كتب سركيس نعوم في صحيفة “النهار”:
قبل الخوض في الجواب عن سؤال: هل أخطأ الرئيس نبيه بري و”حزب الله”؟ وقد أجاب عنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليل أمس، لا بد من عرض لدور البطريركية المارونية منذ تولّى سدتها الكاردينال مار بشارة الراعي قبل سنوات قليلة، ولتأثيره على استحقاق الانتخابات الرئاسية الذي لم ينجز حتى الآن. والدافع إلى “إقحامها” في هذا الموضوع أن دورها المسيحي بل الوطني كان دائماً حاجة لكل اللبنانيين وأن مصلحتهم تقتضي استمراره. وذلك لن يكون سهلاً إذا ضَعُفت “بكركي” سواء لأخطاء من سيدها أو من “أمراء الكنيسة” المارونية وسائر الكنائس المسيحية، أو من الزعامات والأحزاب المسيحية. وفي هذا المجال يمكن القول أن “بكركي” أخطأت في بداية عهد سيّدها الجديد باتخاذها مواقف سياسية من صراع داخلي محتدم ذي أبعاد وخلفيات وتشعبات إقليمية، كوّنت عند “رعيّتها” وعند فريق “8 آذار” وزعيمه “حزب الله” انطباعاً أن انفتاحها عليه هو تأييد لمواقفه وليس انفتاحاً على المسلمين في لبنان عموماً. طبعاً حصد سيّدها في حينه مدائح كثيرة من الفريق المذكور. لكنه “نقّز” في الوقت نفسه فريقاً لبنانياً آخر هو 14 آذار. علماً أن المدائح و”النقزة” شملت أيضاً مسيحيي الفريقين. وفي مرحلة لاحقة ولأسباب متنوّعة، أهمها الحرص على نفي الانحياز في الداخل إلى فريق وإلى رعاته الاقليميين، بدأ “سيّد” بكركي يتخذ مواقف معتدلة وخصوصاً عندما بدأ الشغور الرئاسي وبدا أنه طويل الأمد. طبعاً أثار ذلك تساؤلات الفريق الذي قدّر كثيراً انفتاح البطريركية عليه في بداية عهدها الجديد، وخصوصاً بعد التخبّط الذي رافق معالجتها أزمة الشغور مع الأقطاب المسيحيين. وبدأت تُطرح الأسئلة عن جديته واستراتيجيته. لكن أمراً واحداً لم يتناوله سؤال أو تساؤل هو نظرته إلى ما يجري في سوريا وإلى المظالم التي يتعرّض لها المسيحيون فيها وفي العراق، وانطلاقه في العمل إقليمياً ودولياً وفاتيكانياً لحماية الوجود المسيحي في الشرق. وسبب ذلك كان استعداده مباشرة حيناً ومداورة أحياناً كثيرة للتغاضي عن قمع النظام السوري، ولتبني موقفه المعتبر أن ما يجري في سوريا هو حرب يشنها الإرهاب عليها نظاماً وشعباً وأن ما يقوم به هو الدفاع عن الوطن والدولة والشعب. وهذا موقف رفضه الثوار السوريون رغم اعترافهم بمصادرة “الإرهابيين” ثورتهم، كما رفضه السنّة إجمالاً في العالم العربي، إذ اعتبروا أنه يصب في اتجاه تحالف أقليات إقليمي مؤذ لهم كونهم الغالبية فيه بل في العالم الإسلامي.
أما في الموضوع الرئاسي اللبناني فإن “خطأ سيّد” بكركي كان عجزه عن ممارسة دور الناخب المسيحي الأول لرئيس الدولة الماروني بسبب انقسام “رعيته” المسيحية اللبنانية حوله، جرّاء اقتناع كل منهم بأنه مع مرشحه الرئاسي، وبسبب خطوات له كرّست زعامة “الأقطاب الأربعة” الموارنة وحرَّمت الرئاسة على نحو غير مباشر على سياسيي الصف الثاني والثالث… كما على شخصيات مؤهلة للتربُّع على سدة الرئاسة ومعروفة من الشعب اللبناني جرّاء نجاحها في مواقعها غير السياسية التي يعتبرها الجميع تعاطياً مع “الشأن العام”. وخطؤه كان أيضاً عجزه عن إقناع هؤلاء الأربعة بدور جدي لإنهاء الشغور الرئاسي بسبب شهوة كل منهم إلى السلطة وإلى اختصار المسيحيين في شخصه أو حزبه أو تياره. وخطؤه كان ثالثاً عدم اقتناع الناس بأنه لا يفضل مرشحاً على آخر من المطروحين في بورصة الترشيح سواء بين “الأربعة” أو خارجهم. وخطؤه كان رابعاً عجزه عن توحيد موقف “أمراء كنيسته” المارونية حول مرشّح واحد أو موقف واحد، وعن الحؤول دون قيام كل من هؤلاء بمباركة ترشيح أحدٍ ما باسم بكركي. وخلق ذلك بلبلة في الرأي العام عند المسيحيين والمسلمين. وفي هذا المجال ربما كان الخطأ الأكبر لـ”سيّد” بكركي منذ بداية “عهده” رغبته في تولّي قيادة المسيحيين ساسة وزعماء وأحزاباً و”شعباً”، وفي توزيع الأدوار على متعاطي الشأن العام منهم. وقد أخفق في ذلك طبعاً لأن المسيحيين حريصون على فصل عملهم الوطني والسياسي عن رجال الدين رغم احترامهم للكنيسة واعتبارهم “بكركي” مرجعاً لهم ولشركائهم في الوطن وفوقهم كلهم، ورغم تعاون الجميع في أيام المحن والشدائد والأزمات. ودلّ ذلك على أنه لا يعرف المسيحيين كفاية ولا المسلمين رغم أن سعة الثقافة لا تنقصه ولا الذكاء. لكن هاتين الصفتين لا تكفيان وحدهما لا لسياسي ولا لمرجع مسيحي وطني قَبِلَ اللبنانيون كلهم رغم اختلافاتهم “أن مجد لبنان أعطي له”. فهو أعطي له لحماية الوطن ومسيحييه ولتوحيد طوائفه ومذاهبه وليس لأي هدف آخر. في النهاية يُطرح سؤال هو: أخطأت بكركي فهل انتهى دورها؟