كتب بسام النونو في صحيفة “المستقبل”:
من منطلق التداخل الجيوسياسي المفروض بحكم الممانعة والجغرافيا على البلدين، يهمّ اللبنانيين من دون أدنى شك تتبّع مسار الأحداث في رحلة البحث عن حل سياسي للحرب السورية قياساً على القاعدة “البرزانية” الشهيرة: إذا أردت أن تعرف ماذا في لبنان عليك أن تعرف ماذا في سوريا!.. وفي خضم المد والجزر الحاصل على ضفاف “جنيف” بين ممثلي المعارضة والقيّمين الإقليميين والدوليين على إطالة عمر النظام والنزاع في سوريا، استرعى الانتباه سؤال طرحه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا قبل سنة بالتمام والكمال خلال اجتماعه مع ممثلي البعثات الديبلوماسية لدول الجوار السوري في سويسرا: “كيف يمكن اقتباس نظام الطائف اللبناني في سوريا الجديدة؟”.
سؤال واضح ومباشر حول كيفية “تطييف” نظام الحكم السوري على شاكلة نظام “الطائف” اللبناني، غير أنّ ما يختزنه من عمق في المعاني والمغازي يحمل الكثير من المدلولات السياسية والوطنية برسم بعض اللبنانيين الغارقين في “شبر ميّ” دستوري ممن يحاولون تحميل “الطائف” تبعات فشلهم التاريخي في محاولة تثبيت أواصر الاستئثار بالسلطة على حساب مفهوم الشراكة والتوافق في الحكم. هؤلاء المستميتون في سبيل تلغيم “الطائف” ونسف أسسه الدستورية الناظمة للعيش المشترك في لبنان بغية إقامة نظام تأسيسي بديل يحوّل العيش إلى تعايش والمشترك إلى معترك بين الطوائف والمذاهب، يجحدون من حيث يدرون أو لا يدرون نعمة يجهدون دولياً لاستنساخها بعد 26 عاماً من صياغة وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.
الأمم المتحدة بقضّها وقضيضها تبحث عن سبل بلوغ الحرب السورية خواتيم شبيهة بتلك التي انتهت إليها الحرب اللبنانية الأهلية، وقد قالها بالفم الملآن مبعوثها الخاص إلى سوريا لممثلي البعثة اللبنانية في جنيف قبل عام حين وجّه إليهم استفسارات محددة حول كيفية الاستفادة من التجربة اللبنانية ونظامها التوافقي المنصوص عليه في دستور “الطائف” لتطبيقه في سوريا المستقبل، منطلقاً بذلك من مبدأ التعددية الطائفية المشترك بين البلدين. فالجهود الأممية، في أبرز ما تصبو إليه، تنصب على ما بعد الحل السوري أمنياً وعسكرياً لضمان استتباب هذا الحل وديمومته، من خلال البحث والتمحيص في ماهية نظام الحكم الأمثل للسوريين في سياق موازٍ ومتوازٍ مع المساعي المبذولة لبلوغ الخواتيم العسكرية والأمنية للصراع في سوريا، باعتبار أنّ تلك الجهود وهذه المساعي هما في واقع الحال خطان متصلان لا ينفصلان على سكة الحل المنشود.
إنه جوهر “الطائف” الكامن تحت رماد الخلافات السلطوية والتسلطية يسعى البعض في لبنان لطمسه وتغيير معالمه التوافقية، ويسعى العالم لنبشه واستنساخ نظامه التوافقي بوصفه حلاً دستورياً سحرياً لأزمة الاقتتال الأهلي في سوريا.. لكن قبل إنضاج أفق الحل السوري، لا بد من نصيحة لدي ميستورا ولكل العاملين على “تطييف” النظام هناك: خذوا من لبنان طائفه لا طائفيته، تنوعه لا تشرذمه، وحدته لا تشتته، التوافقية لا الفوقية، السلطة لا التسلط.. باختصار طبقوا دستور الطائف في سوريا كما لم يتسنَّ للبنانيين أن يفعلوا.
.. فما يراه بعض أبناء جمهورية الـ10452 كلم2 نقمة، يصلح أن يكون نعمة إن أُحسن اقتباسه لانتظام الحياة السياسية والوطنية على مساحة جمهورية الـ185 ألف كلم2.