كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”: كاد القدّيس جرجس يتخلّى عن سيفه ويترجَّل أمس الأربعاء عن حصانه تأثُّراً، ليُكفكِفَ دموع عائلة البويري المفجوعة، التي اجتمعَت في صالون الكنيسة استعداداً لوداع “قلب النهار”، إبنتهم سيبال. عند الثالثة بعد ظهر اليوم ستَرقص الأمّ ساريتا مع نَعش ابنتِها الرقصةَ الأخيرة، هي التي حملت بها 9 أشهر، وحلمت بأن تزفّها عروساً… ولكنّها بَكّرت في الرحيل.
قرابة السابعة والنصف صباح أمس ارتفعَت صرخة مدوّية في أرجاء مستشفى “سيّدة لبنان”، اهتزَّت لها قلوب الموظفين. “سيبال عطِتكن عُمرا”، خبَر كالصاعقة نزلَ على رؤوس محبّي ابنة طبرجا وأفراد عائلتها الذين أبكى نحيبُهم الحاضرين.
يُجمِع كلّ مَن عرَف سيبال مِن قريب ومن بَعيد أنّها شابّة تضجّ حياةً. وتَروي إحدى صديقاتها لـ”الجمهورية” بعدما شاركت سيبال المرحلة الثانوية على مقاعد الدراسة في مدرسة المركزية جونيه، بصوت متهدّج: “صديقتي ديناميكية، صاحبة وجهٍ بشوش، محِبّة، قريبة من الجميع، مجتهدة”.
9 مرّات توقّف قلبها…
منذ نحو 4 سنوات تَعمل سيبال مضيفةً في طيران الشرق الأوسط، ولكنْ بَعد رحلتها الأخيرة إلى أبيدجان أكبرِ مدن ساحل العاج، بدأت معاناتها الصحّية، وارتفعَت حرارتها، فقصَدت مستشفى “سيّدة لبنان”.
في هذا الإطار، يَروي مصدر طبّي لـ”الجمهورية” تفاصيلَ الأيام الأخيرة التي أمضَتها سيبال في المستشفى: “وصَلت الشابّة إلينا يوم السبت 23 الشهر الجاري، وحرارتُها تلامس الـ41 درجة، لم تكن قد حظيَت قبل وصولِها بأيّ رعاية طبّية، فمنذ دخولها ومن اليوم الأوّل أجمعَ الطاقمُ الطبّي على أنّ سيبال تحتاج إلى أعجوبة سماوية لتشفى، نظراً إلى دقّة وضعِها الصحّي، وفقَ ما أظهرَته الفحوص المكثّفة”.
ويضيف: “كانت سيبال تعاني من الملاريا، ما سبَّبَ لها إلتهابات مرتفعة في جسَدها Choc septique، وقد كانت المستشفى مدركةً لوضعها الصحّي فأولَتها عناية مضاعفة في العناية المرَكّزة. وقبل ليلة مماتِها خُصّص لها كلّ ما يَلزم لإنعاشها، وكان هناك متابعة لصحّة رئتيها لحظةً بلحظة، وقد توقّفَ قلبها 9 مرّات، وفي كلّ مرّة كانت تنجَح عملية إنعاش القلب، إلى أن لفَظت أنفاسَها الأخيرة عند السابعة والنصف صباح الأربعاء”.
أبعد مِن إصابتها بالملاريا…
تعدَّدت أسباب تدهوُر وضعِ سيبال الصحّي الذي أدّى إلى وفاتها، فينقل أحد المقرّبين أكثرَ مِن رواية تتداوَلها أسرتُها: “ربّما سيبال أهملت تناوُلَ الحبوب الوقائية اللازمة لأنّها تضَع كريمات مرطّبة لوجهها، ولاحقاً أخبرَت ذويها بأنّها لم تكن تحتاط للأمر”.
وأضاف: “في بداية الأمر لم تُعِر سيبال وضعَها الصحّي أهمّية قصوى، على اعتبار أنّ المسألة قد تكون زكاماً ليس أكثر، نظراً إلى الأوبئة المتفشّية نتيجة تراكم النفايات”.
إلّا أنّ السبَب الأبرز والمرجّح بحسب خال سيبال زخيا الناكوزي أن يكون “عقصة برغشة سامّة… حملت لها الملاريا”. فقال: “تبيَّن في التقرير الطبي انَّها أصيبت بالملاريا، وهنا لا بد من الثناء على المعالجة الطبية التي لمسناها في المستشفى، “ما تركو سيبال ولا لحظة”.
