Site icon IMLebanon

من هو السعوديّ الذي تمّ إخلاء سبيله؟

في 2 تموز 2014، نصبت مخابرات الجيش اللبنانيّ كميناً محكماً للسعوديّ فهد القرني إثر معلومات استخباريّة بأنّه واحد من مسؤولي “جند الشام” الذين لجأوا إلى لبنان بعد سقوط قلعة الحصن بيد الجيش السوري.

أقلّ من شهرين، وكان ابن مدينة الرياض طليقاً حراً بتوقيع قاضي التحقيق العسكريّ الذي قام بإخلاء سبيله قبل أن يتوارى عن الأنظار، فيما عناصر المجموعة التي يتولّى القرني مسؤوليتها ما زالوا موقوفين!

كيف؟ لماذا؟ هل كان المخرج بحظوته أنّه سعودي؟ هل فعلاً كان بريئاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لم تتمّ منع المحاكمة عنه بل اكتفى قاضي التحقيق العسكريّ بإخلاء سبيله؟ هل دخل الرّجل السعودية أم عاد أدراجه إلى سوريا؟

حتى اليوم لا أحد يعلم..

بالأمس، كان اسم القرني.. الاسم الأوّل في القضية رقم 50 المدرجة على برنامج الدعاوى أمام هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة بجرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلّح بهدف القيام بأعمالٍ إرهابيّة”.

وما إن حان وقت هذه الدّعوى، حتى نادى رئيس “العسكريّة” العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم على القرني، إلا أن صوت الكاتب على القوس أجابه بأنّ الرجل يُحاكم غيابياً.

ولأنّه ليس كباقي المدّعى عليهم الـ7 في هذه القضيّة، بينهم المنذر خلدون الحسن وباقي عناصر “جند الشام”، كان “حرده” صعباً على أمير التنظيم “أبو سليمان الطرابلسي”، الذي سارع إلى تعيينه أميراً على مجموعة مؤلّفة من 10 أشخاص، بالإضافة إلى مسؤوليته عن “المركز رقم 5”.

وداخل هذا المركز المؤلّف من منزلين ومرأب، خرجت “منتوجات” التنظيم من سيارات مفخّخة وعبوات (بعضها كان معداً للتفجير عن بُعد عبر الهواتف الخليويّة)، كان مسؤولاً عن تصنيعها الجزائريّ أبو حسن فيصل عقله (قتل لاحقاً) بالتعاون مع “أبو يحيى الفلسطيني” و”أبو عبيدة” الذي أصيب خلال تحضيره لمتفجّرة.

وحينما قتل أمير التنظيم لم يجد أعضاؤه أفضل من القرني ليكون أميراً عليهم، وإن رفض الأخير الأمر. هذا ما حصل فعلاً داخل الطبقة الثانية في أحد المباني المهجورة في طرابلس. حينها اجتمع المقاتلون العائدون حديثاً من قلعة الحصن إثر سقوطها للاتفاق على تقرير مصير “جند الشام”، بعد أن كانوا قد دخلوا لبنان.

وهنا، تختلف الرواية بين موقوفٍ آخر، إذ يقول وئام شوك خلال التحقيق الأوليّ معه إنّ القرني اقترح مبايعة “جبهة النصرة”، فيما يشير القرني إلى أنّ المنذر الحسن هو من فعل، واقترح أيضاً تشكيل خلايا نائمة في لبنان حاضرة للتدخّل عند الضرورة وبطلب من “النصرة”.

أمّا هو (أي القرني)، فاقترح عودة العناصر إلى سوريا والمساعدة في إدخال أي شخص للقتال في سوريا. ولهذا السبب تواصل مع مقاتل سابق من “جند الشام” الذي أوصله إلى أمير “النصرة” في درعا الذي اشترط عليه المبايعة قبل دخول عناصر “جند الشّام” إلى سوريا، قبل أن يعود القرني ويتواصل مع أحد الموقوفين في سجن رومية لتسهيل عودة المقاتلين إلى سوريا.

وبرغم كلّ ذلك، فإنّ الشاب السعودي يُحاكم غيابياً. الأمر ليس كما يتصوّر البعض بأنّ القرني استطاع الإفلات من قبضة القوى الأمنيّة أو أن الأخيرة قصّرت بدورها، بل على العكس تماماً. إذ إنّه ما إن وصل إلى مخابرات الجيش اللبنانيّ معلومات تشير إلى دخول رجل سعوديّ خطير إلى لبنان وإمكانيّة استخدامه رقماً معيناً، حتى بدأ الأمنيون عملهم.

استطلاعات ومراقبة مكثّفة لـ “داتا” الاتصالات والرقعة الجغرافيّة حيث يستخدم رقم الهاتف، أفضت إلى إلقاء القبض على “أبو منصور الحجازي” وضبط أغراضه من هواتف خلويّة (يملك أيضاً رقماً خليجياً) وحاسوب محمول داخل شقة تعود لزوجته السريّة ه. د. (سوريّة) في محلّة الطريق الجديدة، حيث كان يتردّد من وقتٍ لآخر، فيما كان يملك منزلاً آخر في انطلياس.

وعندما اقتيد ابن الـ43 عاماً (مواليد الرياض) إلى مقرّ المخابرات اعترف بكلّ هذه الأمور، وإن عاد عنها لدى التحقيق الاستنطاقي عندما أقرّ أنّه صار يتردّد إلى لبنان بعد زواجه الثاني وكان ينوي مساعدة الثورة السوريّة بمدّها بالمال. فالرّجل لم يذهب إلى الجهاد لأنّه غرّر به وتمّ إغراؤه بالمال، وإنّما يملك القرني (المجاز في الهندسة الكهربائية والحائز على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة سان فرنسيسكو) مصنع بلاستيك وشركة للمقاولات والتّجارة.

الخيط الأوّل لالتحاق القرني بـ “جند الشام” كان مؤسس “الجيش السوري الحرّ” رياض الأسعد الذي زوّده برقم الشيخ ع. ع. لاستلام المساعدات المالية. وعبره، تعرّف الرّجل على شقيقه الذي حثّه على الذهاب إلى سوريا.

وأكد القرني خلال التحقيق الاستنطاقي معه أنّه فعلاً انتمى إلى “جند الشام” واختلف مع عبد الرحيم الطرابلسي (قتل لاحقاً) بسبب تكفيره للجميع، فاسترضاه “أبو سليمان الطرابلسي” بتعيينه أميراً لمجموعة صغيرة ولـ “المركز رقم 5”، وإن أشار إلى أنّه تحوّل إلى مركز للتفخيخ بعد رحيله من سوريا.

ومع كلّ ذلك.. فإنّ القرني اليوم يحاكم غيابياً وهو حرّ طليق!