أُنزلت شعارات العداء لأميركا في إيران مع بدء المحادثات في شأن البرنامج النووي الإيراني، الذي إستتبع لاحقاً رفع العقوبات الإقتصادية عن إيران، لتفتح البلاد صفحة جديدة من العلاقات السياسية والإقتصادية مع دول العالم. هذه الخطوة الجديدة التي خطتها إيران بإتجاه فك عزلتها الإقتصادية، سرعان ما كشفت أن الإنقسام الرأي اللبناني حول التعاون مع إيران، هو إنقسام سياسي بإمتياز، ولا ينطلق من أسس علمية تراعي مصلحة الإقتصاد اللبناني. وظهرت أبرز ملامح الإنقسام في رفض الهبات والمساعدات الإيرانية التي كانت تقدم للجيش او لقطاعات حيوية مثل قطاع الكهرباء، وما كان يُقبل من إيران، كان يراعي “ظروف” العقوبات الدولية. فالسياسة اللبنانية لن تخدش بأي شكل، القرارات العالمية، خاصة تلك التي كانت تتخذها الولايات المتحدة الأميركية، سواء بتغطية أوروبية أو على إنفراد.
الإتفاق النووي ورفع العقوبات عن ايران، أراحا لبنان كثيراً، حتى ان القوى السياسية التي كانت تشعر بالحرج من التعاون مع إيران إنطلاقاً من الخلافات السياسية، باتت تقر بالإنعكاسات الإيجابية لزيادة التعاون الإقتصادي بين البلدين. حتى ان القطاع الخاص كان ينتظر هذه الإنفراجات لينفتح على السوق الإيرانية، إذ يؤكد رئيس “تجمع رجال الأعمال اللبنانيين” فؤاد زمكحل، على ان “رجال الاعمال في لبنان كانوا في انتظار هذه الخطوة”، على انّ أولى الخطوات التي سيقوم بها رجال الأعمال اللبنانيون، في إيران، ستكون “الإستثمار في قطاع الخدمات والشركات، من خلال بناء شركات لبنانية متآزرة مع شركات إيرانية بهدف تطوير العلاقات التجارية بين السوقين اللبنانية والايرانية”. وبهذه الخطوة، يبحث المستثمرون اللبنانيون عن حصة لهم في النمو الإقتصادي الإيراني الذي يقدّر للعام 2016 ما بين 5 و7 في المئة، وفق ما يقوله زمكحل.
إيجابية رجال الأعمال تجاه إيران عزّزها موقف أمين عام إتحاد المصارف العربية وسام فتوح، الذي يشير لـ “المدن” الى ان المصارف اللبنانية تنتظر بدء العمل في إيران، على وقع الإنفتاح الدولي على كل المستويات مع طهران. وبرأي فتوح، فإن “إيران ستغير وجه المنطقة إقتصادياً، فالخليج يعاني اليوم من أزمات”. وبالنسبة للمصارف اللبنانية، فإن “رفع العقوبات عن المصارف الإيرانية لم يدخل حيّز التنفيذ بعد، لكن المصارف اللبنانية تنتظر رفع العقوبات بشكل كامل حتى تباشر بترتيبات التعاون”. ويأمل فتوح أن يكون للبنان “حصة كبيرة”.
التعاون المصرفي بين البلدين لن يبدأ بفتح فروع للمصارف اللبنانية في ايران، بل ان هذه الخطوة هي رهن بحجم التبادل الإقتصادي في كافة الميادين، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والعقارات والإتصالات، ومع إضطراد أرقام التبادلات، “يمكن للمصارف اللبنانية ان تفتح فروعاً لها في إيران، لتسهيل التبادلات، خاصة في حال وجود نسبة كبيرة من اللبنانيين هناك”.
النظرة الإيجابية للمصارف اللبنانية، تتقاطع مع نظرة المصارف العربية للإنفتاح الإقتصادي على إيران، إذ يشير فتوح الى ان تعاون بعض دول الخليج مع إيران كان قائماً، وأهم نموذج على هذا التبادل هو العلاقات الإيرانية الإماراتية، حيث يوجد الكثير من التجار الإيرانيين في دبي مثلاً. هذا يعني أن “المصارف العربية ستنفتح على إيران أيضاً”. لكن يبقى ان بعض الإستثناءات قد تحصل، كإمتناع بعض المصارف العربية عن تطوير علاقاتها المصرفية مع إيران لإعتبارات سياسية.
ويرفض فتوح أي إنتقاد للبنان في موضوع التعاون مع إيران، لأن كل العالم يتعاون اليوم مع إيران، وخصوصاً الأوروبيين، “فلماذا ممنوع علينا الإستفادة من هذا التعاون؟”.
الإنفتاح الإقتصادي اللبناني على إيران، سيساعد لبنان كثيراً، وهو فرصة للبنان أكثر مما هو فرصة لإيران نظراً للفارق الكبير في حجم إقتصاد الدولتين من جهة، ولتهافت المجتمع الدولي على التعاون مع إيران من جهة أخرى، والسير عكس هذا التيار سيكلف لبنان كثيراً. وعليه، ففي حال تخلّف لبنان عن اللحاق بقطار الإنفتاح الإقتصادي على إيران، سيضيّع فرصة الإستفادة، خاصة وأن الأوضاع الإقتصادية اللبنانية ليست على ما يرام، وهي تتأثر بشكل سلبي مع إستمرار الأزمة السورية.
التخلّي عن بعض الشعارات السياسية التي لم تُبنَ أصلاً على إلتزام سياسي مبدئي، لن يؤثر على الحياة السياسية اللبنانية، خاصة وان القرارات السياسية المصيرية لا تُتخذ في لبنان، وإنما في الخارج، إن على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وكِلا المحورين – الإقليمي والدولي – يتطلع اليوم الى تعاون مع إيران، فهل يُنكَر هذا التعاون على لبنان؟ قد لا يُنكر على لبنان تعاونه مع إيران إذا ما استمرت الجهود الرسمية بالنشاط على خط بيروت – طهران، والتي تدخل ضمنها زيارة وزير الإقتصاد والتجارة آلان حكيم الى طهران، للمشاركة في الدورة السابعة للجنة الإقتصادية اللبنانية- الإيرانية.