“الميدل إيست” تتريَّث
أجواء الحزن عينُها انسحبَت على أسرة سيبال الثانية، شركة طيران الشرق الأوسط، فأكّدت رئيسة العلاقات العامة في الشركة ريما مكاوي تحت وطأة الصدمة، “أنّها خسارة كبيرة للشركة كونها شابةً بارعة، متفانية في عملِها، لائقة، مهذّبة”.
وقالت بتأسُّف لـ”الجمهورية”: “نعجَز عن تصديق الموت المفاجئ الذي داهمَ سيبال، ونتريّث لمعرفة مضمون التقرير الطبّي لأنّنا حتى الآن نجهل سببَ وفاتها، ومن المتوقع أن نتبلّغ اليوم التقرير”.
وعمّا إذا كان فريق العمل الذي رافقَ سيبال قد تعرّضَ لإصابةٍ ما؟ نفَت ريما تسجيلَ أيّ مشكلة طبّية: “لم تُسَجّل أيّ حالة بين أفراد الطاقم الذي عاد من أبيدجان، وسيبال هي الوحيدة التي أصابَتها عوارض غريبة”. وأكّدت “أنّ تدابيرَ وقائية تفرَض على فريق العمل لمدّة 3 أيام، لذا أستبعِد إصابتَها بالملاريا من أبيدجان”.
وهل تتأكّدون من أخذِ أفراد الطاقم الحبوبَ اللازمة؟ تجيب: “لا شكّ في أنّنا نقوم بمسؤوليتنا عبر توجيههم وتأمين الاحتياطات اللازمة لهم ولكنْ، “ما مِنبَلّعُن الدوا”، ونحن على ثقة بأنّ الموظفين جميعَهم مسؤولون ويتحلّون بمستوى عالٍ من الوعي”.
إدارة المستشفى توضِح
وسط أصابع الاتّهام التي وُجّهت إلى المستشفى، والحديث عن إمكانية تقصير، أوضحَت الإدارة الطبّية في مستشفى “سيّدة لبنان” في بيان أسبابَ وفاة سيبال “التي دخلت بتاريخ 23/1/2016، وتبيّنَ أنّها مصابة بالتهابات واشتراكات نتيجة إصابتِها بالملاريا، وهذه الالتهابات تَسبّبَت بقصور حادّ في الوظائف الحياتية مِن كِلى وجهاز تنفّسي وضغط الدم والكبد والدم (choc septique avec defaillance multi-organe)، ما أدّى إلى وفاتها.
وبادرنا فوراً إلى إبلاغ وزارة الصحّة بوجود هذه الحالة، حيث تحرّكت أجهزة الوزارة على الفور ممثَّلةً بشخص الدكتور ميشال المر، والجدير ذكرُه أنّها قد سافرَت إلى بلاد موبوءة من دون أخذِ أيّ علاج وقائي”.
الملاريا: العوارض والوقاية
في بحثٍ سريع على موقع منظّمة الصحّة العالمية، يتبيّن أنّ الملاريا “مرض يُسبّبه طفيليّ يُدعى المتصوّرة. ويَنتقل ذلك الطفيلي إلى جسم الإنسان عن طريق لدغات البعوض الحامل له، ثمّ يتكاثر في الكبد ويغزو الكرَيات الحمراء”.
أمّا العوارض التي تَبدو على المصاب فأبرزُها ثلاثة: الحمّى والصداع والتقيُّؤ. وتَظهر هذه العوارض عادةً بعد مضيّ 10 أيام إلى 15 يوماً على التعرّض للدغِ البعوض.
أمّا عن سُبل الوقاية، فتحَذّر المنظمة:
“إذا لم تُعالَج الملاريا، يمكن أن تَتهدّد حياةَ المصاب بها بسرعة من خلال عرقلةِ عملية تزويد الأعضاء الحيوية بالدم”. لذا تنصَح بالتعجيل بتوفير المعالجات التوليفية التي تحتوي مادة الأرتيميسينين، وحضّ الفئات المهدّدة على استخدام الناموسيات، والمبيدات الحشَرية، والرشّ داخل المباني لمكافحة الحشرات النواقل.
مصدر طبّي لـ”الجمهورية”: وضعُ سيبال الطبّي كان يحتاج أعجوبة سماوية، وهكذا وصَلت إلينا…