سيتعين على البنوك الإيرانية أن تتأقلم مع قواعد دولية أشد صرامة وقد تحتاج إلى نقل ملكية القروض المتعثرة إلى بنك متخصص في تجميعها لكي تستأنف المسير من حيث توقفت عندما فرضت العقوبات المشددة قبل نحو أربع سنوات.
ولا غنى عن البنوك لإبرام الصفقات وتدفق السيولة في ظل سعي إيران للفوز بمشاريع من الشركات الأجنبية وجذب الاستثمارات لتطوير البنية التحتية بعد أن تم رفع العقوبات عن قطاعات البنوك والتأمين والشحن البحري والنفط.
ومن المتوقع أن يكون بمقدورها العمل مع البنوك الأجنبية لتسوية المعاملات في غضون أسابيع بعد تطبيق الاتفاق المبرم مع القوى العالمية في وقت سابق هذا الشهر لكبح برنامج إيران النووي.
لكن القيود التي تمنع البنوك الأمريكية من التعامل مع البلد ستظل قائمة وسيكون على البنوك الإيرانية أن تشق طريقها في عالم مالي شديد الاختلاف عما عرفته قبل فرض العزلة عليها في 2012.
وقال علي سانجينيان الرئيس التنفيذي لبنك أمين للاستثمار المملوك ملكية خاصة “عزل سوق النقد الإيرانية عن الأسواق العالمية أدى إلى عجز البنوك الإيرانية عن مجاراة التطورات الدولية.”
وقال سانجينيان الذي تعد شركته أكبر بنك استثمار في إيران يدير أصولا تتجاوز قيمتها المليار دولار “أدى هذا إلى افتقار البنوك في مجالات مثل جودة الاستثمار وكفاية رأس المال والرقابة الداخلية وسائر اللوائح الوقائية بالمقارنة مع المعايير الدولية.”
وعانت بنوك إيرانية كثيرة من جراء الديون الرديئة خلال حقبة العقوبات. وتفاقم الوضع بفعل انكشاف عدة بنوك على السوق العقارية المحلية التي تدهورت في 2012 بما أبقى على قروض تكتنفها المشاكل داخل النظام.
وأظهرت البيانات الرسمية أن نسبة القروض المتعثرة لإجمالي القروض بلغت 13.4 بالمئة في الشهر الفارسي المنتهي في 21 يونيو حزيران 2015. وتشير تقديرات السوق إلى نحو مثلي ذلك الرقم وبما يعادل 40 مليار دولار عند أعلى التقديرات للقروض المتعثرة.
وقال كونستانتينوس كيبريوس كبير المحللين بمجموعة المؤسسات المالية في وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية “أكبر المشاكل التي تواجهها البنوك الإيرانية هي المستوى المرتفع للقروض المتعثرة وتدني الاحتياطيات الرأسمالية.”
وقال كيبريوس إن القطاع المصرفي الإيراني ما زال يعاني من نقص التمويل حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال 6.8 بالمئة في 2014 مقارنة مع متوسط إقليمي بين 13 و14 بالمئة.
وأضاف أنه في ظل “المخاوف من عدم الإفصاح الكامل عن القروض التي تكتنفها المشاكل فإن القطاع بحاجة إلى رأسمال جديد وكبير.”
ومنذ الأزمة المالية لعام 2008 أصبح لزاما على معظم البنوك الامتثال إلى معايير رأس المال الدولية الجديدة المعروفة باسم بازل 3 التي تفرض عليها تعزيز ميزانياتها.
ويتوقع بعض المصرفيين الإيرانيين أن يفرض البنك المركزي الإيراني تلك المعايير عليهم في مرحلة ما. وأحجم مسؤول كبير بالبنك المركزي عن التعليق عندما سئل عن ذلك الأسبوع الماضي.
ومن المتوقع أيضا أن تقوم البنوك بعمليات خفض مؤلمة لقيمة الكثير من استثماراتها المباشرة المسجلة على ميزانياتها.
وقال برويز أغيلي الرئيس التنفيذي لبنك الشرق الأوسط المملوك ملكية خاصة ومقره طهران “القيمة السوقية الحالية لهذه الاستثمارات أقل كثيرا من المسجل على دفاتر البنوك.
“إذا خصمنا ‘القروض المشكوك في تحصيلها‘ و‘الاستثمارات المباشرة‘ للبنوك من رؤوس أموالها (وهو أمر إلزامي وفقا لقواعد بازل 3) فإن رؤوس أموال بنوك إيرانية كثيرة ستكون سلبية.”
لكن علي أميري من إيه.سي.إل وهي شركة لإدارة الاستثمار تركز على إيران ولها أنشطة في طهران قال إن الجهات التنظيمية قد تكون قادرة على مساعدة البنوك في هذا الصدد.
وأضاف “إنشاء بنك لتجميع الأصول الرديئة… هو شيء قيد الدراسة والبحث من جانب الهيئات التنظيمية في إيران ويبدو أنه خيار قائم.
“الوضع ليس مزريا.”
إرث الديون الرديئة
يتكون القطاع المصرفي الإيراني من ثمانية بنوك مملوكة للدولة و19 بنكا خاصا بلغت أصولها الإجمالية 582 مليار دولار في نهاية 2014 وفقا لبيانات البنك المركزي. وبالمقارنة تتجاوز أصول القطاع المصرفي لجنوب أفريقيا 400 مليار دولار ولتركيا نحو 800 مليار دولار.
ولم ترد على طلبات للتعليق لهذا المقال بنك البريد الإيراني وبنك سبه وبنك تنمية الصادرات وبنك الصناعة والتعدين وبنك ملي إيران وجميعها مملوكة للدولة.
وقال أغيلي من بنك الشرق الأوسط إنه سيكون على القطاع المصرفي الإيراني السعي لجذب تدفقات رأسمالية من أي مصدر في الوقت الحالي لكن الفوز باستثمارات من البنوك الأجنبية سيكون صعبا نظرا للقواعد العالمية الحالية التي ترفع تكلفة شراء حصص أقلية في البنوك الأخرى.
وقال “البنوك – سواء الصينية أو الغربية – لا تستطيع حقيقة القيام بعمليات استحواذ في أنحاء العالم لأن تكلفة إدارة وتشغيل هذه البنوك أصبحت باهظة للغاية.”
وجرى إلغاء عدة عقوبات دولية ترتبط بالبرنامج النووي الإيراني لكن معظم الإجراءات الأمريكية ما زالت قائمة. وتستطيع البنوك غير الأمريكية التعامل مع إيران دون خوف داخل الولايات المتحدة لكن البنوك الأمريكية لا تستطيع ذلك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
لكن البنوك الأوروبية ما زالت تتوخى الحذر.
وقال مدير كبير بمؤسسة مالية ضخمة في ألمانيا “لا نريد أن نكون الرواد. العمل مع إيران ما زال بالغ التعقيد بالنسبة لنا لأن الكثير من العقوبات الأمريكية ما زال قائما.”
وقال سانجينيان من بنك أمين للاستثمار إنه ما زال هناك “بعض عدم الثقة” بين البنوك لأسباب منها الغرامات السابقة التي فرضتها الجهات التنظيمية الأمريكية.”
وأضاف “نتوقع حتى أن ترفض بعض البنوك الدولية العملاقة…. التعاون مع المؤسسات المالية الإيرانية.
“لتخفيف تلك المشاكل يجب اتخاذ بعض الخطوات الأولية مثل وضع قواعد تنظيمية ترتكز على المعايير والشروط الدولية وباختصار يجب أن نتحرك صوب إطار العمل التنظيمي الدولي لبازل 3.”