اختفاء خمسة بائعي كتب يتاجرون بكتب محظورة في الصين، أثار القلق من أن بكين تحكم السيطرة على المدينة تماما، بعد عام من الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية، التي أوصلت العلاقات ما بين الجزيرة والبر الصيني، إلى طريق مسدود.
عندما سجِن الناشر المعني بنشر كتاب ’تشي جين بينج” “عرّاب الصين” في الصين، وهو سيرة ذاتية تنتقد الرئيس الصيني، بتهم تتعلق بالتهريب في عام 2014، تقدّم جين تشونج ونشر الكتاب بنفسه.
جين، الناشر في هونج كونج لسلسلة من الكتب الحساسة حول كبار القادة في الصين على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، لم ير أي سبب لعدم نشر كتاب آخر.
مع ذلك، فإن الاختفاء غير المبرر في أواخر العام الماضي لخمسة بائعي كتب من متجر في هونج كونج متخصّص في الكتب المحظورة في الصين، ودور بكين المشبوه في مصيرهم، عمل على تغيير رأيه.
جين سحب نشر كتاب لاحق للكاتب نفسه، وهو منشقّ يعيش في الخارج، بعنوان “كابوس تشي جين بنيج”. ويقول، “الوضع الآن مقلق للغاية. زوجتي تعارض بحزم نشري لهذا الكتاب. لذلك قررت تجنب المخاطرة التي تواجهنا”.
جين، الكاتب الذي تم حظره من البر الرئيس منذ عام 1996، يقول، إن حالات الاختفاء هي ضربة قوية لتجارة هونج كونج الصاخبة بالكتب الصينية المحظورة. وجهة نظره يكررها باو بو، وهو ناشر في هونج كونج ساعد في تهريب مذكرات جاو جيانج، الزعيم السابق المخلوع، خارج الصين. يقول باو، إن المكتبات تحجم بشكل متزايد عن بيع الكتب التي ينشرها.
بعد أكثر من عام بقليل على نهاية احتجاجات حركة الاحتلال ضد رفض بكين منح هونج كونج الديموقراطية الكاملة – والمظاهرات التي في مرحلة ما أوصلت المدينة إلى طريق مسدود – يعتقد كثيرون في المستعمرة البريطانية السابقة أن اختفاء بائعي الكتب هو أكثر مثال صارخ حتى الآن على التهديدات المتزايدة للحريات الفريدة من نوعها التي يتمتعون بها.
من تغطية الحكومة للرموز الملكية البريطانية على صناديق البريد في المستعمرة إلى شراء الصحيفة اليومية التي تصدر باللغة الإنجليزية في المدينة من قِبل مجموعة التجارة الإلكترونية الصينية، علي بابا، والضغط المتزايد باستمرار على الصحافيين للرقابة الذاتية، تقول كلوديا مو، وهي عضو معارض لتشريعات هونج كونج، إن هناك اتجاها “لجعل المدينة كالبر الرئيس” بدأ يترسّخ.
ملاحقة النقّاد
حالة بائعي الكتب – ثلاثة منهم اختفتوا حين كانوا في البر الرئيس الصين، وواحد من تايلاند والخامس من هونج كونج – عملت على بلورة تلك المخاوف. يعتقد النشطاء أنه تم أخذهم من قِبل قوى الأمن الصينية التي توسع الحملة من البر الرئيس، حيث يعتقد أنه تم اعتقال المئات، إلى هونج كونج وخارجها.
اثنان منهم – أحدهما بريطاني، والآخر سويدي – هما مواطنان أوروبيان وتقول الحكومة البريطانية، إنها “تشعر بقلق عميق” بشأن حالات الاختفاء. المخاوف بشأن نفوذ البر الرئيس الزاحف تتجاوز باعة الكتب إلى قطاع الإعلام النابض بالحياة والجامعات في هونج كونج.
فيليب هاموند، وزير الخارجية البريطاني، يقول إنه إذا كان صحيحا أنه تم أخذ أحد الرجال من هونج كونج، فهذا سيكون “انتهاكا فاضحا” لترتيب “بلد واحد ونظامين”. تم تأسيس هذا المبدأ الدستوري في عام 1997 عندما استعادت بكين السيطرة، وتعهدت بالحفاظ على حرية التعبير والاستقلال القانوني و”درجة عالية من الحكم الذاتي” في الإقليم.
وفي حين أن بكين تسيطر على السياسة الخارجية، والدفاع والأمن القومي، إلا أن وكالات هونج كونج وحدها تملك الحق بفرض القانون في الإقليم. مع ذلك، تحتفظ بكين بمكتب اتصال كبير في هونج كونج، وهو هيئة سرية مهمتها التأثير على السياسات والمجتمع المدني.
يقول ستيف فيكرز، الرئيس السابق لمكتب الاستخبارات الجنائية في دائرة شرطة المستعمرة، “إن هناك شعورا متزايدا في هونج بضغط البر الرئيس الكبير على الجامعات والمجتمع المدني، فضلا عن الوجود الأمني الكبير من البر الرئيس. يبدو أن حكومة هونج كونج تملك حكما ذاتيا متقلّصا إلى حد كبير ويبدو أن مكتب الاتصال يعزّز وضعه”.
