التوتر المكتوم بين الحريري وجعجع على حاله نتيجة الفجوة الواسعة التي كُرّست بعد احتفالية معراب رغم الرهانات التي تعلّقها بعض القوى الداخلية اللبنانية على مجموعة عوامل وتحرّكات في الداخل والخارج، من اجل دفْع أزمة الفراغ الرئاسي نحو مخرج قريب، يغلب على مصادر سياسية بارزة التشاؤم في إمكان حصول اي حلحلة في هذه الأزمة قبل وقت طويل.
وتتوقّع هذه المصادر عبر «الراي» ان يكون الأسبوعان الأخير المتبقّي من يناير الجاري، والاول من فبراير المقبل، كفيليْن بتبريد الموجة الساخنة جداً، التي أثارها ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، بحيث تصبح المعادلة الرئاسية راسيةً فوق طرح مرشحيْن عالقيْن، والعودة الى مربع الانتظار، لا أكثر ولا أقلّ.
وتقول المصادر انه «يمكن اعتبار انه بعد كل المكاسب والنقاط التي حققها جعجع، والتي شهد له فيها كثيرون منذ احتفالية معراب (مقره) التي شهدت ترشيح عون قبل اسبوع، فإن نقطة الإخفاق الأساسية التي لحقت به كما لحقت بسواه سابقاً، هي الوقوف امام طريق ممنوع من الخرق عند صمت حزب الله، لا بل تجاهُله تَوافُق معراب، وعدم إقدامه على إرسال اي إشارة ولو طفيفة، حيال انقلاب جذري قام به فريق مسيحي أساسي (القوات) بدعم الحليف المسيحي الرئيس للحزب ومرشحه المعلن لرئاسة الجمهورية، اي عون».
وتضيف المصادر ان «هذا التجاهل شكّل عاملاً مهماً من عوامل إذكاء الاقتناع بأنه لا انتخابات رئاسية قريبة لان حزب الله تُوَجِّهه أجندة داخلية غامضة، بدأت الشكوك تتصاعد حيالها، وما اذا كانت ترتبط بسعيه الى تبديل جوهري في نظام الطائف، كما تُوَجِّهه اجندة اقليمية تتصل بمستقبل سورية تحديداً وموقع ايران فيها وتمْنع اي انفراج لبناني قبل اتضاح الصورة».
وتبعاً لذلك، توضح المصادر ان «الواقع الحالي سيتّخذ لوحة تهدئة الصراع الرئاسي في ظل انقسام سياسي جديد حول المرشحيْن عون والنائب سليمان فرنجية»، الذي تلفت المصادر الى انه «أبدى في الأيام الأخيرة عزماً اكبر من اي وقت، على الاستمرار في معركة ترشيحه، كما فعل ايضاً داعمه الاساسي زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري. وقد ترجم الحريري تمسّكه بفرنجية من خلال اتصاله به السبت، عقب تلقي زعيم المستقبل اتصالاً من عون الذي يعمد الى إشاعة صورة مرنة عن انفتاحه على الجميع عقب توافق معراب على ترشيحه».
ولم تستبعد المصادر نفسها ان يقوم عون بمبادرات إضافية في الاتصالات او حتى الزيارات لقادة سياسيين آخرين في المرحلة المقبلة، ولكنها شكّكت في اي تغيير قريب حاسم في عناصر المشهد الرئاسي بما يؤكد ان الجلسة النيابية المقبلة لانتخاب رئيس الجمهورية في 8 فبراير المقبل، لن تختلف عن سابقاتها ولن تؤدي الى انتخاب رئيس.
ولفتت المصادر الى انه «رغم تراجع مستوى التوتر العلني اخيراً بين المكونيْن الكبيريْن لقوى 14 آذار، اي تيار المستقبل والقوات اللبنانية، فإن ذلك لا يحجب الفجوة الواسعة التي كُرّست بعد احتفالية معراب، والتي باتت في ظلها معادلة المرشحيْن تظلّل الاختلاف الناشئ بين الحريري وجعجع حتى إشعار آخر غامض».
وشكّكت المصادر في ان تؤدي اللقاءات التي أجراها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في الفاتيكان مع البابا فرنسيس، عشية زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني للفاتيكان وفرنسا، الى نتائج في زحزحة الموقف الايراني، ولو سعى الفاتيكان وفرنسا فعلاً الى ممارسة ضغوط على طهران لتسهيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية. واعتبرت ان «المأزق يبدو أشدّ تعقيداً من قدرة أصدقاء لبنان، لأن القوى الفاعلة دولياً واقليمياً تنخرط في أولويات لا يندرج فيها لبنان، أقلّه في الوقت الحالي».
وفي ظل هذا المناخ، يمكن تفسير إقبال غالبية القوى الداخلية على تفعيل العمل الحكومي، إذ يعقد مجلس الوزراء جلسة جديدة الخميس المقبل، وتجري محاولة متقدمة قبل موعد الجلسة للتوافق على تعيينات عسكرية وأمنية في المجلس العسكري ومجلس قيادة قوى الامن الداخلي، التي تشكّل شرطاً لعون، لعودة وزرائه الى حضور الجلسات الحكومية.