Site icon IMLebanon

العقوبات ترفع عن إيران…هكذا يستفيد لبنان؟

IranOil5
موريس متى

عتبر حدثاً تاريخياً يوم دخول الاتفاق النووي الايراني حيّز التنفيذ في 17 كانون الثاني 2016، وبدء رفع العقوبات المفروضة على إيران بعد سنوات من الحصار الاقتصادي في خطوة وصفها الرئيس الايراني حسن روحاني ببداية صفحة ذهبية في تاريخ الجمهورية الاسلامية.

مجموعة من العقوبات رفعت مباشرة بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ على أن يتم رفع المزيد منها في الايام المقبلة. ومن أبرز هذه العقوبات إعادة السماح لإيران بإستيراد الطائرات التجارية وقطع الغيار لأسطول طائراتها القديم شرط عدم استخدامها في اي عمل عسكري أي نشاط محظور بموجب الاتفاق، والسماح بالعمليات التجارية مع طهران، وإعطاء المنتجون الاميركيون الضوء الاخضر للمصدرين الايرانيين لتصدير سلعهم الى الولايات المتحدة، مع الغاء العقوبات التي طالت البنوك والشركات المالية بما في ذلك المعاملات مع المركزي الإيراني، وقطاعات التأمين، والنفط والغاز والبتروكيميائيات، والنقل البحري، والموانئ، وتجارة الذهب والمعادن الثمينة، وتجارة السيارات والألومينيوم والمعدن والفحم، شرط عدم ارتباطها بالمجال النووي المحظور. وفي سياق متصل، كشف حاكم البنك المركزي الايراني ولي الله سيف إنه “مع رفع العقوبات وسيتم الإفراج عن 32 مليار دولار من الأموال المجمدة، في وقت تشير فيه التقديرات الى ان إيران ستحصل أيضا على نحو 50 مليار دولار من العائدات النفطية العائدة لها، والمجمدة حاليا في البنوك الأجنبية، مع عودة انضمام طهران الى شبكة المدفوعات العالمية “SWIFT” وشطب واشنطن من لوائحها السوداء 400 اسم لأفراد وشركات وكيانات إتهموا في السابق بانتهاك العقوبات كما يُنتظر ان تلغي وزارة الخزانة الاميركية قرارها السابق بوصف ايران بأنها منطقة لغسل الاموال وشطب اسمها من سجل الفصل 311 من “قانون باتريوت”.


إقتصاد متهاو

لحظة إعلان دخول الاتفاق حيّز النفيذ، انتظرها آلاف المستثمرين الايرانيين والدوليين ممن عانوا لسنوات من تداعيات العقوبات التي تمكنت من إيصال العديد من القطاعاتها الى حافة الهاوية، نتيجة عزل البلاد عن النظام المصرفي العالمي وتقليص تجارتها الخارجية، وممارسة كل انواع الحصار الممكن على هذا البلد الذي يقدر حجم اقتصاده بحوالى 370 مليار دولار. وبحسب محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، العقوبات حرمت بلاده 100 مليار دولار من عائدات النفط في الاعوام الثلاثة الماضية، اما ديفيد كوهن مساعد وزير الخزانة الاميركية المكلف مكافحة الارهاب فكشف ان طهران خسرت ما بين 3 و5 مليارات دولار شهريا بسبب العقوبات. وقد أدى الحظر الى إنكماش الاقتصاد الايراني بين عامي 2012 و2013 بحوالى 8,5% ليعود ويسجل نموا خجولا عند 1,5% عام 2014، كما تراجعت الصادرات النفطية بـ60%، من 2,6 مليوني برميل يوميا في 2011 الى 1,21 مليون برميل في 2014، متسّببة في تراجع المداخيل السنوية من 100 مليار دولار الى أقل من 30 مليارا. وتزامن هذا الامر مع انخفاض الانتاج النفطي من 4 ملايين برميل يوميا عام 2011 الى 2,5 مليوني برميل عام 2014، ما أجبر طهران على تخزين ملايين البراميل النفطية غير المباعة. وأدت العقوبات الى خسارة استثمارات ضخمة مع انسحاب الشركات العالمية وخصوصا النفطية منها، اذ خسرت عام 2011 استثمارات في قطاع التكنولوجيا النفطية الجديدة وحده بنحو 60 مليار دولار، كما إنخفضت الاحتياطات بالعملات الاجنبية الى دون 200 مليار دولار، بالاضافة الى هبوط سعر صرف الريال الايراني باكثر من 56% ما بين 2012 و 2014 مع نسبة تضخم لامست 45% وبطالة قرب 20%.

