم اعتبارا للقوى الأخرى التي ينبغي أن يتكامل معها، لذلك فان من واجب «المستقبل» أن يعود الى العمق الذي يمثله، ولكن للأسف نرى غير ذلك، فهو يتفرد في إدارة هذه الساحة والتصرف بشأنها، وأحيانا يعطي على حسابها. لذلك انتقاده ليس فقط عند «الجماعة»، بل هناك شرائح كبيرة من المؤيدين ومن المنخرطين ضمنه، يجدون أنه يبتعد شيئا فشيئا عن همومهم، بل بعضهم ذهب الى رفض تمثيله، ومن مصلحة «المستقبل» أن يعيد تقويم سلوكه، ونحن منفتحون عليه، خصوصا أننا نتقاطع معه في كل قرية وفي كل بيت في لبنان، ومن المنطقي أن يكون هناك تعاون على الحد الأدنى، وهذا الأمر سنسعى الى إيجاده، فنحن مع إقامة تحالف وتفاهم بين كل القوى السنية في لبنان لأنه لا بد لأي طائفة أن تكون متماسكة حتى تنطلق ضمن الساحة اللبنانية وتحاول أن تبني شراكة مع الآخرين.
وعن العلاقة مع سائر مكونات السنّة، لا سيما الرئيس نجيب ميقاتي، يشير الأيوبي إلى أن «الجماعة» تتواصل مع كل المكونات على اختلاف توجهاتها وفي كل المناطق، مشيرا الى أن الرئيس ميقاتي هو أحد أركان هذه الساحة، «وهو طيلة المرحلة الماضية كان متجاوبا ومنفتحا في التعاطي معنا، ولم نر منه شيئا يسيء الى مسعى جمع الساحة السنية، بل كان باستمرار يعطي الجماعة تفويضا للقيام بذلك، لذلك فان علاقتنا معه جيدة جدا، ونطمح الى أن تكون الساحة السنية متكاملة ومتنوعة، ولا مانع من أن نتنافس شرط أن لا يتحول هذا التنافس الى إلغاء».
ويشير الأيوبي الى أن «اللقاء التشاوري الاسلامي» الذي تأسس قبل سبعة أشهر هو «خطوة متقدمة على صعيد إيجاد قواعد مشتركة، ونحن نطمح الى أن يتطور الى لقاء إسلامي سني على مستوى الساحة الوطنية، والى التفتيش عن نقاط الالتقاء مع الهيئات الاسلامية التي نختلف معها».
وعن العلاقة مع «حزب الله»، يؤكد الأيوبي «لم نقل يوما أننا ضد اللقاء مع حزب الله»، مشددا على أن «اللقاء هو أمر ضروري، ولكن ينبغي أن تكون له أسبابه ونتائجه، فنحن لا نجلس من أجل الجلوس، خصوصا عندما يكون هناك اختلاف واسع وكبير في وجهات النظر، لأن ذلك يعطي انطباعا لدى عموم الناس بأننا نضحك عليهم».
ويوضح الأيوبي أن اللقاءات الشهرية الدورية بين «الجماعة» و «الحزب» توقفت «عندما لم يعد لهذا الحوار أي أفق، خصوصا بعدما استفحلت الخلافات حول قضية سوريا، لكننا لم نقطع كل العلاقات بالحزب، بل أبقينا قنوات تواصل من أجل الحالات الطارئة، وحزب الله ليس فريقا عاديا في الساحة اللبنانية، بل هو فريق أساسي، ويمثل أحد مكونات لبنان وهي الساحة الشيعية، فهل يستطيع أحد أن يلغي الساحة الشيعية؟ طبعا لا. لذلك يجب أن نجلس مع هذه الحالة، ومع من يمثلها، ونحن في المبدأ مع بقاء هذه القنوات، وعندما يكون هناك سبب أو مبرر أو أسس أو جدوى للجلوس لن يكون هناك مانع من الجلوس حتى مع السيد حسن نصرالله»، مشددا على رفض الفتنة السنية ـ الشيعية وعلى مسؤولية الجميع في مواجهتها.
وعن موقف الجماعة من الفراغ الرئاسي وترشيح جعجع لعون يشدد الأيوبي على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، لافتا الانتباه الى أن «كل طرف يحق له ترشيح من يشاء، سواء جعجع لعون أو الحريري لفرنجية، ونحن في الجماعة لم نحسم خيارنا تجاه أحدهما، وربما يكون لنا خيار ثالث، وكله متعلق بما سنسمعه من المرشحين».
وحول نظرة «الجماعة» للتطرف المتنامي في المنطقة، يرى الأيوبي أن «التطرف يشكل تحديا كبيرا لكل المجتمعات»، مشيرا الى أن «التطرف من الناحية الاعلامية ينصب كله على الاسلاميين، من دون الاشارة الى التطرف الآخر، فاليوم عندما نرى المجازر تطال أطرافا متعددة فهذا تطرف، لكن للأسف الفعل الذي يأتي من الاسلاميين يسمى تطرفا أو إرهابا، والفعل الآخر لا يسمى كذلك».
ويلفت الأيوبي الانتباه الى ان تنامي التطرف في المنطقة ينتج عن الظلم وانعدام العدل، وعن الحروب المنتشرة التي تستفيد منها أميركا والكيان الاسرائيلي، مؤكدا أن «الاستمرار بالتطرف إنتحار ذاتي، وأن الفكر المتطرف، بكل تلاوينه وأبعاده، هو خطر لا يسمح باستمرار أي فريق سياسي»، داعيا الى إعادة قراءة المبادئ والقيم الاسلامية، وكيفية التعاطي مع المخالفين، بما يعيد الصورة المشرقة للاسلام.
وعن إمكانية قيامه بزيارة السعودية، يعتبر الأيوبي أن «السعودية مؤثرة بالنسبة لنا، ولا مانع من زيارتها، ولا بد من الحوار معها».
يشدد الأيوبي على أن «قضية فلسطين هي بوصلة نستطيع من خلالها أن نعرف أننا ما زلنا على الخط الصحيح، ويوجد في الجماعة مكتب فلسطين، وهو يوازي المكتب السياسي من الناحية التنظيمية، وبالتالي لا يمكن أن نتخلى عن فلسطين، ومن يتقاطع معنا في قضيتها أهلا به، بغض النظر عن اختلافاتنا معه».