موريس متى
فيما تنشغل البلاد بالاستحقاقات الدستورية الدّاهمة وأبرزها انهاء الفراغ في سدّة الرئاسة، لا تزال مسألة دستورية واجتماعية أخرى تشغل المالكين والمستأجرين على حد سواء تتعلق بدستورية قانون الايجارات الجديد، في تنازع واضح يشمل الحقوق والواجبات في هذه القضيّة التي رمى مجلس النواب مسؤولياتها إلى القضاء والمحاكم.
أعلن رئيس لجنة المحامين في لجان المستأجرين المحامي أديب زخّور صدور حكم قضائي عن القاضي المنفرد المدني الناظر بدعاوى الإيجارات في بيروت فاطمة جوني، بردّ دعوى تقدّم بها المدعي لمطالبة المدعى عليه بتعديل بدلات الإيجار وفق القانون الجديد، وأشار إلى ما ورد في الحكم عن “عدم سريان الانذارات المرسلة الى المستأجرين بدفع بدلات الايجار وعدم مفاعيلها المسقطة للايجارة وذلك لتوفر عناصر النزاع الجدي”، وبأنّ جوني “برّرت للمستأجر حقّه بعدم دفع البدلات لتباين الآراء القانونيّة والقضائيّة في فهم القانون وتفسيره وفي الضياع المتعلق بقابلية القانون للتطبيق وبنفاذه، والذي يخلق الشك في ذهن المواطنين عن توجب دفع الزيادات على بدلات الايجار ويبرر عدم دفعه لها، ولا تعطي تالياً الانذارات مفاعيلها المسقطة”.
وجاء في الحكم القضائي ايضاً أنّ المحكمة بدأت تطبيق القانون الجديد في أحكام صدرت عنها في الآونة الأخيرة، وأنّ هذا القانون حدّد الأصول الواجب اتّباعها عند تحديد الزيادة على بدلات الإيجار، وهذا الأمر يتطلّب إما حصول اتفاق رضائي بين المؤجر والمستأجر وإما صدور قرار عن المرجع القضائي المختص في شأن مقدارها وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 18، وحيث أنّه لم يصدر أي قرار قضائي في شأن الزيادة على الملف موضوع الدعوى، تبقى الزيادة المطالب بها من المدعية غير مستحقة بعد بذمّة المستأجر الذي من حقّه ألا يستجيب للمطالبة ببدلات منازع بمقدارها (…)، اذ “أنّ القانون لم يفرض عليه ذلك الا في حال تبلّغه تقرير التخمين المعدّ من خبيرين بناء على طلب المالك عملاً بأحكام المادة 18 بحيث يتعيّن عليه عندئد اما الموافقة على التقرير المذكور واما التقدم بتقرير تخمين مقابل، اما اذا لم يتبلغ أي تقرير خبرة من جانب المالك، كما هي الحال في اطار الدعوى الراهنة، فيبقى بامكانه في كل حين أن يتوسّل اما الاستعانة بالخبرة الفنيّة واما ولوج باب المرجع المختص من أجل تحديد تلك الزيادة”، وتابعت القاضية جوني الشرح بإسهاب عن الآلية المعتمدة في تطبيق الزيادة وفق القانون الجديد لعدم توافر شروطها.
