IMLebanon

تنظيم الأسواق .. مصادرة لحق التجار أم إستعادة لحق المستهلك؟

SaleBeirut-Market
خضر حسان

لطالما شغلت التنزيلات والأسواق والمعارض المفتوحة بال المستهلكين، إن على مستوى نسبتها وحجم المبيع فيها، أو على مستوى نوعية البضائع المعروضة. غير ان هذه الأسواق على إختلاف أنواعها، تشكل أيضاً مساحة للمضاربة بين التجار، وطريقة “مشروعة” لتخلّص كبار التجار من الصغار، أو من بعض المنافسين الكبار. وضمن هذه اللعبة، تشرّع المحال التجارية أبوابها أمام المستهلكين وتقدم لهم تنزيلات في مختلف أوقات العام، وخاصة في المناسبات والأعياد، كأعياد الميلاد ورأس السنة وغيرها. لكن ما يغفله أغلب المستهلكين، هو ان للتنزيلات والعروضات والأسواق أوقاتاً محددة على التجار الإلتزام بها، لضمان منافسة تجارية عادلة ولضمان عدم إحتكار كبار التجار للأسواق. إلا ان المراقبة الرسمية غائبة عموماً، لكن قرار وزير الإقتصاد آلان حكيم، الجمعة، الذي منع بموجبه “إقامة أسواق خلال فترات الأعياد”، كسر العرف الرسمي القاضي بتجاهل تطبيق القوانين. ومع ان القرار جاء متأخراً كثيراً، الا ان وجوده “ضروري. وعلى الوزارة ان تبدأ من نقطة معينة”، وفق ما تقوله مصادر “المدن” في وزارة الإقتصاد. فالقرار برأي المصادر، سيلاقي “ذات الأسئلة او الترحيب او الإنتقادات، في أي وقت أتى فيه، لكن برغم ذلك على الوزارة ان تبدأ من مكان وزمان محددين”. القرار يحدد أوقات إجراء الأسواق والتنزيلات وما يستتبع ذلك. وفي ما خلا الأوقات من 20 آذار حتى3 نيسان ومن 24 نيسان حتى 7 ايار، ومن 29 حزيران حتى 13 تموز ومن 5 أيلول حتى 17 أيلول ومن 15 كانون الأول 2016 ولغاية 6 كانون الثاني 2017، يُسمح بتنظيم الأسواق. وذلك نظراً لوقوع أعياد الفصح ورمضان والأضحى والميلاد ورأس السنة الميلادية في هذه الفترات. وترحب مصادر “المدن” بهذه الخطوة لأنها “توقف سيطرة كبار التجار على الأسواق، على الأقل في هذه الفترة من العام”. ومن المعروف ان هذه الأعياد تفرض حركة تجارية غير إعتيادية، والتجار ينتظرونها من عام الى عام لمراكمة أرباحهم المشروعة وغير المشروعة. وفي هذه الأعياد تكثر الحملات الدعائية التي تعمل على جذب الزبائن. لكن أكثر ما يميز هذه الفترة، هي أسعارها المرتفعة حتى بالنسبة لذات السلعة، مقارنة مع سعر مبيعها في فترات عادية من العام. هذا النوع من التنظيم يطرح تساؤلاً حول تنفيذه ومدى تقيّد التجار به، وتساؤلاً حول شرعية ظاهرة الأسواق والتنزيلات على مدار العام. في الشق الأول، ينص قرار حكيم على ان دائرة المعارض والأسواق في المديرية العامة للاقتصاد والتجارة، ستقوم بمراقبة تنفيذ مضمون هذا القرار، واتخاذ الاجراءات اللازمة لتطبيقه. كما تؤكد المصادر على ان الوزارة جادة في هذا الطرح، لأن القانون في الأساس يمنع إقامة الأسواق والتنزيلات في كل الأوقات، بل ينظمها في فترات محددة. وهذا التنظيم، يعني ايضاً التدقيق في “قانونية” المحال التجارية، خاصة التي تشتهر بأسواقها وعروضاتها والتي تؤثر سلباً على صغار التجار، لأن حجم رأسمالها وحجم تجارتها يسمح لها بالمناورة وبعرض الأسعار التي تناسبها، وإن على حساب مشروعية التجارة. القرار يعيد الى الأذهان ظاهرة التنزيلات والأسواق الحقيقية في أوروبا وأمريكا، حيث تشهد حركة التجارة في فترات محددة من العام، أسواقاً تعرض منتجاتها بأسعار مختلفة، وفي الغالب بتنزيلات حقيقية، على عكس ما يحصل في لبنان في الأسواق المشابهة. إذ ان الأسواق وتنزيلاتها في لبنان، تقوم على لعبة رفع السعر، ووضع نسبة الحسومات عليه، وبذلك، يبيع التاجر بذات السعر القديم، أو بتخفيض لا يتجاوز الـ 10%، في حين ان النسبة المعروضة هي 50 أو 60%. وهذه اللعبة لا تكتسب جديّة في لبنان لأن طبيعة الأسواق وغياب الرقابة القانونية تسمحان بذلك. فحجم الأسواق الصغيرة مقارنة مع الأسواق الأوروبية تقلص إمكانية إجراء أسواق تصرّف بضائعها بكثرة وبسرعة، في حين ان غياب الرقابة، تدفع التجار الى التحكم بالأسعار على أهوائهم. لكن يُنتظر من قرار حكيم، ان يقلص تحكم التجار بالأسواق، لمصلحة المستهلك. تنفيذ القرار بالطريقة السليمة سيؤدي الى نتيجتين أساسيتين على الأقل، الأولى تخفيض أرباح كبار التجار على حساب أرباح الصغار منهم، لأن الصغار لا يستطيعون مجاراة الكبار في حجم البضائع المعروضة وأسعارها، وبالتالي فإن الأسواق غير المضبوطة تعني الخسائر للصغار. والثانية حماية المستهلك الذي ينخدع بدعاية أسواق الأعياد التي تشجع على الإستهلاك في ظل الأسعار المرتفعة. أسواق الأعياد إذن، ستعود الى قواعد اللعبة التجارية التي تنحصر ضمن المحال القانونية، وفي إطار حماية حقوق المستهلكين وصغار التجار. لكن التغيير الذي قد يلمسه المستهلك، هو إنخفاض الأسعار أو بالحد الأدنى بقاؤها ضمن الحدود المتداولة بها، بعد حصر دعاية الأعياد وحركتها المفتوحة. أما حدود التداول نفسها، فيُنتظر التدقيق بها لأنها عرضة للتلاعب المفضوح، خاصة في الفترة الحالية التي تشهد إنخفاضات في أسعار النفط، والتي تستوجب خفض أسعار السلع، كون النفط سلعة أولية تدخل في الإنتاج. وهنا، يُنتظر من الوزارات، وعلى رأسهم الإقتصاد والتجارة، إصدار قرارات حمائية، تعيد الأمور الى نصابها.