أكثر من 50% من الورق والكرتون ونحو 30% من الزجاج الشفاف قابل لإعادة التدوير في لبنان، بحسب تقرير sweep net/20014 الذي يشير إلى إمكانية تصدير كميات المعادن كاملة المُستخرجة من النفايات البلدية. استناداً إلى هذه المعطيات، أعلنت «الحركة البيئية» ومجموعات الحراك وعدد من الجمعيات البيئية، أمس، رفضها خطة الترحيل، ودعت إلى المشاركة في التظاهرة، غداً، في ساحة رياض الصلح، للمطالبة بخطة تعتمد على الفرز والتدوير
هديل فرفور
كذّبت السلطة السياسية نفسها بنفسها. ملف النفايات «المُستعر» منذ نحو 7 أشهر لم يكشف حجم عجزها وتخبّطها وفسادها فحسب، بل أثبت قدرتها على المراوغة والتلاعب بمصالح المواطنين خدمة لمنافع المسؤولين فيها.
منذ «اندلاع» الأزمة، تجنّبت السلطة خيار الفرز بحجة عدم توافر الإمكانات، ليتبيّن بعد أشهر من تراكم النفايات في الشوارع والأنهار والحرق الممنهج والعبثي للنفايات، أن خطة الترحيل تنص على إعادة تشغيل معملي الفرز في الكرنتينا والعمروسية. وفيما كان يجري الحديث عن «استحالة» فرز النفايات في الشوارع، «أقرّ» وزير الزراعة المكلف معالجة الملف «المأزوم»، الشهر الماضي خلال برنامج «كلام الناس»، بأن 70% منها قابل للفرز.
منذ زمن، تقول الحكومة أن لا تمويل يكفي لإنشاء معامل فرز وتدوير، «فجأة بات علينا أن ندفع أكثر من نصف مليار دولار لترحيل النفايات لمدة سنة ونصف فقط!»، وفق ما قالت «الحركة البيئية» ومجموعات الحراك وعدد من الجمعيات البيئية والأهلية، أمس، خلال المؤتمر الذي عقد في مقر «الحركة».
المؤتمر المخصص لطرح توصيات عامة تحت عنوان «التدوير»، كان مناسبة لفضح كذب السلطة وتبيان «إمعانها» في تجنبها الحلول البيئية الصحية. يقول المستشار البيئي في «الحركة البيئية» أنطوان بو موسى إن «الوزراء قالوا للبيئيين إنّ من غير الوارد الحديث عن إنشاء المحارق في لبنان، قبل أن يتبيّن لنا أن خطة الترحيل تمهّد لفرض المحارق كحل طويل الأمد».
إلا أن «تكذيب» السلطة لم يكن فقط عبر مراجعة وعود «نُكث» بها، بل كان من خلال عرض معطيات خلص إليها المؤتمرون بعد عدة جولات قاموا بها لزيارة عدد من معامل الفرز والتدوير والتسبيخ، الخاصة والمملوكة من الدولة، من بينها معامل ممولة من الاتحاد الأوروبي، ومعظمها قابل للتشغيل «لكنه متوقف بسبب فساد إداري أو سياسي»، وذلك لتأكيد جدوى الخطة التي قدّمتها الحركة البيئية ومجموعات الحراك.
وبيّن المُشاركون أن بالإمكان تدوير 500 طن من الورق والكرتون من أصل 900 طن يومياً (أي أكثر من 50%)، مشيرين إلى إمكانية رفع هذه النسبة. كذلك من الممكن تصدير الكمية الكاملة من نسبة المعادن في النفايات البلدية، والمقدّرة بـ 300 طن يومياً، إضافة إلى أن من أصل 200 طن من الزجاج الشفاف يمكن إعادة تدوير 60 طن يومياً، مستندة إلى تقريرsweep net/2014.
ولفت البيان المُشترك الصادر عن المؤتمرين إلى أنه في 16 تشرين الثاني 2015، صدر عن وزارة البيئة تعميم يشير إلى أن 50% من نفايات لبنان هي نفايات عضوية، وأن 35% نفايات قابلة للتدوير، «ما يعني أن جزءاً كبيراً من النفايات المُنتجة يمكن معالجتها على الأراضي اللبنانية بطرق صحية وبيئية، إلا أنه لا إرادة سياسية وجدية».
في 25 كانون الأول 2016، وضعت «الحركة البيئية» وعدد من الجمعيات البيئية توجّهات عامة لاتخاذ تدابير لمواجهة أزمة النفايات، موقّعة من 220 جمعية بيئية وأهليّة.
تتضمّن هذه التوجهّات إنشاء خلية أزمة في كل قضاء تختار مواقع لتخزين النفايات المتراكمة بالشوارع منذ 7 أشهر بطريقة صحية تضمن عدم تسربها إلى المياه الجوفية، على أن تُفرَز بعد فترة.
وعلى هذه الخلايا أن تجد مواقع كسارات ومرامل من المفترض إعادة تأهيلها، وذلك لاستقبال العوادم، وتستطيع الاستعانة في هذا الصدد باللائحة المُعدّة من قبل مجلس الإنماء والإعمار عام 2002.
إضافة إلى تشكيل الخلايا، تنص التوجهات على تشغيل معامل الفرز والمعالجة وتطويرها، «خصوصاً الممولة والمتوقفة عن العمل، ويبلغ عددها 19 معمل فرز وتسبيخ، بحسب دراسة sweep 2014»، فضلاً عن إنشاء معامل جديدة «كلفتها أقل كثيراً من كلفة الترحيل»، على أن يُبدأ بعمليات الفرز والتسبيخ وبيع المواد المُفرزة القابلة للتدوير وتوزيع المواد العُضوية المُعالَجة كمحسّن للتربة.
وبحسب المنظّمين الذين تبنوا هذه التوجهات واعتبروها «المدخل الصحيح للحلّ»، فإن هذه التوجهات تعتبر مقبولة بيئياً «لأنها لا تعتمد على الطمر الكلي، ولا الحرق الكلي، ولا على الترحيل الكلي للنفايات»، كذلك هي مقبولة اقتصادياً «لأنها مبنية على مبدأ إدارة الموارد والاستفادة منها»، وبالتالي الأموال التي توافرت «يمكن استخدامها لتمويل مطالب محقة كسلسلة الرتب والرواتب وتثبيت متطوعي الدفاع المدني».
إلا أن المعضلة الأساسية لم تكن يوماً عدم حيازة السلطة للحلول البيئية والصحية، المُشكلة كانت في تجنّب هذه الحلول، من هنا كانت الدعوة إلى المشاركة في التظاهرة المقررة غداً، في ساحة رياض الصلح للمطالبة بخطة تعتمد على الفرز والتدوير. يقول أبو موسى: «نريد أن نقول للناس إن المُتظاهرين الذين تمت شيطنتهم يعملون على حل بيئي، وبالتالي إقناعهم بدعم مسار الاحتجاج»، فيما يقول رئيس الحركة البيئة بول أبي راشد إنه «وجب علينا أن نوضح أننا الإيجابيون في هذا الملف، وأنهم من قام بعرقلة الحلول»، لافتاً إلى أن «خطوة محاسبة من يقوم بالحرق العشوائي جيدة، إلا أن الأجدى هو محاسبة من سبّب انتشار هذه الحلول العبثية عبر عرقلة الخطط البيئية».