بالنسبة لبعض الدول الأوروبية، يُنظر إلى الشركات الأميركية العملاقة مثل غوغل بالأساس من واقع أنها من أرباب الأعمال وكيانات الابتكار التقني التي يساعد تواجدها في تعزيز القدرات التنافسية العالمية.
ولكن بالنسبة لدول أخرى، يُنظر إلى الشركات العملاقة متعددة الجنسيات بأنها تستخدم الأساليب المحاسبية المعقدة في تجنب سداد الضرائب على الشركات. وذلك، كما يقول البعض، يجعل من تلك الشركات أهدافا رئيسية في وقت من الأوقات التي تسعى فيها الحكومات للحصول على الأرباح الكافية لتغطية العجز في الميزانية ومحاولة تهدئة المخاوف الشعبية حول عدم المساواة.
وذلك الانقسام، الذي طال أمد تواجده في الحاضر الأوروبي حاليا، بدأت رحاه تدور ولكن بشدة أكبر عن ذي قبل.
ولقد طفت القضية المذكورة على سطح الأحداث يوم الخميس الماضي عندما صرحت مارغريت فيستاغير، المفوضة الأوروبية التي تولت منصب مفتش الضرائب الرئيسي في الكتلة الأوروبية، إلى هيئة الإذاعة البريطانية أنها قد تنظر في التسوية الضريبية بقيمة 185 مليون دولار التي تم التوصل إليها مؤخرا بين شركة غوغل وحكومة المحافظين البريطانية برئاسة ديفيد كاميرون. حيث يقول النقاد بأن كاميرون قد فتح الباب بكل سهولة أمام شركة غوغل.
يبدو أن المسؤولين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل عازمون على فرض معايير ضريبية جديدة داخل الكتلة الأوروبية فيما يتعلق بالضرائب واستعادة ما يعتبرونه من قبيل الإعفاءات الضريبية غير السليمة والممنوحة من قبل الحكومات الوطنية لصالح الشركات متعددة الجنسيات.
وفي حين أن بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا سعيدة للغاية باستعادة الضرائب المحصلة من الشركات الكبرى نتيجة لتلك الجهود، إلا أن دولا أوروبية أخرى تقول بالأساس بأنها قد تفضل احتفاظ الشركات بكامل أو جزء من الإعفاءات الضريبية الممنوحة في مقابل الازدهار التجاري والاقتصادي الذي تحققه تلك الشركات.
والاختلاف في كلا المنهجين قد لا يتسق مع المشاكل الحقيقية التي تواجه الاتحاد الأوروبي، مثل كيفية السيطرة على تدفقات اللاجئين والمهاجرين من دون التضحية بسياسة الأبواب المفتوحة بين مختلف دول القارة. ولكن الاختلاف المشار إليه يُظهر مدى التأثير الذي تسببه تخفيضات السياسة الضريبية في جوهر المنافسة الاقتصادية داخل معظم البلدان الأوروبية، والتي تشهد مشاكل في النمو المستدام والميزانيات المتوازنة العصية على التحقيق في الآونة الأخيرة.
صرحت فيستاغير ببعض التعليقات حول الصفقة البريطانية مع غوغل في نفس اليوم الذي اقترح فيه المفوض الأوروبي للشؤون المالية والضرائب، بيير موسكوفيتشي، بعض التدابير الجديدة الهادفة إلى إغلاق بعض من الثغرات الضريبية الخاصة بالشركات في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي.
يريد الاتحاد الأوروبي من كافة الدول الأعضاء عدم استخدام السياسة الضريبية في تحقيق أي ميزات تجارية غير منصفة حيال جيرانها. ولكن مقدرة الدول الأوروبية على تكييف الممارسات الضريبية وفق أغراضها الخاصة هي من مسائل السيادة الوطنية التي لا يستعد الكثير من القادة الأوروبيين التنازل عنها مطلقا لصالح بروكسل. ويصح ذلك تماما بالنسبة للبلدان التي تحاول المنافسة من أجل الوظائف والاستثمارات الأجنبية التي تجلبها الشركات العملاقة متعددة الجنسيات مثل غوغل، أو أبل، أو «فيسبوك» إلى جانب أولئك الذين يحاولون انتزاع المزيد من العوائد الضريبية من الشركات الغنية للمساعدة في دعم اقتصادهم المتعثر.
يقول نيل تود، الخبير الدولي في الضرائب والشريك في مؤسسة بيروين ليتون بيزنر للاستشارات القانونية «تنافست الحكومات الوطنية حول مختلف الأهداف هنا. بينما ما يقرب من كافة الحكومات تريد من الشركات متعددة الجنسيات بشكل عام (والشركات التقنية الأميركية بشكل خاص) أن تسدد المزيد من الضرائب. ولا تحاول أي دولة من الدول تغيير القواعد التي تلعب بها من أجل أن تحول تلك الشركات أعمالها انتقالا إلى مناخ مالي أكثر دفئا واستقرارا».
