Site icon IMLebanon

الإصلاحات السعودية والتراجع الاقتصادي


في مطلع هذا الأسبوع شهدت العاصمة السعودية الرياض انعقاد منتدى التنافسية العالمي وسط حضور مئات المسؤولين ورجال الأعمال السعوديين الذين ناقشوا على مدى ثلاثة أيام سبل إنقاذ اقتصاد المملكة من تأثير تراجع أسعار الخام عبر تطوير قطاعات جديدة ومنح الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في التنمية.

لكن بعيدا عن الفندق الفاخر الذي عقد فيه المؤتمر توحي مؤشرات على تعكر صفو مناخ الأعمال وتراجع إنفاق المستهلكين بأن ثمار الإصلاحات ربما لا تأتي في الوقت المناسب للحيلولة دون تراجع اقتصادي يلوح في الأفق.

وفي ظل الضغوط التي يحدثها هبوط النفط على العملة المحلية وعلى الميزانية التي سجلت عجزا قياسيا قارب 100 مليار دولار، تعتزم المملكة الإعلان عن أكبر تحول في السياسة الاقتصادية في أكثر من عشر سنوات يساعدها في رسم ملامحه جيش صغير من شركات الاستشارات الغربية يقدر عددها بالمئات.

وتنطوي ملامح الإصلاحات المزمعة على بيع حصص في شركات حكومية كبرى مثل عملاق النفط أرامكو السعودية علاوة على فتح الاستثمارات لتطوير الأصول غير المستغلة بالشكل الأمثل بعد مثل الحيازات الكبيرة من الأراضي والثروات في قطاع التعدين.

كما سيجري تحويل أجزاء من منظومة الرعاية الصحية الحكومية إلى شركات تجارية بهدف تحسين كفاءتها وتخفيف العبء على ميزانية الدولة وهناك خطط لزيادة نسبة المدارس الخاصة في الدولة من 14 بالمئة إلى نحو 25 بالمئة.

وقد تستخدم الحكومة مواردها المالية الهائلة للمساعدة على تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط عبر منح عقود لشركات جديدة للاستثمار في قطاعات مثل بناء السفن وتكنولوجيا المعلومات والسياحة.

وعلى مدى السنوات الماضية تحدث مسؤولون عن بعض من هذه الإصلاحات بيد أنها تعثرت بفعل الجمود البيروقراطي وبعض التحديات الفنية.

لكن يبدو الآن أن العزيمة السياسية على تنفيذ هذه الإصلاحات أقوى من أي وقت مضى إذ تحظى الإصلاحات بدعم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الابن الشاب للعاهل السعودي.

وخلال المؤتمر قال عبداللطيف العثمان محافظ الهيئة العامة للاستثمار السعودية “هناك نقلة نوعية في كافة الجوانب.”

وتردد صدى نبرة التفاؤل هذه خلال المؤتمر بين الكثير من كبار المسؤولين السعوديين.

لكن مشكلة المملكة تكمن في أن تطبيق مثل هذه الإصلاحات الصعبة والمركبة وجني ثمارها قد يستغرق سنوات. وفي الوقت الراهن ستواصل المملكة الاعتماد على النفط ما يترك الاقتصاد عرضة للتقلبات الحادة في أسعار الخام.

يقول مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال “الوعي بخطورة الاعتماد على النفط أمر جيد ويدعو للتفاؤل…حتى لو جاء في وقت متأخر فإنه افضل من ألا يأتي على الإطلاق.”

وللحد من وطأة هبوط أسعار الخام على الاحتياطيات الأجنبية تبنت الحكومة خطوات شملت رفع الدعم عن أسعار الطاقة المحلية وضبط الإنفاق ما قد يؤدي لتباطؤ النمو الاقتصادي عن 3.3 بالمئة سجلت بنهاية 2015.

وسجل القطاع غير النفطي في ديسمبر كانون الأول أبطأ وتيرة نمو منذ عام 2009 على الأقل كما أن هناك إشارات على تراجع الودائع وعمليات الإقراض لدى البنوك وعلى تقلص إنفاق المستهلكين على السلع غير الضرورية.

ويقدر اقتصاديون أنه تم إعداد موازنة المملكة لعام 2016 على أساس سعر للنفط عند 40 دولارا للبرميل. وفي حال بقاء النفط عند المستويات الحالية التي تحوم حول 30 دولارا للبرميل فقد يمهد ذلك الطريق لمزيد من التقشف.

يقول الاقتصادي البارز فضل البوعينين والذي حضر منتدى التنافسية إن جانب التفاؤل المبرر يرتبط بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تهدف الى تنويع مصادر الإقتصاد وبالتالي تنويع مصادر الدخل اضافة الى وجود فرص يمكن للحكومة أن تستغلها لرفع حجم الناتج المحلي خاصة في القطاعات غير المفعلة.