وفي سياق متصل، ظهر تعميم أصدره وزير المال علي حسن خليل في 13 حزيران 2015 الى الوحدات المالية المعنية في الوزارة يطلب فيها عدم زيادة القيمة التأجيرية لبدلات الايجار المعقودة في ظل قانون الايجارات الجديد رقم 160/92 لحين صدور القانون التعديلي لقانون الايجارات تاريخ 8/5/2014، مستنداً بذلك الى رأي مجلس شورى الدولة في هذا الخصوص. وجاء في رأي مجلس الشورى المرسل الى وزارة المال بطلب منها إبداء الرأي في مشروع قرار الزيادة على بدلات الايجارات المعقودة قبل 23/07/1992: “بما أن سلامة التشريع تفترض عدم صدور اي نظام بصورة إستباقيّة لصدور القانون وفي الحالة الحاضرة قانون الايجارات، وأن هذا الاخير موضوع تعديل أمام اللجنة النيابية المشاركة وقد تم اقرار بعض هذه التعديلات، فضلاً على انه لا يجوز قانوناً ربط مدة العمل بأي قرار اداري لحين صدور تشريع معيّن كما جاء في مشروع القرار المقترح، بخاصة في ظل غياب اي نص قانوني يعطي الوزير هكذا صلاحية”. ورأى المجلس ضرورة التريث في اصدار مشروع القرار، مما شكل برهاناً جديداً للجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين، يثبت أن قانون الايجارات الجديد غير نافذ لكونه استند الى رأي مجلس شورى الدولة الذي يعتبر بمنزلة المجلس الدستوري. وفي هذا السياق، أطلقت اللجنة حملة للدفاع عن حقوق المستأجرين والمطالبة بإلغاء قانون الإيجارات الجديد ولتكريس الحق في السكن، ونشرت بعض الإرشادات على المستأجر اتباعها كنوع من الإجراءات الوقائية التي تحفظ، وفق اللجنة، حقوق المستأجر. ومن ضمن هذه الارشادات: “عدم الموافقة على استبدال عقد الإيجار الحالي أو إيصالات الدفع التي هي بحوزة المستأجر بأي عقد جديد قبل مراجعة محاميهم أو لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين، عدم الرضوخ أو التزام أي نتيجة حسابية بزيادات على بدلات إيجاراتهم، سواء أكانت عن الفترة السابقة أو المُقبلة إلا بعد استشارة المحامي أو اللجنة، عدم رفض تبلّغ أي إنذار مرسل بواسطة البريد أو الكاتب بالعدل وعند الاستلام ضرورة تسجيل تاريخ التبليغ مع كتابة عبارة “مع جميع التحفّظات لناحية عدم سريان قانون الإيجارات الجديد وعدم نفاذه”، ثم التوقيع. وبحسب الارشادات التي وزعتها اللجنة، وعند تبلّغ أي كتاب أو إنذار، على المستأجر الاتصال بها او بمحاميه لتحديد الإجراءات اللازمة لاتخاذها لأن مهلة الجواب محدّدة بشهرين من تاريخ التبليغ وهي مهلة قانونية مسقطة ومع انقضائها من دون الرّد يسقط حق المستأجر بالإيجارة. وفي حال رفض المالك قبض بدل الإيجار الحالي كما كان يدفعه خلال 2014 يُنصح بالانتظار حتى يُرسل الى المستأجر إنذاراً بذلك ليبادر ضمن مهلة الشهرين المُسقطة إلى إيداع البدل الذي كان يدفعه خلال 2014 لدى كاتب العدل في منطقة وجود المأجور مع إضافة عبارة: “علماً أن قانون الإيجارات الجديد معطّل وغير نافذ” وتوقيع المعاملة مع ذكر جملة “مع التحفّظ”. اما في ما يتعلق بموضوع الخبراء، فتشير لجنة الدفاع الى انه من المستحسن أن يتنصل المستأجر من كشف الخبراء، وفي حال لم يتمكن من ذلك، فان القانون يُلزم حضور خبيرين معاً أحدهما مهندس معماري أو مدني، والثاني خبير تخمين عقاري. وشددت على ضرورة ان يُبلّغ المالك المستأجر تقرير الخبيرين بواسطة كاتب العدل دون سواه والا اعتبر التبليغ باطلاً أصولاً، على ان يبادر المستأجر الى مراجعة محاميه او اللجنة التي أكدت ان جميع الاستشارات التي يجريها المحامون في مركزها مجانية.
من جهتها، أصدرت نقابة المالكين بياناً اعتبرت فيه أن “الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحاكم بجميع درجاتها تقرّ بنفاذ القانون، وهذه المسألة أصبحت خلفنا، وأنّ هناك أحكاماً بدأت تصدر وتتخطى مسائل الاسترداد للضرورة العائلية أو الهدم. وذكّرت بأنّ “المجلس الدستوري ردّ جميع أسباب الطعن وأبطل مادتين وفقرة من مادة ثالثة من القانون الجديد”.
وفي إطار مواز، أصدرت القاضية نادين ضومط في عاليه قراراً قضى بإعلان سقوط حق المستأجر المدعى عليه بالتمديد لعلة الترك سنداً الى أحكام الفقرة (و) من المادة 34 من قانون الإيجارات الجديد الصادر بتاريخ 8/5/2014، وهو من الأحكام الأولى التي تصدر عن قضاة الإيجارات وفق القانون الجديد بمنحى يختلف عن الأحكام السابقة في دعاوى الاسترداد للهدم أو الضرورة العائلية لقاء تعويض ماديّ.