Site icon IMLebanon

جعجع يُحرج “حزب الله”.. دعماً للجنرال أم استفزازاً للآخرين؟

 

 

كتب كلير شكر في صحيفة “السفير”:

كشف الكل تقريباً عن أوراقه الرئاسية، بعد الزوبعة التي أثارها سعد الحريري مرشّحاً سليمان فرنجية لكرسي الموارنة، فردّ عليه سمير جعجع بإعصار ترشيحه لميشال عون مقفلاً صفحة مؤلمة من تاريخ أبناء الكنيسة، ومدشناً مرحلة جديدة تكاد تكون مفصلية في علاقة هذه المكونات.

صار الفرز على أساس مَن مع الجنرال ومَن مع البيك. حتى وليد جنبلاط اضطر لابتكار صيغة «عجائبية» تجيب عن تساؤلات منتظريه على الكوع. عرض «قوس قزحه» فأيقظ هنري حلو من سباته، وبارك المصالحة المسيحية بين خصمي التاريخ والجغرافية، وترك فسحة للقطب الزغرتاوي. باختصار، «جبرها» مع مرشحَي الصف الأول من دون أن يتبنى أحدهما.

وحده «حزب الله» يعتصم بالصمت على قاعدة أنّ موقفه معروف وعلى راس السطح: ميشال عون مرشحه أولاً وأخيراً، ولا داعي للتطبيل والتزمير عند كل تحريك لأحد حجارات شطرنج الاستحقاق.

ومع ذلك الأنظار مشدودة الى الضاحية الجنوبية لما سيقوله اليوم سيدها ويودعه سلّة المواقف الرئاسية. يعرف العونيون بماذا سيدلي الرجل ولكنهم ينتظرون سماع تأكيداته من جديد، وكأنّهم يدعون الآخرين الى «تنظيف» آذانهم ليبنوا على الشيء مقتضاه، أو كأنّ هاجس الرئاسة يملأهم شكوكاً لما ستحمله الأيام المقبلة، لا سيما أنّ كل المعطيات التي توضع بين أيدي جنرالهم تزيدهم ثقة بأنّ «اليوم الكبير» صار على مسافة ساعات فقط، وفي أحسن الحالات ينقصه بعض اللمسات الأخيرة. ولذا يثير التأخير المتعمّد حيرتهم.

لهذا بدت مطالبة سمير جعجع قيادة «حزب الله» بـ «استدعاء» الحلفاء ليكونوا صفاً أمام البرلمان استعداداً لوضع اسم ميشال نعيم عون في «السلّة الذهبية»، مفهوماً ومبرراً بالنسبة للمتحمسين للتفاهم المسيحي – المسيحي. لا بل هو في محله لأنّه يحاكي الواقع بأنّ الضاحية الجنوبية هي التي تقود فعلياً قوى «8 آذار». ولو أراد الحزب أن يفعلها ليتوّج خيار القوّتَين المسيحيتين الأكثر تمثيلاً، فسيفعلها من دون تردّد، كما يقول هؤلاء.

ولكن بنظر مسيحيين متحمسين لرئيس «المردة» الصورة مختلفة كلياً، وكذلك المعايير، ولذا يجوز تعميم تلك المشهدية أو إسقاطها على الواقع القائم. هنا سليمان فرنجية هو المعني. عملياً، الملعقة بلغت حلق الرجل، ومن يسحبها منه ليس الخصوم، بل الحليف. ولذا المونة عليه صعبة.

بالنسبة لهؤلاء، في جعبة «البيك» ما يكفيه من مواصفات حاكها الأقطاب الأربعة في وثيقتهم الشهيرة، كي ينتقل من رتبة قطب الى مرتبة مرشح جدي.

يستند هؤلاء الى المادة الثانية من الوثيقة التي تقول بـ «ضرورة اتفاق الأقطاب المسيحيين الأربعة على أن لا يكون هناك فيتو من أحدهم على ترشيح أي منهم». وما لم يكتب في هذا البند بالذات، كما يؤكد مشاركون في صياغتها، أنّ الاتفاق يقضي بأنّ لا فيتو على أي من الأربعة لكنه لا يلزم أياً منهم بالتصويت ايجاباً لمصلحة أي منهم، على أن يستدعي بالضرورة أن يؤمنوا الدعم لمن يفوز منهم بالرئاسة، على أن يكون الأخير استيعابياً وحاضناً لهم.

بهذا المعنى كان ردّ القطب الزغرتاوي حين طرح معادلة السبعين صوتاً مقابل الأربعين صوتاً. هو لا يعني أبداً حقيقة هذين الرقمين بقدر رغبته بالتذكير بأنّه يتطابق مع المواصفات التي وضعت تحت سقف بكركي. أي أنه أولاً من نادي الأربعة، ويحظى بقبول من القوى غير المسيحية، وبمقدوره أن يكون رئيساً للجمهورية، إذا ما نزل الجميع الى الجلسة وتأمّن النصاب القانوني.

هكذا، يعتقد هؤلاء أنّ فرنجية لا يمكنه أن يرمي كل هذا الرصيد في سلّة المهملات، فقط لأنّ «التيار الحر» و «القوات» التقيا في تفاهم واحد.

ولهذا يرى هؤلاء أنّ محاولات جعجع لزرك «حزب الله» في خانة إلزام بقية الحلفاء، وتحديداً الرئيس نبيه بري وسليمان فرنجية، تقوم بمقام السحر الذي ينقلب على ساحره، لأنّها بالدرجة الأولى استفزازية للرجلين، أي رئيس المجلس ورئيس «المردة» وتدفع بهما الى التشدد بموقفيهما أكثر، لأنّ أي تراجع سيُعتبر انصياعاً لضغط جانب «حزب الله» وتغييباً لموقفيهما، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل.

كما أن هذا الخطاب يُثقل كتفَي قيادة الضاحية الجنوبية بالإحراجات لأنها ستصبح مضطرة لوضع الإجابات الشافية أمام الرابية، بينما الأجدى بالساعين الى إيصال الجنرال الى القصر، أن يحافظوا على شبكة علاقاته مع الحلفاء، لا الضرب على أوتار خلافاتها.

عملياً، فرنجية «مرشح أكثر من أي وقت مضى»، من دون أن يعني ذلك أنّ الجرّة قد انكسرت بينه وبين قيادة «التيار الحر». ثمة مكان لخيط رفيع يبقي شريط التواصل قائماً. لا يشغل باله بما يمكن للاصطفاف المسيحي الجديد أن يفرضه، إن لناحية التأثير على الرأي العام المسيحي المتحمّس لهذه المصالحة، أو لناحية تداعيات التحالف السياسي بشقه الانتخابي، والنيابي تحديداً. على مائدته المبادرة الباريسية حيّة ترزق جعلت منه مرشحاً قوياً مقبولاً من الآخرين، ومن بعدها يأتي الكلام الآخر.