اقتصاد هونج كونج، المدينة بعدد سكان يبلغ 7 ملايين نسمة، يعتمد على التجارة مع البر الرئيس، في حين تستمر الصين باعتبار الإقليم أنه مركز مالي مهم. الشعور أن الصين تتدخل في شؤون هونج كونج يأتي بعد قيام الناخبين في تايوان – التي تصر الصين أنها واحدة من الأقاليم التابعة لها – بانتخاب حكومة تعهدت بالحد من الاعتماد الاقتصادي على البر الرئيس.
وفي حين أن المستثمرين يأملون أن حالات اختفاء بائعي الكتب هي حالة منعزلة، إلا أن وجود أي دليل على أن بكين تتدخل في النظام القانوني في هونج كونج يمكن أن يردع الذين طالما استخدموا المدينة كنقطة دخول إلى الصين، بسبب احترامها لسيادة القانون.
حذرت لجنة الكونجرس الأمريكي لشؤون الصين، التي يشارك رئاستها المرشح الجمهوري للرئاسة ماركو روبيو، الأسبوع الماضي، “تحوّل الرئيس تشي نحو السلطوية الصلبة، هو أمر مزعج وغير مثمر وستكون له تداعيات عالمية. نظرا للأحداث الأخيرة، من غير الواضح متى سيتوقف ذلك أو من هو المستهدف التالي – حتى الأجانب ومواطني هونج كونج لا يستطيعون الشعور بالأمان التام”.
الكتب المحظورة
ما لا يقل عن 46 مليون سائح صيني زاروا هونج كونج العام الماضي، وكثير منهم أمضى الوقت في منطقة كوزواي باي للتسوق الجذابة، بحثا عن ساعات الرولكس وحقائب لويس فويتون والكتب المحظورة في البر الرئيس.
أعلى الدرج الضيق مقابل أحد متاجر بيربري يقع متجر كوزواي باي بوكس المحطم. إنه واحد من عدة متاجر في المنطقة التي تبيع كل شيء من الحكايات الصاخبة شبه الواقعية لحياة كبار القادة الشخصية، إلى إعادة الاختبارات ذات الأهمية للأحداث التاريخية مثل الثورة الثقافية.
على الرغم من شعبيتها مع سياح البر الرئيس، الذين يأخذونها إلى بلادهم ويعيدون توزيعها، إلا أن الكتب هي أقل شعبية لدى السلطات في بكين. يبدو أن بعض الكتب عن الفساد والتنافس داخل الحزب الشيوعي، تحتوي معلومات ذات مصادر جيدة من مطلعين ساخطين.
تم إغلاق المتجر منذ أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما اختفى الشريك في ملكيته لي بو، وهو مواطن بريطاني، بعد زيارة مستودع الشركة في هونج كونج. كان آخر بائعي الكتب الخمسة الذين اختفوا؛ والأربعة الآخرون هم في عداد المفقودين منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
تقول الشرطة المحلية، إن الشرطة الصينية أخبرتهم أن لي موجود في البر الرئيس. بعد الإبلاغ عن فقدانه في البداية، تدّعي زوجته آلان أن لي سافر إلى البر الرئيس طوعا وهو “يساعد في التحقيق”.
ظهر جيو مينهاي، الشريك في ملكية المتجر والمواطن السويدي، على شاشة التلفزيون الحكومي الصيني، معترفا بجريمة قيادة تحت تأثير الخمر منذ 12 عاما، والادعاء أنه عاد إلى البر الرئيس من تايلاند من تلقاء نفسه.
مكان وجود الثلاثة الآخرين لا يزال مجهولا، وعلى الرغم من الطلبات المتكررة، إلا أن المسؤولين الصينيين رفضوا إعلام الصحافيين، والسلطات في هونج كونج والحكومات الأجنبية ذات الصلة عن مكان احتجازهم أو حتى عن التهم الموجهة إليهم.
نشطاء حقوق الإنسان مثل وليام ني من منظمة العفو الدولية يقول، إن القضية تبدو كأنها من عمل جهاز أمن الدولة في الصين مع حالات الاختفاء غير المبرّرة، والاعتراف على شاشة التلفزيون، وعدم وجود تهم رسمية والضغط على أفراد العائلة للحد من الدعاية.
يقول لي، الذي مقره في هونج كونج، “من المقلق جدا أن هناك دلائل على أن الصين، أكثر عدائية في ملاحقة نقّادها في المناطق خارج الولاية القضائية للبر الرئيس الصين”.
باي لينج، الكاتب الصيني المنفي إلى الولايات المتحدة، يقول إنه في حين أن نقاد الحكومة طالما عرفوا مخاطر أنشطتهم في البر الرئيس، إلا أن الذين في الخارج يخشون الآن الوصول الأبعد بكثير لقوات الأمن الصينية.