ألقى المسؤولون وأعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة كذلك نظرات متفحصة على الترتيبات الضريبية الخاصة ببعض من الشركات الأميركية العملاقة العاملة في أوروبا. وقد حاولت وزارة الخزانة الأميركية منع ما يسمى بظاهرة الانقلاب الضريبي، والتي تستخدم فيها الشركات الأميركية عمليات الاندماج للانتقال إلى الدول الأوروبية كوسيلة لتخفيض مقدار الفواتير الضريبية التي تسددها – على الرغم من أن القواعد المعمول بها قد لا تكون قادرة على وقف شركة الأدوية العملاقة فايزر من استخدام عملية الاستحواذ على شركة اليرغان الصغيرة للأدوية بهدف نقل مقر الشركة الرئيسي إلى آيرلندا.
وبرغم دفاع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني عن صفقته التي أبرمها مع شركة غوغل، فإنه تلقى انتقادات لاذعة من خصومه السياسيين بشأن الكرم والسخاء الذي قدمه للشركة وليس تعبيرا عن الحجم الكامل لإيرادات الشركة داخل بريطانيا خلال السنوات العشر الماضية والذي تخفيه الشركة عن الأنظار بالكلية.
ومن واقع دراسة الصفقة ما بين كاميرون وغوغل، يمكن لفيستاغير متابعة طلب من الحزب الوطني الاسكوتلندي، وهو من أحزاب المعارضة البريطانية، والذي أرسل خطابا إلى المفوضية الأوروبية ينتقد فيه الصفقة الضريبية مع الشركة الأميركية العملاقة. ولقد قال المتحدث الرسمي باسم مكتب فيستاغير يوم الخميس بأن الشكوى المقدمة من الحزب سوف تخضع للدراسة الوافية للوقوف على ما إذا كانت تبرر إجراء تحقيق رسمي في الأمر.
ويمكن لتلك القضية أن تتسم بحساسية عالية، في الوقت الذي كان كاميرون يحاول التفاوض على شروط أفضل بالنسبة لبريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. ومع حلول شهر يونيو (حزيران)، يمكن لبريطانيا عقد استفتاء عام يُطلب فيه من الناخبين ما إذا كانوا يفضلون البقاء ضمن كتلة الاتحاد الأوروبي أو مغادرته.
ولكن كريستيان كوبيت المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني رفض يوم الخميس رفع المناقشات حول الصفقة الضريبية إلى مستوى الجدال السياسي الخاص بموقف بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. وقال ببساطة بأنها مسؤولية المفوضية الأوروبية لتتخذ القرار المناسب سواء في إجراء التحقيقات حول المسألة، على الرغم من تأكيده على أن شركة غوغل قد وافقت على سداد كافة الضرائب المستحقة عليها بموجب القانون.
وليست بريطانيا بمفردها على أي حال من الأحوال من حيث السعي لمعالجة القضايا الضريبية وفقا لشروطها.
كان مسؤولو الشرطة المالية الإيطالية عازمين على إصدار تقرير استقصائي حول غوغل يوم الخميس، في إشارة إلى ما إذا كانت الشركة العملاقة قد سددت ما يكفي من الضرائب في إيطاليا منذ عام 2008. وعلى الرغم من عدم تعرض غوغل لاتهامات بارتكاب المخالفات، فإن المسؤولين الماليين يقولون: إن المبالغ المتأخرة يمكن أن تصل إلى 300 مليون يورو، أو ما يساوي 325.3 مليون دولار.
وتدور المناقشات حول غوغل أيضا في فرنسا حول الضرائب المتأخرة. ففي الأسبوع الماضي وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، التقى المدير التنفيذي لشركة غوغل اريك شميدت مع وزير الاقتصاد الفرنسي إيمانويل ماكرون لمناقشة تلك المسألة.
ولم تُعقد أي مناقشات علنية حول مقدار الضرائب المتأخرة التي تسعى الحكومة الاشتراكية الفرنسية إلى تحصيلها من شركة غوغل، ولكن التقارير الإخبارية المحلية تقول: إن المبلغ يقترب من نصف مليار يورو.
ولقد كانت الاستجابة الرسمية من جانب شركة غوغل حيال تلك التقارير متماثلة، وهي على نحو ما نشرت الشركة بالأمس: «تمتثل شركة غوغل مع قوانين الضرائب في كل دولة من الدول التي تعمل فيها. كما تستمر الشركة في العمل والتعاون مع السلطات المعنية في تلك الدول».
