لفتت مصادر ديبلوماسية غربية لصحيفة “النهار” الى أن الاهتمام الدولي بمنطقة الشرق الاوسط عموماً ولبنان خصوصاً، سيتراجع بعد فصل الربيع، وذلك عائد الى أن دولتين مؤثرتين على الساحة اللبنانية هما الولايات المتحدة وفرنسا، ستدخلان مرحلة انتخابات رئاسية تجعل اهتمام المسؤولين فيهما ينصبّ على الوضع الداخلي والانتخابات، أكثر من اهتمامهم بالوضع الخارجي. حتى ان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي تابع الملفات الدولية منذ انتخاب الرئيس فرنسوا هولاند، سيتسلم رئاسة المجلس الدستوري بعد التعديل الوزاري المرتقب في منتصف شباط المقبل.
وفي هذا السياق، سيكون على الدولتين الإقليميتين السعودية وإيران ملء هذا الفراغ، في انتظار تسلم رئيس أميركي جديد زمام الأمور في واشنطن بداية سنة ٢٠١٧ ورئيس فرنسي ممدد له أو منتخب، متابعة الملف اللبناني الذي تسهر عليه باريس، لمنع العواصف السياسية والعسكرية من تعكير استقراره الداخلي.
فبعدما تحولت مبادرتا فريق الرابع عشر من آذار، المتمثلتان بترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجيه، والدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون، من حل مفترض لسد الفراغ الرئاسي الى أزمة سياسية جديدة يتعرض لها لبنان، أعيد خلط الأوراق داخليا بدلا من توحيد المواقف حول مرشح من الثامن من آذار.
ويعزى هذا الوضع الى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة العهد الجديد، يقوضان تحرك “حزب الله” الذي يتصرف بحرية تامة في لبنان، ويشارك في الصراع العسكري في سوريا، الى جانب قوات الرئيس بشار الاسد، في ظل الخلل في عمل المؤسسات اللبنانية. وهذه من الأسباب التي تجعل ايران ترفض فصل الملفين السوري واللبناني، حتى أنها ترفض وصول حليفيها عون أو فرنجيه الى الرئاسة الأولى، لأن مرشحها هو الفراغ.
غير أن العلاقات المتوترة بين الأطراف المختلفين في المنطقة، ولا سيما منهم السعودية وايران، قد تهدد في مرحلة الفراغ الدولي، التعايش الداخلي الهش، فيما تتفاقم المشاكل الطائفية حول لبنان الذي لا يمكن عزله عن محيطه.
وتعتبر هذه المصادر أن الهدف الاول لأصدقاء لبنان خلال الاشهر المقبلة، هو تثبيت هذا الاستقرار الداخلي والتمسك بنهج وسطي ومعتدل، لأن المواجهة القائمة حاليا هي كالنار تحت الرماد، وقد تؤدي في حال استمرار الفراغ الرئاسي والمواجهة الى زعزعة هذا الاستقرار.
والرئيس هولاند الذي سيستقبل الرئيس الايراني حسن روحاني غداً في قصر الاليزيه، ويجري معه محادثات على انفراد لمدة ساعة، يعرف جواب روحاني في ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية، إذ أجاب عن سؤاله عندما اجتمع به على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ايلول الماضي بأن “الانتخابات الرئاسية اللبنانية شأن لبناني، ونحن لا نتدخل مع حزب الله لسد هذا الفراغ”. لكن معرفة هولاند بذلك، لن تمنعه من إعادة طرح السؤال، وسيدعوه الى وساطة لتسهيل هذه العملية، ويشدد أمامه على منع زعزعة الاستقرار الداخلي في انتظار سد هذا الفراغ، حتى لو طالت الازمة الرئاسية الى أجل غير محدد. كما أن الولايات المتحدة، تسعى الى منع تمدد العنف في سوريا الى البلدان المجاورة، وقدمت في هذا السياق تنازلات الى روسيا من أجل تحقيق ذلك.
وتعي باريس أن في إمكان اللاعبين اللبنانيين أن ينتخبوا رئيساً توافقيا تتقبله جميع القوى السياسية، اذا أرادوا أن تبقى هذه الانتخابات لبنانية، لكن فريقاً منهم في الواقع، ونتيجة الوضع الإقليمي الذي يعتبر أنه لا يسمح بتوافق داخلي، يفضل انتظار الخارج لانتخاب رئيس، لأن الفراغ هو مرشح الحزب وإيران، في انتظار ما ستؤول اليه الأوضاع في سوريا.