IMLebanon

مصر: بطالة الشباب تمنع نهضة الاقتصاد وتهدد النظام

egypt
ابراهيم محمد

هناك مؤشرات على عودة الاستقرار النسبي إلى الاقتصاد المصري بعد خمس سنوات على الثورة. غير أن تهميش الشباب واستفحال البطالة في صفوفهم يشكلان قنبلة تهدد السلم والنظام السياسي. السؤال: كيف لحكومة السيسي أن تنجح في نزع فتيلها؟

تعرضت مصر منذ ثورة يناير/ 2011 لضربات موجعة عصفت بقطاع السياحة وأدت إلى خروج استثمارات هامة من الدورة الاقتصادية بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية والهجمات الإرهابية التي طالت منتجعات سياحية ومناطق أخرى كثيرة. رغم ذلك يبدو الاقتصاد المصري حاليا في حالة استقرار نسبي تعكسها نسبة نمو يزيد معدلها على 4 بالمائة خلال العامين الماضيين. وساهم الدعم الخليجي السخي بحوالي 33 مليار دولار في دعم الاستقرار المالي من خلال زيادة احتياطات مصر من النقد الأجنبي التي تراجعت إلى النصف، أو إلى 16 مليار دولار بعد مرور أقل من ثلاثسنوات على الثورة. كما ساهم هذا الدعم في تغطية تكاليف الإنفاق الحكومي على خدمات أساسية عامة ومشاريع هامة. وعزز الانجاز السريع لمشروع توسيع قناة السويس برؤوس أموال مصرية الثقة بقدرة مصر على تنفيذ مشاريع إستراتيجية تدفع بعجلة الاقتصاد المصري إلى الأمام.

إصلاحات اقتصادية قاسية

يعود الفضل الأساسي في الاستقرار الاقتصادي النسبي بالدرجة الأولى إلى إصلاحات اقتصادية ومالية قاسية للكثير من المصريين تمت بعيدا عن الأضواء منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة. وركزت هذه الإصلاحات على تقليص الدعم الحكومي لمصادر الطاقة وتوسيع الوعاء الضريبي بشكل أدى في المرحلة الأولى من الإصلاحات إلى تخفيف العجز عن الموازنة بنحو 55 مليار جنيه، أي ما يزيد على 7 مليارات من الدولارات. وسيكون لتراجع أسعار النفط إلى أكثر من 70 بالمائة أثر إيجابي آخر على الموازنة بسبب تقليص قيمة فاتورة استيراد مصادر الطاقة بمليارات أخرى سنويا.
في سياق متصل رفعت الحكومة نسبة الفوائد في البنوك إلى أكثر من 12 بالمائة لجذب ادخارات المصريين واستثمارها في مشاريع عملاقة مثل مشروع توسيع قناة السويس ومشاريع الطاقة الكهربائية التي تنفذها شركة سيمنز الألمانية بقيمة 9 مليارات دولار. ورغم المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وغياب معارضة قوية في صفوف النواب الجدد، فإن بدء عمل البرلمان الجديد سيعزز الاستقرار الاقتصادي لأن الكثير من التشريعات الرئاسية والقرارات الحكومية المتعلقة بالاقتصاد ستتم مناقشتها والمصادقة عليها بسرعة قياسية بعد سنوات من غياب برلمان في البلاد على حد تعبير الخبيرة الاقتصادية بسنت فهمي. وذكرت فهمي في حديث مع DWعربية أن البرلمان ناقش خلال أيام قليلة 22 قرارا تتعلق بعقود اقتصادية وصادق عليها. وتشمل هذه العقود تحديث شبكة قطاعات البنية التحتية والإسكان في مجالات السكك الحديدية والطاقة والإسكان والمياه وغيرها.

