IMLebanon

قانون الانتخاب: خطوط تماس مستعصية بانتظار..”السلّة”

voting-election

 

كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:

نظريا، كان من المفترض ان تنهي اللجنة النيابية المكلفة درس قانون الانتخاب عملها يوم غد الخميس، بعدما استهلكت مهلة الشهرين التي مُنحت لها عند تشكيلها. لكن، وبما ان «موضة التمديد» رائجة في لبنان، فإن اللجنة تتجه نحو تمديد «ولايتها» لغاية الشهر المقبل …لاستكمال النقاش!

وعلم أن من «الأسباب الموجبة» للتمديد كذلك هو ان اثنين من أعضاء اللجنة ـ وهما آلان عون وروبير فاضل ـ سيكونان في عداد وفد نيابي يضم ياسين جابر وباسم الشاب ومحمد قباني، سيزور واشنطن قريبا، للبحث في التضييق المصرفي على لبنان، لاسيما على المنتمين الى «حزب الله».

وبمعزل عن دوافع التمديد المتوقع، فان الأكيد هو ان الوقت الاضافي الذي ستكسبه اللجنة لن يكون كافيا أمامها لتسجيل «الهدف الذهبي» في مرمى قانون الانتخاب، بعدما عجز لاعبوها عن تسجيله في الوقت الاصلي.

صحيح ان معظم أعضاء اللجنة الذين يمثلون «التنمية والتحرير» و«المستقبل» و«القوات» و«حزب الله» و«الكتائب» و«مستقلو 14 آذار» و«التيار الحر» و«المردة» و«الارمن» و«اللقاء الديموقراطي»، تعاطوا بجدية مع المهمة التي أوكلت لهم، لكن الصحيح ايضا ان كلا منهم يدرك في قرارة نفسه ان اللعبة الحقيقية تدور في مكان آخر، وان ملفا مصيريا بهذا الحجم هو أكبر من قدراتهم و «مواهبهم»، وان تركيبة قانون الانتخاب تتوقف في نهاية المطاف على القرار السياسي الموزع حصصا واسهما خارج غرفة اجتماعاتهم، وليس على التفاصيل التقنية التي غاصت فيها اللجنة خلال جلساتها.

في الاساس، اختصر بري التحدي الذي يواجه قانون الانتخاب ببعدين اثنين، الاول يرتبط بطبيعة النظام الانتخابي (أكثري او نسبي او مختلط) والثاني يتصل بتقسيم الدوائر وتوزيعها، اما كل ما سوى ذلك فهو يندرج في إطار «الاكسسوارات» والتتمات التي لا تشكل عقدة قائمة بحد ذاتها.

ولان الجميع يتعاطون مع قانون الانتخاب باعتباره «استحقاقا وجوديا»، و«مسألة حياة او موت» بالمعنى السياسي، فانهم يشعرون انه من الصعب تقديم أي تنازلات مجانية او طوعية تتصل به، خصوصا إذا كان من شأنها ان تهدد بتجفيف بعض «منابع» التأثير والنفوذ، في حين ان هامش المناورة والمرونة في الملف الرئاسي يبدو أوسع بكثير كما أثبتت التجربة.

والارجح ان ترشيح النائب سليمان فرنجية والعماد ميشال عون للرئاسة هو أسهل للرئيس سعد الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، على سبيل المثال، من القبول بمبدأ النسبية التامة في الانتخابات النيابية، وأغلب الظن ان النائب وليد جنبلاط يعتبر ان المحافظة على عاليه والشوف دائرة واحدة في أي تقسيم انتخابي، أهم بالنسبة اليه من رئاسة الجمهورية بل من الجمهورية بحد ذاتها.. وهكذا دواليك.

ويؤكد العارفون ان التوافق على قانون الانتخاب لن يكون منفصلا عن مسار التسوية الاشمل التي لم تنضج ظروفها وشروطها بعد، وبالتالي فان كل الاطراف ستظل، حتى إشعار آخر، متمسكة بخياراتها «الخام» في هذا المجال، ولن تنحو في اتجاه «تكريرها»، وبالتالي الانتقال الى منتصف الطريق، حتى تحين لحظة المقايضة والمساومة ضمن سلة كاملة، تشمل الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب، على قاعدة تبادل التنازلات، وفق مبدأ «خذ وهات.»

ومع ذلك، أمضى أعضاء اللجنة النيابية ساعات طويلة من «الترف الفكري» او «الرياضة الذهنية»، يناقشون مشاريع مقترحة لقانون الانتخاب، أبرزها «64 مقعدا حسب النظام الاكثري و64 وفق النظام النسبي» (لصاحبه الرئيس بري)، «النسبية الكاملة على اساس المحافظات الكبرى او لبنان دائرة واحدة» (وكيله المعتمد «حزب الله»)، و «68 مقعدا بالأكثري و60 بالنسبي» («المستقبل» و «القوات» و «الاشتراكي»)، فيما يفضل «التيار الحر» – بعد تعطيل مشروع الارثوذكسي – «النسبية الشاملة على أساس 15 دائرة او 13 دائرة» وهو ما يوافق عليه أيضا «المردة».

