كتب جوزف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:
«وحدَّثْتني يا سعدُ عنهمْ فزِدتَني غراماً، فزدني من حديثكَ يا سعدُ»المبادرات الرئاسية ليست ثقافة جديدة لم نأْلف قواميسها، إنها امتداد طبيعي للممارسات السياسية والمناورات البهلوانية عندنا، حتى في الشأن الوطني المرتبط بالمصير.
المبادرة الحريرية: لأن الغَزْل الملوّن كان غَزْلها، فلم يستطع النائب سليمان فرنجية أن يلبس بها الحرير… الإخراج الصادم كان كفيلاً بإسقاط دور البطل قبل عرض الفيلم الرئاسي.
ومبادرة فيلم معراب: بقدر ما أتْقنَتِ العملية التجميلية لدور البطل، إلا أن الإخراج لم يكن ناجحاً فيها بتنسيق الألوان الفاقعة.
المبادرة الأولى، هي التي استدرجت المبادرة الثانية، ولو لم تكن الأولى لما كانت الثانية، مع احترامنا لمن يُسوِّقون المبادرات على أنها صادرة من أعماق القلب ومن صفاء النيّة وطهر الطويّة، مع أنها سُلَّتْ كالسيف يجرح من على الجهتين، ويتسلّط فوق بعض الرؤوس كأنما حان قطافها.
لأنّ المواكب السيّارة التي حملت المرشحين الأقوياء عبر ممرات إلزامية نحو قصر بعبدا قد انطلقت بعكس السير، فقد تصادمت مع الإستحقاق الرئاسي وارتدَّتْ منزلقةً نحو ثلاجة المجلس النيابي.
ولأن الفرسان الأقوياء لا يبدو أن خيولهم معقودٌ على نواصيها الخير، فقد بات الرهان أجدى على من قيل: إنهم ضعفاء لأنهم أصبحوا أقوياء بضعفهم.
والحقيقة، أن كل مَنْ وما عندنا، بات يسير بالعكس، بعكس السير وبعكس سنّة التطور وطبيعة التاريخ… نعم، نحن نمشي نحو التخلّف ونحو الخَلْف، وحين تخلينا عن ذاتنا الوطنية والسياسية والشرعية، رحنا نطلب اللجوء السياسي الى السعودية وأميركا وإيران لملْء الشغور الرئاسي، ولتأمين انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، وأصبح أقصى طموحنا الوطني أن تتمكن سلطتنا الشرعية من ترحيل سموم النفايات القاتلة.
وحين تخلَّينا عن تراثنا الحضاري، وطمرنا كل آثارنا الفكرية والأدبية والثقافية في مزابل التاريخ، أصبحت «ثقافة الحذاء» تتصدّر العمل السياسي عندنا، وأصبح الفن المرتبط بتقصير التنانير يطغى على نجومية فيروز.
وحدَه المجلس النيابي اليوم يصحّ أن يمشي نحو الخلْف الورائي، لعلّه يتذكر أنه المجلس الذي ارتكب من القبائح الدستورية ما لم يُرتكب على يد أي مجلس نيابي سابق، وأنه المجلس الذي يُختصر بخمسة من الجبابرة المتجبّرين، وكلٌ منهم أشبه «بالصدر الأعظم» والحاكم العرفي.
وهو المجلس الذي لا علاقة له بدور النائب الذي عبّر عنه المعلم كمال جنبلاط في كتاب «أحاديث الحرية» بالقول «النائب قبل أن يكون محامياً عن
مصالح معينة أكانت قومية أو سياسية أو إقليمية، وقبل أن يكون ممثلاً لمبدأ ولحزب، فهو باني ديمقراطية ومؤسس دولة…»
ألا بورك لهذه الدولة بغابها وذئابها ونوابها.