بعد رفع العقوبات…

مع رفع العقوبات ، يُتوقع عودة الصادرات النفطية الايرانية الى نحو 3,6 ملايين برميل، ما ينعكس ايجابا على إيرادات الدولة التي يمثل القطاع النفطي حوالى 70% من إجمالي مداخيلها، بالاضافة الى رفع النمو من 2.5% في العام 2015 الى نحو 5% في السنة المالية 2016 بحسب محافظ البنك المركزي والي الله سيف، وصولا الى 8% في 2017. وأيضا يُتوقع ان يؤدي رفع العقوبات الى إعادة نسب التضخم الى ما دون 15% والبطالة الى مستويات دون 13%، وزيادة حركة الاستثمارات الاجنبية المباشرة بما قيمته 3,6 مليارات دولار سنويا، وتحديدا في القطاع النفطي الذي يحتاج الى استثمارات بحوالى 130 مليار دولار حتى 2020 ما سيساهم في إعادة إطلاق القطاعات التجارية والخدماتية والاستثمارية، ويحفز الاقتصاد.
ومن الخطوات الاولى التي إتخذتها إيران إعلانها نيتها توقيع عقد لشراء 114 طائرة إيرباص خلال زيارة مقررة للرئيس حسن روحاني الى فرنسا في 27 كانون الثاني، في وقت كشف فيه وزير النقل الايراني عباس اخوندي عن حاجة الجمهورية الاسلامية الى نحو 400 طائرة للرحلات الطويلة و 100 طائرة للرحلات المتوسطة. (تمتلك ايران حاليا 256 طائرة). وكان لفت اخوندي إلى أن انظمة الملاحة في المطارات الايرانية تحتاج الى استثمارات بقيمة 250 مليون دولار لتحديثها”، مضيفاً ان هناك 67 مطارا في البلاد بينها 9 مطارات نشطة”. وفي مجال النقل ايضا، اعلن وزير النقل الايراني توقيع عقد بقيمة ملياري دولار مع الصين لاستخدام الكهرباء في تشغيل رحلات القطارات بين طهران ومشهد. ويتجه الاثنين الرئيس الايراني الى ايطاليا ثم الى فرنسا في أوّل زيارة رسمية لاوروبا بعد انتهاء عزلة ايران.

التداعيات الاقتصادية على لبنان

لرفع العقوبات عن إيران إنعكاسات إقتصادية مباشرة وغير مباشرة على لبنان، فهذه الخطوة أعادت الجمهورية الاسلامية الى سوق النفط العالمية، ما يرفع حكما حجم المعروض من الخام، ومن هنا افادة لبنان. فالمعروض الاضافي، المتزامن مع ضعف الطلب، يؤدي الى مزيد من التراجع في سعر البرميل عالميا، ما يخفض حكماً فاتورة استيراد لبنان للمشتقات النفطية، ويعزز ميزان مدفوعاته، ويقلّص عجز الكهرباء (مؤسسة كهرباء لبنان تحتاج سنويا الى مليار ونصف المليار دولار من الدولة، و70% من التكلفة على شركة الكهرباء هي تكلفة الفيول) ، بالاضافة الى تراجع اسعار المشتقات النفطية، وخفض اكلاف الطاقة التي يتحملها القطاع الصناعي والتي تصل الى نحو 30% من كلفة انتاج بعض السلع في لبنان. ولكن مع عودة إيران الى سوق النفط الايرانية مع معروض إضافي يساهم بمزيد من التراجع للأسعار، إرتفعت المخاوف حيال إنعكاس هذا الامر على تحويلات اللبنانيين في الخليج ، إذ أن هبوط سعر برميل النفط عالمياً، يؤدي إلى تراجع مداخيل الدول النفطية وتفاقم سوء وضع مالياتها العامة، ما قد يؤدي إلى انخفاض عدد المشاريع فيها ويحدّ من التوظيفات ويقلص فرص العمل، ما يطال حتما اللبنانيين في هذه الدول.

ومع عودة إيران الى الساحة العالمية، أصبح بإمكان لبنان قبول العرض الايراني الخاص ببناء معامل لانتاج الطاقة بسعة 1000 ميغاواط وبشروط ميسرة، اضافة الى امكان رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي لا يتخطى 70 مليون دولار سنويا حاليا، مع تعزيز للعلاقات المصرفية والمالية والتجارية مع الجمهورية الاسلامية وسوقها الذي يضم 77 مليون مستهلك. ويسجَّل غياب لبنان عن خريطة التبادل التجاري بين إيران والعالم، وعن خريطة الإستثمارات الأجنبية المباشرة مع ايران، لكن في المرحلة المقبلة هناك اهتمام لبناني بالسوق الأيرانية في ما يخص الصناعات التحويلية التي تشكّل جزءاً كبيراً جداً من اقتصاد إيران.