أجنيس تشاو، إحدى قادة حركة الاحتلال في عام 2014، تقول إن النشطاء يشعرون بالقلق بشأن الآثار المترتبة على هونج كونج فضلا عن سلامتهم. في ذروة احتجاجات حركة الاحتلال، تنحّت تشاو لفترة وجيزة عن كونها المتحدث باسم الحملة بسبب ما تصفه بالضغط السياسي على عائلتها. وتقول، إنها لن ترضخ لمثل هذا الضغط مرة أخرى.
يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين، إن قضية بائعي الكتب تظهر أن مخاوف جعل مدينة هونج كونج “كالبر الرئيس” لها ما يبررها. في جامعة هونج كونج، المؤسسة التعليمية المرموقة في المدينة، حيث يكافح الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخرّيجون ما يعتبرونه حملة ذات دوافع سياسية، بعد حرمان يوهانيس تشان، أستاذ القانون المؤيد للديموقراطية، من الترقية.
يجادل تشان إن عمليات الخطف الواضحة تدل على تصعيد التدخل من جانب بكين. حيث يقول، “أحد الاستنتاجات [من قبِل بكين] بعد حركة الاحتلال كانت أن بعض مؤسسات التعليم العالي في هونج كونج قد خرجت عن السيطرة وتلعب دورا داعما للطلاب المتظاهرين. لذلك قامت الصين بتشديد السيطرة على هونج كونج”.
ويقول إنه تم تعيين شخصيات مؤيدة لبكين في مناصب رئيسة في الجامعات، بينما حجب ترقيته يرسل رسالة إلى الأكاديميين للابتعاد عن السياسة. تصرّ حكومة هونج كونج على أنها توظف على أساس الجدارة فقط.
زيادة الضغط
يشتكي الصحافيون في هونج كونج من اتجاه مماثل، مع اعتداءات جسدية عليهم، وسحب المعلنين للأعمال من صحف تنتقد بكين والسيطرة المتزايدة على الإعلام من المستثمرين الصينيين.
أبرز عمليات الشراء كان من نتيجتها أن علي بابا، مجموعة التجارة الإلكترونية، استحوذت على صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست، صحيفة المدينة التي تصدر باللغة الإنجليزية، مقابل 266 مليون دولار. وتعهدت مجموعة علي بابا بلا خجل أن تجعل تغطية الصحيفة للصين، التي تتعرض للانتقاد أصلا على أساس أنها تجامِل بكين، أكثر إيجابية حتى من قبل.
تذكر رابطة هونج كونج للصحافيين أنه منذ احتجاجات حركة الاحتلال، واجه أعضاؤها تهديدا متزايدا بالعنف والتدخل من الشرطة. وذكرت دراستها السنوية لعام 2015 أن الصحافيين “عالقون بين نارين”، وتعرّضوا “للضغط الخارجي” من أمثال حكومة هونج كونج والشركات الكبيرة، والضغط الداخلي على شكل تصعيد الرقابة الذاتية للامتثال لوجهات نظر المؤسسة”.
عندما تسأل وزارة الخارجية الصينية عما إذا كانت تكثّف السيطرة على الإقليم، تصر الوزارة على أن مواطني هونج كونج يستمرون بالاستمتاع “بكامل الحقوق والحرية وفقا للقانون”، وأن التزامها بمبدأ “بلد واحد ونظامين” “لن يتزعزع”.
في الأعوام الأخيرة، جعلت بكين نهجها تجاه هونج كونج واضحا. وفي عام 2014، تماما قبل بدء الاحتجاجات، أصدرت تقريرا حكوميا عن مستقبل الإقليم تصرّ فيه على أنه يجب أن “يحكمها الوطنيون”.
حملة لاحقة ضد “المعلومات الضارّة” تعهّدت بالقضاء على “المعلومات الرجعية والضارّة من هونج كونج وتايوان”. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في اجتماع مع سي واي لونج، الرئيس التنفيذي المؤيد لبكين في هونج كونج، حذّر تشي من “الانحراف والتشويه” اللذين يقوّضان مبدأ بلد واحد ونظامين.
مايكل تيان، رجل الأعمال وعضو المجلس التشريعي، يجادل أن المتطرفين في هونج كونج يجنون ما زرعوه. يقول، “إن مبدأ بلد واحد ونظامين دائما كان بمنزلة ميزان، كل شيء رمادي، ليس هناك أسود أو أبيض. اعتقد أننا كنا نخطئ في نسيان أننا جزء من الصين، وهناك دلائل على أن الصين بدأت تفقد صبرها”.
يقول تيان، إن الانقسامات السياسة تخاطر بإلحاق الضرر بقدرة هونج كونج على التنافس، في الوقت الذي يكافح فيه اقتصادها بسبب تباطؤ الصين.
المعارضة ترى الأمر بطريقة مختلفة. جيمس تو، عضو المجلس التشريعي في المدينة يقول، إن الديموقراطية الحقيقية فحسب، هي من يستطيع منح الرئيس التنفيذي والحكومة الشرعية تعزيز تفعيل الإصلاحات التي تحتاجها المدينة حتى تزدهر.
يقول، “أنا قلق فعلا بشأن مستقبل هونج كونج. وأنا أحثّ كبار القادة بإخلاص على ضرورة التفكير مرة أخرى”.