تسابق إثيوبيا الزمن لإنجاز بناء سد النهضة الكبير بتعنت ودون اعتراف بحقوق مصر المائية حسب اتفاقيات نهر النيل. ورغم عدم تقدير أي جهة محلية أو دولية، بدقة حجم الخسائر التي ستلحق بالقطاعات المختلفة في مصر جراء تشييد السد، إلا أن جميع الجهات والخبراء أجمعوا أن الخسائر ستكون فادحة ولا سيما على المياه والغذاء والكهرباء والزراعة.
وفي هذا الإطار، أكد خبراء مياه وزراعة وطاقة، أن النتائج المترتبة على نقص حصة مصر من المياه سوف تكون كارثية على كل مناحي الحياة في مصر، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتحتاج إلى إيجاد سبل لمواجهة هذه التداعيات.
وتعد الزراعة أكثر القطاعات المتضررة من بناء السد، حيث تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في مصر 8.3 ملايين فدان، تعتمد على مياه النيل بنسبة 98%، وكانت تعاني قبل تشغيل سد النهضة عجزاً مائياً قدره 23 مليار متر مكعب في العام، حسب تقارير رسمية.
ودخلت مصر بالفعل منطقة الفقر المائي وانخفض نصيب الفرد من المياه إلى 600 متر مكعب سنوياً، وهو نصف المعدل العالمي، وفقاً لبيانات دولية.
وباتت مشكلة المياه هي أخطر التحديات التي تواجه الحكومة المصرية، باعتراف وزير الموارد المائية والري الحالي حسام مغازي، في تصريحات سابقة.
وبحسب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، علاء النهري، فقد صرح مؤخراً بأن النتائج الأولية للدراسة التي أعدت لحظة بلحظة باستخدام صور الأقمار الصناعية وبحسابات دقيقة للغاية تؤكد أنه لو تم تخزين مياه سد النهضة خلال العامين الأولين ستفقد مصر 20 مليار متر مكعب من المياه، وسيتم تبوير مليوني فدان.
كما أن المواطن المصري سيشعر بانخفاض نصيبه في المياه من 600 متر مكعب سنوي ليصبح 333 متراً بعد اكتمال بناء السد نهاية عام 2016، حسب النهري، الذي عمل باحثاً رئيسياً ضمن فريق الهيئة القومية للاستشعار من البعد لدراسة “الآثار السلبية لسد النهضة على مصر” على مدى عامين وأوشكت على الانتهاء.
وكان فريق من 17 خبيراً في السدود والزراعة والاقتصاد مكلفين بدراسة آثار سد إثيوبيا على مصر، اجتمعوا بمختبر الأمن الغذائي والمياه الدولية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في نوفمبر 2014، للمساعدة في إنجاز اتفاق يجنب الدول الثلاث حرب قادمة على المياه، وأكدوا سرعة التراكم المستمر للأملاح في الأراضي الزراعية في دلتا النيل؛ مع اتجاه السودان لزيادة سحب مياه الري من النيل، ما يخفض المياه المتاحة لمصر، وأن هناك حاجة لدراسات على وجه السرعة لتحديد حجم هذه المشاكل المحتملة.
وبرأي وزير الري المصري الأسبق، نصر الدين علام، سيتم تبوير 25% من مساحة مصر الزراعية، في حال استكمال امتلاء السد بسعة 74 مليار متر مكعب، وسوف تفقد مصر كذلك ثمانية مليارات متر مكعبة من مياه الصرف الزراعي كان يعاد استخدامها في الزراعة.
ومع نقص مياه الري يزيد ضغط مياه البحر المتوسط على خزان الماء الجوفي في شمال الدلتا، ما يضاعف من تدهور الأراضي الزراعية في محافظات دمياط والبحيرة وكفر الشيخ والدقهلية ما سيُبور مليون فدان أخرى كانت تزرع بالأرز صيفاً بمياه الصرف الزراعي، في هذه المناطق.
