IMLebanon

عملية “سيدار” ضد “حزب الله” في باريس

 

hezbollah money

 

 

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

«سيدار» هو إسم العملية التي نفذتها السلطات الفرنسية قبل نحو أسبوع، وأسفرت عن توقيف أربعة لبنانيين متهمين بإدارة شبكة مالية لمصلحة «حزب الله». وبعد إخلاء سبيل أسامة فحص لعدم كفاية الأدلة، إستمر حجز اللبنانيين الثلاثة الباقين محمد نور الدين ومازن الأتات وعلي زبيب في سجن «فرين» الفرنسي الواقع في أحد ضواحي باريس، ثم لاحقاً تم نقلهم الى سجن آخر .لم يتم إبلاغ السفارة اللبنانية بأسماء الموقوفين الأربعة ونوعية التهم الموجهة اليهم إلّا صباح يوم الإثنين الفائت، أي بعد مرور ٤ أيام على توقيفهم. وهذا تأخير يجيزه القانون الفرنسي الذي يمنح سلطات الأمن بموجب صيغة التوقيف الإحتياطي، الحق في توقيف أي شخص توجد بحقه مذكرات دولية – كما هو حال الموقوفين اللبنانيين الأربعة – لمدة ٤٨ ساعة، ثم يضاف اليها ٤٨ ساعة إضافية فيما لو أظهرت التحقيقات شبهات مادية عليه، وخلال هذه الفترة المصنفة بأنها توقيف إحتياطي، يُحرم الموقوف من الإتصال بعائلته أو بسفارة دولته، ويحق له فقط إصطحاب محام معه منذ لحظة توقيفه. ولم يُعرف ما اذا كان اللبنانيون الأربعة استفادوا من حقهم بحضور محاميهم أثناء فترة توقيفهم الإحتياطي.

وأبعد من شكليات إجراءات التوقيف الإحتياطي التي خضع لها الموقوفون اللبنانيون الأربعة ، فإن عملية « سيدار» ترسل رسالة أميركية بأن واشنطن ماضية قدماً في تزخيم «حربها الناعمة» ضد «حزب الله» والتي يبدو أول مؤشراتها العملية هو تصويت الكونغرس الأميركي قبل نحو شهرين على القانون الأميركي الجديد المتعلق بمكافحة تمويل «حزب الله» والذي تميّز بتحويل تصنيفه من « منظمة إرهابية» الى « منظمة إجرامية».

وتسلّط عملية « سيدار» بحسب مصادر مواكبة أضواء جديدة على خلفيات و طبيعة هذه الحرب الأميركية الناعمة ضد «حزب الله»، وذلك كما صمّمتها ثلاث جهات: اللجان ذات الإختصاص في الكونغرس الأميركي وجهاز الإستخبارات المالية في وزارة الخزانة الأميركية وجهاز ال DEA الأميركي الخاص بمكافحة المخدرات وتبييض الأموال.

ويتم التأشير في هذا المجال الى المعطيات التالية:

أولاً- « سيدار» هي أول عملية توقيف تتم خارج لبنان بموجب مذكرات دولية صادرة عن القضاء الأميركي بحق لبنانيين متهمين بتمويل «حزب الله». ويظهر الجانب القانوني المستندة اليه عملية التوقيف، أن هذه المذكرات يُعمّمها القضاء الأميركي إما عبر الإنتربول أو عبر إبلاغها من قبله لهيئات القضاء المماثلة له في الدول الأخرى.

واللافت أن هذه الآلية المتبعة من القضاء الأميركي عبر كل دول العالم( ما عدا سوريا وإيران وروسيا ) لا توفر للوزراء والنواب اللبنانيين أي نوع من الحصانة ضد توقيفهم في الخارج. وحدهم الدبلوماسيون المعتمدون من قبل لبنان في سفارته في الخارج يتمتعون بحصانة عدم توقيفهم.

ثانياً- وتُظهر المسوغات القانونية التي تم اعتمادها لتوقيف اللبنانيين الأربعة أن القانون الجديد للكونغرس الذي يُشرّع وينظّم آليات «الحرب الناعمة» الأميركية الراهنة ضد «حزب الله» ، يعطي القضاء الأميركي في مجال مكافحة تمويل «حزب الله»، مفاعيل تطبيقية عالمية وليس فقط داخل أميركا.

يكفي أن يُصدر القضاء الأميركي مذكرة توقيف بحق أي « مشتبه بعلاقة مع الحزب» حتى يتم تنفيذها في أي دولة في العالم لديها إتفاقات تبادُل تطبيقات القرارات القضائية مع أميركا، وذلك تحت طائلة أن واشنطن ستعاملها بالمثل في حال لم تفعل ذلك.

وتراهن واشنطن أن يؤدي تزخيم تطبيقات قانون الكونغرس عبر العالم التي بدأت مع توقيف اللبنانيين الأربعة في باريس، الى تشديد الحصار المالي على «حزب الله» وبالأخص على بيئته الحاضنة ومنحها الإحساس بأنها مطاردة والأنفع لها قطع أي علاقة لها بالحزب .