مشكلة الفقر والبطالة

غير أن النجاح الملموس الذي حققته السياسة الاقتصادية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أكثر من صعيد لا يعني تجاوز تحديات اقتصادية تهدد الاستقرار الاجتماعي في حال لم يتم التخفيف من حدتها خلال فترة سريعة. ويبرز من هذه التحديات التي تضغط على جيوب غالبية المصريين الساحقة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وصعوبة توفير الدولار لتأمين مستلزمات الاستيراد في وقت لم تتحسن فيه الأجور بشكل يواكب نسبة التضخم الذي يزيد معدله السنوي على 9 بالمائة. ويزيد من صعوبة ذلك توقعات بانخفاض تحويلات المصريين في دول الخليج والدول الأخرى بسبب تأثر أعمالهم بتراجع أسعار النفط وتراجع النمو الاقتصادي العالمي. غير أن التحدي الأقسى الذي يواجه الاقتصاد المصري حسب رأي العديد من المراقبين والمحليين يتمثل بارتفاع نسبة البطالة والفقر في صفوف الشباب الذي يشكلون أكثر من نصف سكان البلاد البالغ نحو 90 مليون نسمة. وتذهب مصادر غير رسمية إلى تقدير نسبة البطالة الفعلية في صفوفهم بنسبة 25 بالمائة، في حين تقول المصادر الرسمية أن النسبة بحدود 13 بالمائة. ولتوضيح الأمر بعيدا عن النسب يقول يينس كوتشر، خبير الشؤون الاقتصادية المصرية بالمنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي/ EMAفي مقابلة مع DWعربية “إن الشباب يرفدون سوق العمل المصري سنويا بحوالي 700 ألف شخص لا يجد سوى 200 ألف منهم فرصة للعمل، ما يعني أن البلاد بحاجة إلى نصف مليون فرصة عمل إضافية سنويا لحل مشكلة البطالة في صفوف الشباب الذين يشكلون غالبية سكان البلاد”. وتشكل بطالة بهذا الحجم قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي واستكمال عملية الاستقرار الاقتصادي والسياسي. وهذا ما تدل عليه احتجاجات الشباب المهمشين والعاطلين عن العمل الأخيرة في تونس. والسؤال كيف يمكن للحكومة المصرية إيجاد البيئة التشريعية والإدارية والمالية لتشغيلهم؟.

سيف الفساد والبيروقراطية

الخبير يينس كوتشر يتساءل فيما إذا كان البرلمان المصري الجديد قادر على إصدار تشريعات وفرض قوانين تراعي متطلبات الشباب المصري المهمش، لاسيما وأن كبار رجال الأعمال المصريين من العهد السابق ممثلين فيه بقوة. ويتهم الكثير من هؤلاء بممارسة الفساد والمحسوبيات واستغلال النفوذ السياسي للوصول إلى الثروة. وعليه فإن هناك مخاوف من تأثير هؤلاء ونجاحهم في تهميش أو منع إصدار تشريعات تساعد على دعم وتأسيس المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحد من بطالة الشباب، لكنها قد تنافس أعمال “حيتان المال والأعمال” وتضر بها. وهناك مشكلة البيروقراطية والفساد الذي ينخر عمل الإدارات الحكومية والمالية. “إذا احتاج المرء إلى موافقة على مشروع ما، فهو بحاجة للتنقل أيام عدة بين عدد كبير من الدوائر في مناطق مختلفة للحصول على الأختام اللازمة. كما أنه في الغالب لا يحصل على ذلك دون أن يدفع رشوة حتى لو كانت الأوراق والوثائق نظامية”، يقول الخبير كوتشر مضيفا: “بالمقابل يخشى موظفو الإدارات الحكومية والبنوك عادة الفئات الغنية وأصحاب الجاه ويوافقون على طلباتهم بسرعة ليس بسبب الرشوة وحسب، بل أيضا بسبب الخشية من نفوذهم”.

مشروع حكومي طموح

في محاولة منها للحد من البطالة في صفوف الشباب أطلقت الحكومة المصرية مشروعا بقيمة 200 مليار جنيه مصري، أي ما يعادل 25 مليار دولار أمريكي لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة المملوكة للشباب على مدى أربع سنوات اعتبارا من بداية العام الجاري بتسهيلات مغرية. وحسب الخبيرة فهمي يتوقع من المشروع إيجاد 3.5 مليون فرصة عمل جديدة. وسيتم تمويله من ادخارات المصريين بفوائد تزيد على 12 بالمائة. السؤال الذي يطرح نفسه على ضوء مشروع بهذا الحجم، كيف يمكن تنفيذه في ظل الإدارة الاقتصادية الحالية التي تبدو مترهلة بسبب البيروقراطية والفساد؟ الخبيرة فهمي ترى أن الحكومة بدأت باتخاذ خطوات على هذا الصعيد من بينها بحث تكليف “بنك ناصر الاجتماعي” بإدارة أموال المشروع ومنح القروض دون تعقيدات تعيق تطوير أو إقامة المشاريع التي تشمل مختلف القطاعات ومختلف المحافظات المصرية. وإذا سلمنا بصحة خطوة كهذه إن تحققت، يبقى السؤال، أين الإجراءات التي من شأنها الحد من البيروقراطية والفساد التي تعيق المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي لايمكن بدونها تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة وحل مشكلة البطالة وفقا لخبرات دول كثيرة مثل كوريا الجنوبية وألمانيا والنمسا ودول أخرى.