أما عضو اللجنة الثلاثية المصرية الرسمية في مفاوضات سد النهضة، علاء الظواهري، فيؤكد أن مخزون بحيرة ناصر من المياه سينتهي تماماً خلال عامين فقط إذا أقدمت إثيوبيا على ملء خزان سد النهضة خلال 5 سنوات فقط. وفي حالة زيادة سنوات الملء إلى 8 سنوات.
وتستورد مصر التي يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة، 60% من احتياجاتها من القمح، و50% من الذرة 92% من زيوت الطعام، و70% من فول الطعام، و98% من العدس، ووصل إجمالي الفجوة الغذائية إلى 70% بمبلغ 7 مليارات دولار، وفقاً لإحصائيات الرسمية.
وطبقاً لمعدلات النمو السكاني فمن المتوقع أن يصل تعداد السكان في مصر إلى نحو 105 ملايين نسمة في 2030، ما يعني أن زيادة الفجوة الغذائية، حسب أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة، نادر نور الدين.
وقفز معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين إلى 11,9%، مدفوعاً بارتفاع أسعار الأغذية، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفشلت الحكومة على مدار شهرين متتاليين في الوفاء بوعود السيسي وتخفيض أسعار الغذاء رغم تراجع الأسعار العالمية لمعظم السلع الغذائية.
وفي مجال آخر، تعاني مصر عجزاً كهربائياً مقداره 5 آلاف غيغاوات بنسبة 25%، من إجمالي الإنتاج البالغ 25 ألف غيغاوات، ما يضطر شركات الكهرباء إلى اللجوء لسياسة تخفيف الأحمال بقطع التيار بالتناوب، ما يكبد المصانع والمحال التجارية خسائر طائلة.
وأشار تقرير لجنة خبراء دوليين حول سد النهضة والذي نشر في 31 مايو/أيار 2013 أن السد الأثيوبي سيؤدي إلى نقص الكهرباء المولدة من السد العالي إلى حد توقف محطته تماماً لسنوات عديدة.
وفي بيانات لوزارة الكهرباء والطاقة المصرية، صدرت مؤخراً، تعليقًا على تأثير بناء سد النهضة على السد العالي، تؤكد أن أي تغيير في كمية المياة المتجه للسد العالي تؤثر على كمية الكهرباء المولدة من الطاقة المائية.
وقدم أستاذ بجامعة جورج تاون الأميركية وخبير الاقتصاد والطاقة الدولي، بول سوليفان، في شهادة مهمة عن أزمة سد النهضة أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، توقعات بأن المياه قد تقود إلى نزاع بين مصر وإثيوبيا، وإن لم يكن نزاعاً مباشراً سيكون نزاعاً غير مباشر.
وتوقع أيضاً أن يؤدي الوضع الصعب في مصر والسودان، إلى شرائهما للمياه من الدول التي بها وفرة مائية كبيرة مثل جنوب السودان ما يخلق عبئاً مالياً ضخماً على هذه الدول.
ويقول الرئيس الحالي للمعهد الدولي لإدارة المياه، دون بلاكمور، وهو عضو فريق مختبر الأمن الغذائي والمياه الدولية “على المجتمع الدولي تقديم المشورة العلمية المحايدة والخبرة القانونية والخبرة الفنية بشأن المياه العابرة للحدود لمساعدة مصر واثيوبيا في صياغة الاتفاقيات والمشاركة في التحكيم في المنازعات”. ويضيف “ونظراً لاحتمال نشوب صراع بين هذه الدول على المياه، فيتعين على المجتمع الدولي أن يركز على النيل كمسألة ملحة”.
وكان رئيس المجلس العربي للمياه، محمود أبو زيد، قال في ندوة متخصصة الأسبوع قبل الماضي، إن أزمة سد النهضة تدق ناقوس الخطر على الأمن القومي المصري، مؤكداً عدم رضاه عن سير مفاوضات السد خلال الفترة الماضية.