تواصل فيستاغير التحقيقات أيضا في الترتيبات الضريبية المبرمة بين آيرلندا وشركة أبل الأميركية، وبين دولة لوكسمبورغ وشركة أمازون الأميركية، حول ما إذا كانت تلك الشركات قد تلقت صفقات ضريبية تفضيلية كسرت قواعد المساعدات الحكومية للاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع صدور القرار في قضية شركة أبل في شهر مارس (آذار) المقبل، على أدنى تقدير، كما سوف يتخذ القرار في قضية شركة أمازون خلال الشهور القليلة القادمة. وتقول الشركات والحكومات المعنية بأنها لم ترتكب خطأ قانونيا يُذكر.
وفي الحالات السابقة التي قضت فيستاغير فيها بأن الترتيبات الضريبية للشركات قد انتهكت قوانين الاتحاد الأوروبي من خلال تفضيل بعض الشركات، كانت الحكومات قد أصدرت أوامرها باسترداد الضرائب المتأخرة التي قد لا ترغب في واقع الأمر في استعادتها لئلا تبعث بإشارة إلى الشركات متعددة الجنسيات الأخرى بأن بلدانهم لا تتمتع ببيئات ملائمة للأعمال والتجارة.
ولقد أصدرت فيستاغير أوامرها إلى لوكسمبورغ لاستعادة 34 مليون دولار من الضرائب غير المسددة من الجناح التمويلي لشركة فيات الإيطالية لصناعة السيارات، كما أمرت هولندا كذلك باستعادة مبلغ مماثل من شركة مقاهي ستاربكس، وطالبت بلجيكا باسترداد ما قيمته 765 مليون دولار من 35 شركة على أقل تقدير، ومن بينها شركة انهيزر بوش انبيف.
وفي حين أن فيستاغير تحقق في القضايا التي قد سمحت فيها الدول للشركات بسداد ضرائب قليلة للغاية، فإن المقترحات الصادرة عن موسكوفيتشي يوم الخميس تهدف إلى منع التهرب الضريبي قبل وقوعه عن طريق إغلاق الثغرات في القواعد العابرة للحدود لنقل الأرباح للشركات التابعة للشركات العملاقة في الدول التي تفرض ضرائب أقل.
وقال موسكوفيتشي في مؤتمر صحافي بأن الخسائر الناجمة عن الثغرات الضريبية تقترب من 70 مليار يورو في العام، وهي ذات طبيعة تمييزية حيال الشركات الصغرى ولقد تسببت في إغضاب الكثير من المواطنين العاديين.
وتهدف المقترحات الجديدة إلى ردع الحكومات الأوروبية عن، على سبيل المثال، السماح للشركات بتحويل الأرباح إلى الدوائر الضريبية ذات التعريفة الأقل. وقال السيد موسكوفيتشي بأن مقترحاته المقدمة تعكس حرص أوروبا على تطبيق المعايير الدولية التي أقرها قادة مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية الدولية العام الماضي.
ومن شأن تدابير موسكوفيتشي أيضا مطالبة الشركات بالإفصاح التام عن كافة الضرائب، والأرباح، والعائدات، وغير ذلك من البيانات المالية إلى الإدارات المعنية في كافة البلدان التي تعمل فيها فروع تلك الشركات.
ويصعب، رغم ذلك، تحويل تلك المقترحات إلى قوانين معمول بها. حيث تستلزم الموافقة الجماعية من حكومات الاتحاد الأوروبي، وقد تعترض عليها بعض الدول. كما أن تلك التدابير لن تؤثر على المعدلات الضريبية المنخفضة العابرة للحدود والتي تستخدمها دول مثل آيرلندا كحافز لجذب الشركات والاستثمارات الأجنبية.
ولقد وجهت مجموعة اوكسفام لمكافحة الفقر موسكوفيتشي لاتخاذه، كما تقول، مقاربة القاسم المشترك الأدنى غير الفعالة للإصلاح الضريبي. وكان المشرعون البريطانيون المتفقون مع حكومة كاميرون يساورهم القلق حيال مقترحات موسكوفيتشي.
حيث تقول آشلي فوكس، رئيسة وفد المحافظين البريطانيين لدى البرلمان الأوروبي «على الصعيد العالمي، هناك معركة تدور رحاها حول الوظائف والنمو الاقتصادي. ويتعين على الاتحاد الأوروبي ضمان أن المقترحات المقدمة لا تقف موقف الرادع ضد الاستثمارات الدولية والعمل داخل دول الاتحاد».