وقد تم نقاش تفصيلي في داخل اللجنة لمضامين المشاريع التي خضعت لنوع من «المسح التقني»، بحيث جرى تشريحها واستخلاص قواسمها المشتركة ونقاط التباين بينها، إنما من دون تسجيل أي خرق سياسي جوهري في اتجاه تقليص الهوة بين الخيارات الاستراتيجية للأفرقاء المعنيين.

وأتى تقارب «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» بعد تفاهم معراب الرئاسي ليعيد خلط الاوراق وتعقيد الحسابات، خصوصا لدى كل من «المستقبل» ومجموعة النواب المستقلين المسيحيين، باعتبار ان التحالف الانتخابي المحتمل بين «التيار» و «القوات»، ضمن لوائح مشتركة، سيؤدي الى اكتساحهما العديد من الدوائر، وإلغاء او تحجيم الآخرين الذين كانوا يستفيدون من صراع الجانبين لحجز مقاعد لهم على ضفاف هذا الصراع.

وهناك من يتوقع ان يشكل أي تحالف بين القطبين المسيحيين إزعاجا حتى للنائب جنبلاط في الجبل، في حين تبدو المنطقة الممتدة من بعبدا حتى البترون ساقطة انتخابيا في يد «التيار» و «القوات»، إذا قررا الائتلاف.

وأغلب الظن، ان هذا المعطى المستجد اقتحم حسابات بعض القوى السياسية التي ستميل الى المزيد من التشدد في معاييرها، لحماية مصالحها الانتخابية، خصوصا وان المعلومات تفيد بان عون وجعجع اتفقا مبدئيا على خوض الانتخابات النيابية المقبلة، على متن لوائح مشتركة في العديد من المناطق، علما ان النقاش مستمر بينهما حول مشروع قانون الانتخاب.

وفي المعلومات، ان «القوات» نجحت نسبيا في استمالة «التيار» نحو القبول بالبحث في المشروع المختلط الذي تتحمس له، والقائم على اساس 68 مقعدا أكثريا و60 نسبيا.

أما خيار النسبية الشاملة لكل المقاعد، والذي يحقق، وفق محبذيه، التمثيل الصحيح والاصلاح المطلوب، فلا مكان له حتى الآن، في «التشكيلة الاساسية» لاعتبارات عدة، أهمها ما يتعلق برفض قيادة «المستقبل» القاطع لهذا الخيار الذي تجد فيه تهديدا للتوازن السني – الشيعي الاجمالي في لبنان، لاعتقادها ان الثنائي «أمل – حزب الله» قادر، في ظل الواقع الراهن، على اختراق البيئة السياسية السنية عبر مرشحين حلفاء يستطيعون الفوز، بينما لا يملك «المستقبل» فرصة لتحقيق اختراق مماثل في البيئة الشيعية.

ومع انسداد آفاق المخارج، اقله في المدى القريب، هناك من يرجح ان يقترب موعد الانتخابات النيابية من دون إنجاز قانون جديد، وعندها تنحصر الاحتمالات في اثنين، فإما ان يجري التمديد للمجلس النيابي مرة إضافية (!!) وربما هذه هي النية المضمرة للكثيرين، وإما ان تتم الانتخابات على اساس القانون النافذ أي «الستين»، لاسيما وان «التيار» و «القوات» اللذين كانا يعترضان عليه، لن يجدا مشكلة في إعادته الى الخدمة، ما دام ائتلافهما الانتخابي يستطيع التعويض عن مكامن الخلل فيه.

لكن المتمسكين بـ «بقعة ضوء»، يعتقدون ان المخاض سينتهي في نهاية المطاف الى توافق حول مشروع بري، كونه يحقق، برأيهم، التسوية المتوازنة.

ويقول أحد أعضاء اللجنة النيابية لـ «السفير» ان النقاش بين مكوناتها وصل الى مرحلة دقيقة وحساسة ومعقدة، بحكم اقترابها من نهاية عملها، مشيرا الى ان التحدي الاصعب الذي يواجهها يتمحور حول كيفية تجسير المواقف المتباعدة مع بلوغها مفترق الطرق.

وأبلغ عضو آخر «السفير» ان القضية أبعد من المقاربات التقنية التي تناقشها اللجنة، مشددا على ان مفتاح قانون الانتخاب يكمن فقط في تفاهم لم يحن أوانه بعد بين «الاقطاب» حول الوجهة الاستراتيجية للقانون، اما ما تفعله اللجنة فلا يتجاوز حد تحضير الارضية الاجرائية لملاقاة التوافق السياسي عند حصوله.

ويضيف قائلا: الكل يغني على ليلاه، وفي أحيان كثيرة تُرفض اقتراحات لمجرد ان الخصم هو من يطرحها، وحتى عندما تتم مناقشتها ظاهريا، يكون هناك قرار ضمني ومضمر بمعارضتها بناء على أحكام مسبقة، لا علاقة لها بمدى الاقتناع او عدمه في وجهة النظر المعروضة.