كتب سركيس نعوم في “النهار”:
أخطأ مرشّح سعد الحريري لرئاسة الجمهورية النائب سليمان فرنجيه عندما اعتقد أن موقعه المميّز عند الرئيس بشار الأسد و”حزب الله” يسمح له بحرية حركة مع أخصامهما من دون الرجوع إليهما ومن دون وضعهما في الصورة الكاملة لما “ينسجه” مع الحريري وممثلي الدول الكبرى في العالم والمنطقة. فالإثنان يخوضان إلى جانب إيران حرباً شرسة مع المملكة العربية السعودية التي لها حلفاء وشركاء داخل لبنان وفي العالم، ويعرفان أن التساهل في الموضوع اللبناني ينعكس سلباً عليهما.
وأخطأ فرنجيه أيضاً عندما خاض مع الحريري في باريس في قضايا داخلية معقّدة تستلزم تشاوراً مع الحلفاء مثل دعم الثاني للعودة إلى رئاسة الحكومة “معه”. وإذا كان العماد ميشال عون لوّح للحريري برئاسة الحكومة في حال انتخابه رئيساً فلأنه كان أثار هذا الأمر مع حليفه “حزب الله”، ربما لأنه يعرف أن في مقابل موافقته لا بد أن يأخذ من الحريري أموراً تعزز وضعه وفريقه وشعبه. وأخطأ فرنجيه ثالثاً باستعجاله بت الموضوع الرئاسي مع الحريري جاهلاً أو متجاهلاً أن حليفه “حزب الله” ليس مستعجلاً، أو بالأحرى يريد أن يأخذ وقته في البحث مع الحريري وفريقه في قضايا داخلية تريح البلاد من دون أن تدفعها في اتجاهات لا يرى فيها مصلحة له. فأمينه العام السيد حسن نصرالله تحدَّث عن تسوية وطنية تنتج تفاهماً على شخص رئيس الحكومة وأسماء أعضائها وحقائبهم وعلى قانون انتخاب. ويوم تحدَّث قبل مدة طويلة عن “مؤتمر تأسيسي” كان يطرح فكرة للنقاش، ولم يكن يعبّر عن قرار استراتيجي له مدعوم من حليفه الإقليمي بـ”القضاء” على اتفاق الطائف، وبالعمل لوضع اتفاق آخر يأخذ في الاعتبار هواجسه وشعبه ودوره الأكبر في الدولة وحصته الأكبر من الشركاء اللبنانيين. بل كان يفكر على صوت عال في كل ما من شأنه تجنيب لبنان شرب كأس الحرب الأهلية مرة ثانية. وهو، استناداً إلى متابعين لحركته من قرب، مع اتفاق الطائف لكنه يعتبر أن تنفيذه كان سيئاً وأن ثمة مصلحة وطنية بتصحيح التنفيذ. كما أن هناك مصلحة بالعمل مع كل الأطراف اللبنانيين أو “الشعوب” لوضع آلية حكم متوازن دائمة تلافياً لاستمرار الوقوع في أزمات ومشكلات. فاتفاق عون – جعجع في رأيه أراح المسيحيين أو قد يكون أراحهم لكنه “ينقّز” المسلمين السنّة. فهل بذلك تستقيم أمور البلاد؟ طبعاً لا، الأمر الذي يجب أن يدفع إلى طمأنة الجميع كي يسيروا معاً على طريق بناء وضع موقّت وإن مستنداً إلى الطائف، يمكنهم من انتظار استقرار المنطقة حتى يتمكنوا من العبور إلى الدولة. هذه الأمور كلها تستلزم حوارات ومناقشات بين الحريري وفريقه وفرنجيه وفريقه تستغرق جلسات عميقة وطويلة، لكن ما حصل أنها لم تستغرق بين الإثنين أكثر من ساعتين الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين من المؤيدين لهما والمعارضين.
وأخطأ فرنجيه رابعاً باستمراره في ترشيحه لرئاسة الجمهورية رغم الملاحظات “السلبية” المعبّرة عن عدم الموافقة التي وجهها إليه مباشرة حليفه “حزب الله” والرئيس الأسد قبل لقائه الحريري وبعده، والتي سلكت طريقها إلى الإعلام ولم يصدر نفي لها، واستمراره في سياسة تحدّي منافسه الحليف اللدود ميشال عون في الإعلام.
طبعاً لم يصل “الحزب” وسوريا الأسد وفرنجيه إلى تباعد وقطيعة. فالأخير لا يحتمل ذلك، فضلاً عن أنه انطلق من ممارسة السياسة من معسكر حلفاء دمشق ولاحقاً “حزب الله” وإيران. ولا يبدو أنه في هذا الوارد. و”الحزب” و”الأسد” ليسا في الوارد نفسه أيضاً. لكن مصلحته تقتضي الابتعاد عن الانفعال والعناد لأن الصداقة شيء والحسابات السياسية شيء آخر مختلف تماماً. وفي الحسابات عليه أن يتفادى الخطأ. فهو يقول إن معه الدروز (جنبلاط) والرئيس نبيه بري من الشيعة والسنّة. وهو محق في ذلك، لكنه يجب أن لا يتجاهل أن بري لن يختلف مع “حزب الله” من أجله ولا من أجل قضايا أكثر أهمية، وكذلك جنبلاط. وموجبات تحالفاته وصداقاته تقضي بعدم إحراج من هم معه وبتفهُّم ظروفهم. أما السنّة فزعيمهم اليوم معه، لكن عدداً من نوابه لا يوافقونه الرأي سواء علناً أو ضمناً وكذلك البيئة الشعبية السنية، علماً أن ذلك لا يعني أن هذه البيئة مع عون.
وأخطأ فرنجيه أخيراً باعتماده بعضاً من غير المحترفين لإدارة معركته، وبإظهار نفسه سياسياً محترفاً همّه المنصب ومكاسبه بعدما كان أظهر في السابق حساً فطرياً سليماً أكثر من مرة.
ألم يخطئ الكتائب وعون وبكركي و”حزب الله”؟ وفي أي ملعب إقليمي طابة الرئاسة الآن؟ ومتى ينتهي الشغور الرئاسي؟