كتبت صحيفة “الأخبار”: أنجزت السلطة قراراً يقضي بإجراء الانتخابات البلدية في موعدها، من دون ان يفكّر أي من أركانها في إمكان تعديل قانون الانتخابات المتخلف. ولتمويل الاحتياجات الامنية والتوظيفية، لم تجد سوى صفيحة البنزين لفرض رسوم عليها”.
وأضافت: “حزم مجلس الوزراء أمره، وقرّر إطلاق صفارة إجراء الانتخابات البلدية. استفاقة ديمقراطية ستلقى، لا شك، استحسان الجمعيات والدول التي تحضّ على اللجوء إلى صناديق الاقتراع. فالمجلس منح أمس وزارة الداخلية الاعتمادات المالية اللازمة لإجراء الانتخابات في البلديات (والانتخابات النيابية الفرعية في جزين).
وهذا الامر ستقدّمه السلطة كإنجاز عظيم لها، بعدما قررت التمديد للمجلس النيابي ولاية كاملة على دفعتين. لكن أحداً من «رجال الدولة» لم يَسأل (وربما لم يُسأَل) عن طبيعة تلك الانتخابات وقانونها المتخلف المبني على نظام الاقتراع الاكثري. غالبية القوى السياسية تهرب من قانون عصري مبني على النظام النسبي في الانتخابات النيابية، خشية انكشاف أحجامها الحقيقية، ومنعاً لتسرّب قوى من خارج النظام الحاكم إلى المجلس النيابي. لكن أحداً منها لا يشرح سبب الهروب من النظام النسبي في الانتخابات البلدية، التي تُقام بمعظمها «داخل البيوت الطائفية». فلا خوف من اختراقات هنا أو هناك، إلا على أساس سياسي أو عائلي.
إلا أن هذا الاستسلام للقانون الانتخابي المتخلف مردّه إلى خشية النظام الحاكم من اكتشاف الناس أن الاقتراع وفقاً للنسبية هيّن لا يحتاج إلى شروحات معقّدة، وأنه يُظهر صحة التمثيل الشعبي، ويسمح بتمثيل الأقليات السياسية والطائفية والمذهبية، ويجعل التنافس الانتخابي أكثر تأثيراً في المجالس المنتخبة، إلا في البلدان التي يصرّ حكامها على «التجانس» في مجالسها المنتخبة، وحيث يُراد أن تكون صناديق الاقتراع سبيلاً لتعيين من يريدهم أولياء الامور”.
وتابعت: “الموعد إذاً بعد شهرين، سيكون مع انتخابات معلّبة. وفي ظل التحالف بين حزب الله وحركة أمل، وبين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، تكاد تنحصر المعارك الكبرى في بعض مناطق نفوذ تيار المستقبل، إضافة إلى وجود رغبة لدى بعض القوى المسيحية في أن تُثبت للعونيين والقوات أن تحالفهما ليس على صورة ثنائية حزب الله وحركة أمل، من ناحية الثقل الشعبي «الكاسح».
مجلس الوزراء ناقش أيضاً مسألة من خارج جدول الاعمال، طرحها وزيرا الداخلية نهاد المشنوق والأشغال العامة غازي زعيتر، تتعلّق بمطالب المنظمة الدولية للطيران المدني وبعض الدول الاوروبية التي تحضّ لبنان على تأمين سلامة مطار بيروت.
وأكّد الوزيران الحاجة إلى تجهيزات وتقنيات متطورة، ينبغي أن يحصل عليها لبنان، تصل كلفتها إلى نحو 50 مليون دولار أميركي. وبعدما أكّد وزير المال علي حسن خليل أن وزارة المالية غير قادرة على دفع هذا المبلغ، بسبب انخفاض إجمالي احتياطي الموازنة إلى نحو 300 مليار ليرة لبنانية يجب أن تكفي حاجة كل الوزارات طوال الأشهر الـ11 المتبقية من العام الجاري، اقترح وزير الداخلية زيادة مبلغ 3 آلاف ليرة على صفيحة البنزين على دفعتين (1500 ليرة كل مرة)، لتأمين المبلغ المطلوب.
وقالت المصادر إن هذا الاقتراح سبق أن طرحه وزير المال في اجتماع وزاري مصغر حضره رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الطاقة أرتور نظاريان، وهو اقتراح سابق لما كان طرحه الرئيس فؤاد السنيورة حيال زيادة 5 آلاف ليرة على صفيحة البنزين في جلسة الحوار الوطني الأخير، فلا علاقة بين الاقتراحين. وقال وزيرا الأشغال والداخلية إنه في حال لم تتأمن النفقات، فإنهما لا يتحملان أي تداعيات تترتب على أمن المطار، من دون توافر التجهيزات والتقنيات المتطورة تلك.
وتلفت مصادر وزارية إلى أن شهية غالبية القوى السياسية انفتحت على زيادة رسوم الاستهلاك على البنزين، بعدما انخفض سعر الصفيحة من نحو 37 ألف ليرة إلى 20 ألف ليرة، نتيجة تهاوي أسعار النفط في العالم.
ويحاول السنيورة استدراج خليل إلى مخالفة القانون، أسوة بما كان يفعله الاول في حكومته التي أنفقت من خارج القاعدة الاثني عشرية عبر سلف خزينة مخالفة للقانون والدستور، وتراكمت قيمتها حتى وصل مجموعها إلى نحو 11 مليار دولار، فيما يُصرّ خليل على عدم الإنفاق من دون تغطية قانونية يحصل عليها من مجلس النواب.
وفي آخر قانون حصل بموجبه على تغطية للإنفاق، أصرّ السنيورة وفريقه على عدم وضع أي مبالغ إضافية في احتياط الموازنة، تتيح للحكومة إنفاق أموال بصورة شرعية. فالسنيورة يريد استخدام سيف قانونية الإنفاق للحصول على تسوية تغطي كل مخالفاته.
وأمام هذا الواقع، وإزاء عجز السلطة عن التوجه إلى مجلس النواب لاستصدار قانون موازنة (لا يُعرف أن في العالم اليوم دولة غير لبنان لم تُصدر قوانين موازنة عامة على مدى 11 عاماً متتالية)، لم تجد القوى الحاكمة سوى الضريبة الأكثر مساساً بأصحاب الدخل المتدني، وهي الرسوم على المحروقات، في بلد لا نظام نقل عام «طبيعي» فيه.
بهذا المعنى، تبدو «تنكة البنزين» أقرب إلى «ملطشة» السلطة، تلجأ إليها كلما طُرحت أمامها مسألة مالية، مهما كانت بسيطة. كذلك يجري طرق باب المحروقات لمحاولة تحصيل الاموال اللازمة لتثبيت متطوعي الدفاع المدني ومتعاقديه.