أما القطاع المصرفي اللبناني فيتوقع أن يأخذ وقته قبل إتخاذ قرار ولوج السوق الايراني بإنتظار رفع كل العقوبات عن طهران ودراسة السوق جيدا، وفي هذا السياق يقول الرئيس السابق لجمعية المصارف الدكتور فرنسوا باسيل ان المصارف اللبنانية لن تأخد قرار دخول هذا السوق قبل رفع كل العقوبات الاميركية والدولية عن إيران وتحديدا المتعلقة بالطاع المصرفية والعمليات الامالية التي يتم إجراؤها مع الجمهورية الاسلامية ، التزاما من القطاع بالقرارات الدولية، ويضيف باسيل:” المطلوب هو بيان واضح صادر عن السلطات الاميركية المختصة تؤكد رفع هذا النوع من العقوبات عن إيران والسماح للمؤسسات المالية والمصرفية العالمية بإستئناف تعاملها مع القطاع المصرفي الايراني”، كما شدد باسيل في هذا السياق على ضرورة صدور قرار مشابه عن مجلس الامن يلغي القرارات السابقة المنتعلقة بفرض عقوبات على القطاع المصرفي الإيراني والمؤسسات المالية الايراني. ويتابع باسيل: “بعد صدور كل هذه القرارات وإتخاذ هذه الاجراءات يمكن حينها إذ معاودة تعامل المصارف اللبنانية مع النظام المصرفي الايراني، كما يصبح بإمكاننا إستئناف إستقبال التحويلات والودائع الايرانية في مصارفنا، وإتمام التحويلات الخاصة بالعمليات التجارية على كافة انواعها عبر فتح الاعتمادات المطلبة لهذا الغرض. ويعتبر باسيل ان المركزي الايراني يمتلك كل الادوات والامكانات للإستئناف هذا النوع من العمليات مع كافة القطاعات المثرفية العالمية، كما يشدد على أهمية التقدم التكنولوجي الذي حققتها إيران خلال سنوات الحصار والذي يمكن أن يتم توظيفه في إعادة تدعيم قطاعها المصرفي. ويعتبر باسيل ان القطاع المصرفي اللبناني تمكن من تطوير و شبكة انتشار خارجي واسعة جدا قياساً بحجم نشاطه وباشكال قانونية متعددة كمكاتب تمثيل وفروع ومصارف شقيقة او تابعة وهناك 17 مصرفاً لبنانياً تمثل ما يقارب 86 في المئة من حجم القطاع في لبنان لديها وجود في 31 بلداً، وكل هذه المقومات يمكنها ان تُستثمر في المستقبل عند إعادة إحياء العلاقات المصرفية مع إيران.

في سياق آخر، يتوقع اعادة تفعيل كل الاتفاقات الموقعة بين لبنان وإيران في قطاعات النقل البري والبحري والجمارك والسياحة والاستثمارات بعد رفع كامل العقوبات عن الجمهورية الاسلامية ، لكن دخول السوق الايرانية ليس بالامر السهل ، فهو محكوم بموجبات وتحديات أساسية تبدأ بضرورة دراسة القوانين الايرانية، ومدى التنسيق والتعاون بين مصرف لبنان والبنك المركزي الايراني. كما يُنتظر من السلطات الايرانية إجراء اصلاحات كبرى للقوانين التنظيمية والضريبية والاجراءات لاجتذاب الاستثمارات تتناسب مع متطلبات القرن الحالي، وهنا يُنتظر العمل على تقوية حماية الملكية الفكرية التي تعتبر أساس الاختراع والتجدد والابتكار، ولعمل على خصخصة عدد من القطاعات وإعادة صياغة القوانين الناظمة للقطاع الخاص، وعلى رأسها المصارف.

واللافت ايضا، إمكان ان يؤدي دخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ الى فتح الباب أمام تسوية سياسية شاملة للمنطقة قد تساهم في حلحلة أزمة الفراغ في سدة الرئاسة ما ينعكس ايجابا على الحركة الاقتصادية الداخلية، ويعيد ثقة المستثمرين الاجانب بلبنان.