وأضاف “لكن الوضع الاقتصادي العام لا يدعم التفاؤل الكبير الذي ظهر به الوزراء في منتدى التنافسية كما أنه لا يدعم ايضا المؤشرات التي تحدث عنها بعض الوزراء خاصة ما ارتبط منها بالنمو وعدد الوظائف المتوقع خلقها.”

وتابع “هناك قلق حقيقي لدى القطاع الخاص من إمكانية خفض الإنفاق وانحسار السيولة بما يتسبب في رفع تكلفة التمويل. وهناك قلق من تقليص الوظائف في القطاع الخاص لأسباب مرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية.”

نافذة

برزت خلال المؤتمر ثلاث تحديات رئيسية أولها كيفية تمويل المشروعات التي جرى الإعلان عنها مثل مجمع لبناء وإصلاح السفن أعلنت عنه أرامكو وقالت إنه سيوفر نحو 500 ألف وظيفة.

وتشهد أسعار الفائدة في السوق ارتفاعا حادا وسط تخوف البنوك التجارية من أزمة سيولة بسبب تراجع عائدات النفط وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى تحمل الحكومة معظم تكلفة تمويل هذه المشروعات.

والتحدي الثاني يكمن في توفير القوة العاملة السعودية الماهرة التي تحتاجها مثل هذه المشروعات في بلد يعمل أكثر من ثلثي موظفيه بالقطاع العام الذي يمنحهم رواتب مرتفعة وظروف عمل مريحة نسبيا مقارنة بالقطاع الخاص.

وقالت أرامكو إنها ستوفر برامجها الخاصة للتدريب وتأهيل المهارات المحلية.

وقد تؤدي الثقافة الاجتماعية المحافظة إلى الإبطاء من وتيرة الإصلاحات في المملكة. ففي إحدى الجلسات النسائية بالمنتدى جرى مناقشة سبل دعم دور المرأة السعودية في قطاع الأعمال وهو ما قد يعيقه أن النساء لا يسمح لهن بالقيادة في المملكة.

ويقدر أن هناك نحو مليون سائق سعودي في المملكة توظفهم الأسر لنقل النساء. وقد يؤدي السماح للنساء بقيادة السيارات إلى تلاشي الحاجة للسائقين وتخفيف الأعباء على الأسر علاوة على توفير مئات الملايين من الدولارات التي تخرج من البلاد عبر تحويلات العمالة الوافدة. وحتى الآن لم يصدر تصريح من السلطات السعودية بأن الموضوع قيد الدراسة.

ويشير حجم الاحتياطيات الأجنبية والذي بلغ 628 مليار ريال في نوفمبر تشرين الأول إلى أن المملكة لديها نافذة تجعل اقتصادها أقل عرضة لتقلبات أسعار النفط على مدى عدة سنوات قبل أن تنخفض الاحتياطيات لمستوى يسبب ذعرا للأسواق المالية مما يجعل الإنفاق الاضافي على الإصلاحات أكثر صعوبة.

وفي الوقت الراهن قد يواجه الاقتصاد السعودي بعض المتاعب. وقال مسؤول كبير بأحد الشركات السعودية الكبرى لرويترز إنه لن يتفاجأ إذا تم خلال العام المقبل تسريح نحو مليون عامل من نحو عشرة ملايين عامل أجنبي في المملكة في ظل تباطؤ النشاط بقطاع الإنشاءات نتيجة خفض الإنفاق وتقليص عدد المشروعات الحكومية.

وأضاف أن الشركات بالقطاع الخاص لن تلجأ لتسريح العاملين السعوديين في المراحل الأولى لكن ذلك قد يحدث إذا ساءت الأوضاع.

وقال مصرفي أجنبي عمل في السعودية لمدة تزيد على عشر سنوات إن توجه أسعار النفط هو ما سيحدد في النهاية ما إذا كانت المملكة ستواجه تراجعا اقتصاديا كالذي شهدته في ثمانينيات القرن الماضي عندما انكمش الاقتصاد لعدة سنوات.

وأضاف أنه في حال ارتدت أسعار النفط فوق 60 دولارا للبرميل فإن الضغوط على الاقتصاد ستنحسر أما في حال بقاء الأسعار قرب 30 دولارا لنحو سبع أو ثمان سوات فإن المملكة “ستواجه أوقاتا صعبة للغاية.”

من جانبه قال البوعينين “بشكل عام لن تخلو برامج الإصلاحات الاقتصادية من بعض الألم وهو ألم مبرر يمكن تحمله للوصول الى الأهداف المرسومة…(شريطة) النظر بواقعية للمتغيرات الاقتصادية وعدم إغفال التحديات.”