وضمن هذه الجزئية تجدر الإشارة الى ان القانون الفرنسي يمنح الموقفين الأربعة حق المطالبة بترحيلهم الى لبنان لمحاكمتهم بالتهمة نفسها، وذلك لمنع ترحيلهم الى أميركا لمحاكمتهم هناك كما تطالب واشنطن. وسيطرح هذا الأمر خلال أسابيع إشكالية جدلية سياسية داخل لبنان، فيما لو امتنع لبنان عن مساندة طلب مواطنيه الموقوفين في فرنسا بمحاكمتهم في لبنان.

ثالثاً- تُظهر الوقائع القانونية المتصلة بعملية سيدار بأن قانون الكونغرس الأخير الذي تعمّد نقل تصنيف الحزب من»منظمة إرهابية « الى» منظمة إجرائية « كانت له مقاصد عملية بعيدة.

فالحزب أصبح ومن وجهة نظر القانون الأميركي منظمة إجرامية، وعليه لم تعد التقارير التي تحرك القضاء الأميركي ضده عبر العالم، تستند الى مسوغات سياسية لا يوجد إجماع دولي عليها، بل أصبحت مسوغات جنائية عابرة لاختلافات المواقف السياسية بين دولة واُخرى.

واستتباعاً لهذا الأمر يلاحظ مثلاً أن التقارير التي باتت تُحرّك القضاء الأميركي ضد «حزب الله»، لم تعد تصدر عن «السي اي اي « أو «اف بي اي» ، بل عن جهاز( DEA وهو جهاز مكافحة تبييض الأموال والمخدرات).

وهذا الأمر يعطي ملاحقة أميركا عبر العالم لحزب الله بُعداً إجرامياً وليس سياسياً. وكان لافتاً بحسب معلومات تردّدت بعد توقيف اللبنانيين الأربعة في باريس، بأن الجهة التي لفتت عناية القضاء الأميركي لعلاقتهم بحزب الله هي DEA.

رابعاً- تلفت مصادر مطلعة الى أن «الحرب الناعمة» التي أطلقها قانون الكونغرس الأميركي الأخير ضد «الحزب»، مكّنت واشنطن من بناء

«ترسانة حرب عقوبات ضخمة ضد الحزب» تعتمد على الأعمدة التالية:

 

أ- إنشاء تشريعات تؤدي الى تفعيل نفوذ القانون الأميركي ضد «الحزب» عبر العالم.

ب- تفعيل الإدارات الرسمية الأميركية الفيدرالية ( غير «السي اي اي «و» اف بي اي») التي تُعنى بمكافحة الجريمة الدولية لأخذ دورها في فرض الحصار المالي على الحزب إنطلاقاً من توجيه تهم جنائية له وليس سياسية.

ج- تفعيل قانون فتكا في لبنان. ( صادَق عليه مجلس النواب اللبناني قبل أسابيع) الذي يجعل المصارف اللبنانية جزءاً من «الحرب الناعمة» لتجفيف مصادر تمويل «الحزب». تجدر الإشارة الى أن كل محاولات لبنان الأخيرة لتنظيم العلاقة بين وزارة الخزانة الأميركية والمصارف اللبنانية عبر المصرف المركزي اللبناني، فشلت، نظراً لحرص أميركا على إبقاء علاقة مباشرة بين كل مصرف في لبنان على حدة مع الخزانة الأميركية.

وبموجب ذلك استحدث كل مصرف لبناني في داخله قسماً جديداً تحت مسمّى» مديرية المواءمة»، ويقع إختصاصها بالتدقيق بمواءمة أي حساب جديد أو عملية مصرفية مع القوانين الأميركية ذات الصِّلة بمكافحة التهرّب من الضرائب في أميركا وتمويل «حزب الله».

د- تضغط واشنطن بالتوازي مع إجراءتها الآنفة من أجل ضبط عمل «الكنتوارات المالية» في لبنان وغير دولة في العالم . والهدف من ذلك منع «حزب الله» في لبنان من إنشاء نظام مالي موازٍ للنظام المصرفي اللبناني يستطيع من خلاله نقل أمواله.

وبموجب ما هو مطلوب أميركياً في هذا السياق، فإن أي كونتوار لم يعد يستطيع أن يدين أكثر من ستين بالمئة من قيمة الضمانة الممنوحة له مقابل الدين. وحالياً يشهد لبنان بداية توجّه لتطبيق هذه الشروط المستجدة على شروط الدين في الكونتورات المالية.

ه- بموجب القانون الجديد للكونغرس المعتمد حالياً لتعقّب أموال «الحزب»، سيكون على الإدارة الأميركية بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ صدوره، أن ترفع للكونغرس تقريراً عن المهمات العملية التي تم تنفيذها ضد شبكة أموال «حزب الله» وعن اقتراحات إضافية. ومن ثم يصبح على الإدارة الأميركية أن ترفع تقريراً شهرياً عن مدى التقدّم المتحقق في هذا المجال.

وبعد ٦ أسابيع تنتهي فترة الأشهر الثلاثة، ويحين موعد رفع أول تقرير للإدارة الأميركية للكونغرس حيث يتوقّع أن يوصي بإجراءات جديدة ضد «الحزب» منها تشديد الرقابة على الكونتوارات المالية المشتبه بها، وفرض حصار إعلامي على «الحزب» وتجميد أموال الشركات التي تتعاقد إعلانياً مع «قناة المنار» أو حتى الأشخاص الذين ينشرون إعلانات فيه.