غياب السياسة الضريبية الشاملة والمتكاملة في لبنان جعل من غالبية الضرائب مجرّد ثقل إضافي على كاهل المكلّفين، ومورداً مالياً للخزينة العامة من دون أن تحقق الهدف الذي وضعت لأجله، ومن دون أن يقابلها أي تقديمات أو خدمات اجتماعية أو خدمات عامة كافية للتعويض عن تراكم الضرائب المفروضة على المواطنين.
وليس غياب السياسة الضريبية الشاملة وحده ما أفقد بعض الضرائب مضمونها، إنما وجود أو ترك منافذ في قوانينها تسمح لشرائح من المكلّفين بخرقها أو الإلتفاف عليها، ما يعني التهرّب من سدادها. وإذا أخذنا الضريبة على القيمة المضافة مثالاً (TVA) فإنها منذ إقرارها في العام 2001 تشوبها بعض الثغرات أو بعض الشروط التي يسهل التسلل من خلالها والتهرب من سدادها، وأهمها بند استرداد الضريبة.
وللمرور على الضريبة على القيمة المضافة، فإنها ضريبة غير مباشرة تُفرض عند استهلاك الأموال وتقديم الخدمات من قبل شركة، مؤسسة أو فرد، وهي ضريبة على الاستهلاك، تتميز بتوزيع العبء الضريبي على أكبر عدد ممكن من المكلّفين، ولا تحصره بالفئة العاملة من المجتمع، كما انها لا تفرض على الاستثمار والتوفير، إذ يمكن حسم الضريبة التي أصابت الاستثمارات والأصول الثابتة من الضريبة المتوجبة.
يخضع للضريبة على القيمة المضافة كل شخص يمارس بشكل مستقل نشاطاً تجارياً او صناعياً او يدوياً او مهنة ما، ويقوم على الأراضي اللبنانية بإحدى او بعض العمليات التالية: تسليم اموال وبشكل خاص بيع اموال منقولة، تقديم خدمات لاسيما في مجال الفندقية والمطاعم والإستشارات والخبرات والهندسة والإعلانات… واذا تبين له بأن رقم أعماله العائد لاربعة فصول متتالية قد تجاوز مبلغاً معيناً منصوصا عنه في القانون وهو 500 مليون ليرة لبنانية.
وتعفى من الضريبة على القيمة المضافة العمليات المتعلقة بالقطاعات التالية: الصحة، التربية، التأمين والمصارف، العاب المراهنة، نشاطات الجمعيات التي لا تتوخى الربح، بيع عقارات مبنية وايجار عقارات مبنية سكنية، النقل الجماعي للأشخاص، تسليم الذهب الى المصرف المركزي، المزارعون بالنسبة لتسليم محاصيلهم الزراعية في حالتها الطبيعية. ويعفى أيضا من الضريبة على القيمة المضافة، تسليم بعض السلع التي تعتبر من الأولويات، مثل الأدوية والخبز والطحين والسكر والكتب الخ…
كما تعفى ايضاً عمليات التصدير الى خارج البلاد، وفقا لمبدأ فرض الضريبة في بلد الوصول، مع الميزة في أنها تتيح حق الحسم، اي بإمكان الخاضعين المطالبة بالضريبة التي أصابت الأموال أو الخدمات المكتسبة لحاجات نشاطهم.
ويحتسب كل شخص خاضع للضريبة، المبلغ المتوجب على مجموع مبيعاته لكل فترة مالية (مبدئياً كل شهر)، ويحق له ان يحسم من قيمة هذه الضريبة، الضريبة التي تحمّلها خلال المدة نفسها للحصول على الاموال او الخدمات الضرورية لحاجات نشاطه، ويسمى ذلك حق الحسم، ولا يمكن ممارسة هذا الحق، إلا إذا كان الشخص الخاضع يقوم بعمليات خاضعة بدورها للضريبة او معفاة مع حق الحسم(zero-rated)، كعمليات التصدير.
حق الحسم هو بيت القصيد، وهو ما يُعرف باسترداد الضريبة ويتم بطريقتين، الأولى عند وقوع خطأ ما في فواتير الإستيراد، فيتم استرداد الضريبة بعد تقديم اعتراض من قبل المكلّف، والثانية عندما يقوم التاجر بدفع الضريبة على البضائع المستوردة في حين أنه لم يستوفها من المستهلكين أي أن البضائع لم تُستهلك أو تُصدّر بأكملها، حينئذ يلجأ التاجر المكلّف الى وزارة المال ويقدم فواتيره بالبضائع المستوردة التي لم يتم تصريفها ويسترد ما دفعه من TVA عليها.
وهنا لا بد من السؤال عن البضائع التي لم يتم تصريفها خلال عام واسترد التاجر الضريبة المدفوعة عليها، والجواب يأتي على لسان رئيس الجمعية اللبنانية للضرائب سركيس صقر، وهو أن البضائع تبقى في حوذة التاجر المكلّف ويمكنه تصريفها في العام التالي للاستهلاك المحلي أو للتصدير من دون أن يكون قد تكلّف عليها أي ضريبة. وهنا يؤكد صقر في حديثه لـ “المدن” على ضرورة التشدد من قبل وزارة المال في فواتير التجار لاسيما الكبار منهم. ويخلص صقر بالقول إن الضريبة على القيمة المضافة بالشكل الذي تم تطبيقها به في لبنان غير منطقية وغير منصفة.
وبالإشارة الى ثغرة أخرى للضريبة على القيمة المضافة، فقد تم تحديد قيمة الأعمال الخاضعة لها بـ 150 مليون ليرة، الأمر الذي يخلق تنافساً غير مشروع بين الصناعيين والتجار مع تهرب بعضهم من التصريح عن حجم الأعمال الحقيقي وفبركة فواتير استيراد مخفّضة.