كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
لن يتوقف سَيل التفسيرات والتأويلات لترشيح الرئيس سعد الحريري لرئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لرئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، وهي تفسيرات وتأويلات البعض يلبسها لبوس «الإيجابية» و«النيات الحسنة» والبعض الآخر يلبسها لبوس «السلبية» و»النيات السيئة»، في وقت لم يصدر القرار الإقليمي والدولي بعد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني.أصحاب التفسيرات والسلبيات الايجابية من أهل السياسة يقولون انّ هذين الترشيحين، على تناقضهما، إنما حرّكا مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة، وقد يدفعان القوى السياسية الى الاتفاق على انتخاب الرئيس العتيد الذي طال انتظاره في ضوء ما أدى الشغور في كرسي الرئاسة حتى الآن الى تعطيل للمؤسسات الدستورية، خصوصاً لمؤسستي المجلس النيابي ومجلس الوزراء، على نحو بات يهدد بتعطيل بقية المؤسسات العامة وإغراق البلاد في مزيد من المشكلات الى جانب ما تعانيه من ركود اقتصادي ومعيشي وتراجع في النمو.
ويعتقد هؤلاء السياسيون انّ ترشيح عون وفرنجية حَصَر معركة انتخابات الرئاسة بينهما فقط وقطعَ الطريق أمام انتخاب رئيس توافقي إلّا في حال أريدَ ان يكون هذا التوافق على أحدهما. لكنّ الواضح انّ كل المعطيات تشير الى ان لا جلسة انتخابية ستنعقد لا في الجلسة المقررة في الثامن من الشهر المقبل ولا في جلسة أخرى اذا كانت ستشهد تنافساً بين الرجلين، وإن كان فرنجية يريد حصول هذا التنافس حيث انه يطرح ان تنعقد الجلسة، فإذا لم يَفز عون بالأكثرية المطلقة في دورة انتخابية اولى ينسحب لمصلحته في الدورة الثانية، في حين انّ عون يرفض جلسة من هذا النوع ويصرّ على ان ينسحب فرنجية له ملتزماً تعهداته السابقة، والتي كان آخرها تعهده للوزير جبران باسيل بأن يسحب ترشيحه في حال تبنّى جعجع ترشيح عون.
ويدرج السياسيون أنفسهم ترشيح الحريري لفرنجية وترشيح جعجع لعون، على تناقضهما، في إطار «حسن نيّة» يُبديه فريق 14 آذار إزاء فريق 8 آذار لأنّ هذين الترشيحين ينتميان الى الأخير ويعكسان «رغبة جدية» لدى 14 آذار بالاتفاق مع الفريق الآخر على إنهاء ازمة رئاسة الجمهورية، خصوصاً انّ الترشيحين يشكلان «عرضين مُغريين» لا يمكن فريق 8 آذار أن يرفضهما وانه لم يكن يتوقعهما لأنّ فريق 14 آذار كان يرشّح جعجع، وإنّ خطابه السياسي منذ بدء الشغور الرئاسي قام على رفض انتخاب عون أو أي مرشح آخر ينتمي الى 8 آذار أو يمتّ إليه بأيّ صلة.
ولكنّ أصحاب التفسيرات والتأويلات السلبية من اهل السياسة يشككون بنيّات كل من الحريري وجعجع، ويقولون انّ الاول رَشّح فرنجية «ليحرقه» وانّ الثاني رشّح عون «ليحرقه» أيضاً، فكلاهما أصلاً غير مقبولين لدى فريق 14 آذار، فماذا عدا ممّا بَدا حتى يصبحا مقبولين لديه؟!
وانّ ترشيحهما يندرج في إطار عملية «تبادل أدوار» ربما تكون الغاية منه إحداث «فتنة» داخل صفوف فريق 8 آذار، خصوصاً انّ كثيرين يشككون في جدية «التصدع والتفكك» البادي حالياً في صفوف 14 آذار، أولاً بسبب «الخلاف» على ترشيح الحريري لفرنجية أحد صقور 8 آذار، وثانياً بسبب ترشيح جعجع لعون الحليف القوي لها، بل أحد أقوى صقورها، وإن كان يتصرّف على أساس انه حليف لها وليس منتمياً الى صفوفها.
ويضيف هؤلاء أنّ الحريري، الى رغبته التي يعبّر عنها لإنهاء الازمة الرئاسية، أراد من ترشيح فرنجية أن يمهّد الطريق للعودة الى رئاسة الحكومة في حال فاز هذا الترشيح. ولكنّ الحقيقة التي عكسها ترشيح جعجع لعون هي انّ معراب قد انسحبت من السباق الرئاسي لأنها كانت تدرك منذ اللحظة الاولى لترشيحها الذي أرادت منه مواجهة ترشيح عون ان لا فرصة أمامها للفوز بالرئاسة لاعتبارات واسباب كثيرة تدركها، ويدركها الجميع مسبقاً.
ولذلك، فإنّ جعجع بَدا بترشيحه عون كمَن يحمل ورقة خاسرة (التي هي ترشيحه) ولكنه باعَه إيّاها بثمن غالٍ ربما سيظهر حجمه لاحقاً على مستوى مستقبل العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية».
ولذلك، يرى فريق من السياسيين انّ ترشيحَي عون وفرنجية زادا حتى الآن في تعقيد أزمة الاستحقاق الرئاسي بدلاً من أن يساهما في حلها او جعلها قابلة للحل، فكلاهما لم يحظ بإجماع مسيحي ووطني بعد.
فهذا الترشيح قُبِل هنا وذاك رُفِض هناك، وإمكانية حصول توافق على ايّ منهما ليست مُتاحة بعد، والنتيجة انّ الشغور الرئاسي مستمر، أولاً لغياب التوافق على رئيس، وثانياً لأنّ القرار الاقليمي والدولي بالإفراج عن الاستحقاق اللبناني لم يصدر بعد.
ولذلك، فإنّ المرحلة سيكون عنوانها ملء الوقت بملفات وقضايا تبدأ بموضوع تفعيل مجلس الوزراء وبالتعيينات العسكرية ولا تنتهي بمعالجة ملف النفايات وخلافه، في وقت انّ احداً لا يملك بعد أيّ مُعطى يشير الى موعد انتهاء فترة إقامة الفراغ في قصر بعبدا وتشريع أبوابه للرئيس العتيد.