مؤخراً، أجريت مقابلات عدة مع نحو 30 رجل أعمال صيني من أصحاب الشركات في دبي، للاستفسار عن طبيعة استراتيجيات السوق التي يتبعونها. ومن المعروف أن رأس المال الصيني ينشط في دبي منذ عام 2005، ويظهر ذلك في كتاب (The New Silk Road) الذي يسلط الضوء على خبرة هذه الفئة من أصحاب الشركات، ونظرتهم الثاقبة لكيفية أداء استراتيجيات التنمية والتطوير التي يتبعونها في الأسواق الخارجية لمنطقة “طريق الحرير” عموماً، تحت مسمى: (Belt and Road).
فما الذي تغير خلال 10 سنوات ماضية؟ نعلم أن سياسة الحكومة الصينية ليست هي المحرك الرئيس للأعمال التجارية، ويؤكد أحد الرياديين الصينيين في دبي على ذلك بقوله: “إن الرئيس الصيني شي جين بينغ يسير على خطاي. ولفترة طويلة نجحت بكسب المال وجمع الأرباح قبل إعلان سياسة (Belt and Road). وفي حال كانت هذه الاستراتيجية ناجحة، فإنني سأكون أول من يتبعها”.
وباختصار، في الوقت الذي تنتشر فيه استراتيجية (Belt and Road)، فإن كيفية تجاوب مجتمع رجال الأعمال الصينيين، لاسيما الشركات المملوكة للقطاع الخاص، سيكون لها القدر نفسه من الأهمية.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن دبي ستكون المركز والوجهة الرئيسة للتوسع التجاري الصيني في منطقة “طريق الحرير”، إذ تحتضن الإمارة أحد أكبر المجتمعات الصينية مقارنة بأي مكان آخر في المنطقة، بواقع 120 ألف صيني. كما تستضيف مجموعة من الشركات الصينية المملوكة للقطاع الخاص، ومجموعات من الأعمال الكبرى المملوكة للدولة.
وبناء على ما سبق:
– القوى السوقية ذات أهمية أكبر من سياسة الحكومة:
يُنظر إلى (سوق التنين– Dragon Mart) في دبي، بوصفه رمزاً للانخراط التجاري الصيني مع الشرق الأوسط طوال العقد الماضي. وهو مركز لتسويق منتجات الشركات التجارية الصينية، ومدعوم من الحكومة الصينية منذ تأسيسه.
وليس هناك شك بأن (سوق التنين) قدم تسهيلات جيدة للتجار الصينيين، ويرجع الفضل في ذلك للحكومة الصينية التي وفرت الدعم الأولي لهذا المشروع. لكن القوى السوقية هي التي تفسر في النهاية الزيادة الكبيرة في المجتمع الصيني بدبي.
– الشركات المملوكة للدولة هي التي توفر سلاسل التوريد الخاصة بها:
الأمر مختلف قليلاً عند الحديث عن الشركات المملوكة للدولة، فكثير من الشركات الصناعية الصينية لا يمكنها التوسع في الأسواق الخارجية لأسباب عدة، منها الافتقار إلى الخبرة اللازمة، لذلك فإنها تميل للهجرة كجزء من سلسلة توريد شركة أكبر مملوكة للدولة مثل شركة (China State Construction Engineering).
وهذا يعد أمراً مهماً لأنه يشير إلى أن الصفقات عالية الكلفة بين الحكومات، يمكن أن تساعد في إطلاق علاقات تجارية بين الصين وأي من الدول الأعضاء بمجموعة “طريق الحرير”، في الوقت الذي تعمل فيه كبرى الشركات الصينية المملوكة من قبل الحكومة على تأمين قاعدة سلاسل توريد خاصة بها، تشمل مصنعي المعدات وشركات الخدمات اللوجستية والبنوك.
وهذا لا يعني أن هؤلاء الموردين ليس لديهم القدرة على دفع أسواقهم الخارجية للنمو، لكن كثيراً منهم راضون بالعمل إلى جانب شركات حكومية كبرى. وفي حال ستعمل استراتيجية (One Belt One Road) الصينية على تغيير تلك الفكرة السائدة، فإن هناك تطور كبير في المستقبل المنظور.
– لهذا السبب ينبغي لنا التفاؤل:
يمكن للخلافات بين قوى السوق والصفقات بين الحكومات، التسبب بوضع العراقيل أمام استراتيجية طريق الحرير الصينية. لكن في النهاية، يجب حتى على أكبر الشركات الحكومية الصينية تحقيق عائدات مربحة، وإلا لن تشارك شركات التوريد الصينية في مشاريع الشركات الحكومية، في حال لم تتمكن من تحقيق الأرباح وكسب الأموال.
ولبلوغ هذا الهدف، تعد دبي مثالاً واضحاً؛ حيث إن أسهل طريقة لتحليل الآثار المترتبة على الاستراتيجية الصينية، هي “اتباع مواطن المال” ببساطة. وهناك الكثير من الفرص المربحة على طول طريق الحرير، إذ يتوقع تركيز الجزء الأكبر من الأنشطة التجارية مع مرور الوقت.
وهذا لا يعني التغاضي عن الصفقات الاستراتيجية التي سيجري الإعلان عنها، لاسيما تلك التي ترى فيها الحكومة الصينية ميزة سياسية تفوق التكاليف الاستثمارية. لكن في النهاية سيبقى الدافع الأساسي لاستراتيجية (One Belt One Road) تجارياً بالدرجة الأولى.