سلوى بعلبكي
عند تراجع الأداء الاقتصادي، كما هي الحال اليوم، تتركز الأنظار على أوضاع السوق المالية باعتبارها من أهمّ الاقنية لتمويل المشاريع الاقتصادية بشروط ملائمة ودفع الاقتصاد الى النموّ. ولكن ظاهرة ضعف الاسواق المالية مزمنة في الاقتصاد اللبناني وفق ما يقر المعنيّون، لذا كان لا بد من انشاء هيئة للإرتقاء بهذه الاسواق وتوفير بيئة إستثمارية جاذبة تحظى بثقة المستثمرين.
السوق المالية النشطة يمكن أن تساعد في تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشجع على اطلاق مشاريع جديدة في مختلف المناطق، مما يساهم في رفع وتيرة النموّ الاقتصادي وتوفير الوظائف وكبح الفقر. كما تتيح هذه السوق تفعيل الشراكة وتطويرها بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي يساعد على تفعيل الاستثمارات العامّة الكبيرة وتحديث الخدمات العامّة وجعلها تواكب تطوّرات العصر. إلا أن السوق المالية في لبنان لا تزال ضعيفة مقارنة بالاسواق العربية والعالمية. ويعزو الخبير الاقتصادي الدكتور غسان العياش ضعف الاستثمار في الأسهم المدرجة في البورصة إلى عوامل عدة “أهمّها ضعف الثقة بمؤسّسات صغيرة تهيمن على السوق اللبنانية وتدار بشكل فردي وعائلي بعيدا عن الرقابة الجدّية، إضافة إلى ضعف ثقافة الاستثمار في البورصة واعتباره لدى قطاع واسع من الرأي العام أنها وسيلة للمضاربة وليس للاستثمار”.
من هنا كان اطلاق هيئة الأسواق المالية بغية المساعدة في تنظيم الأسواق المالية والإشراف عليها. هذه الهيئة التي أنشئت بموجب القانون رقم 161 تاريخ 17/8/2011، تتمتع بصفتها هيئة تنظيمية بالإستقلال الإداري والمالي، ولها هدفان أساسيّان: تشجيع الأسواق المالية وتطويرها، وحماية الإدخار الموظف في هذه الأسواق من أي تلاعب أو غش قد يحصلان، بالتعاون والتنسيق بين مختلف القطاعات المعنية. ووفق النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان سعد العنداري، لدى الهيئة البنية التحتية والقانونية، وباتت تملك الاستعداد للمباشرة بالعمل. في المقابل، يقر أن الهيئة الناظمة للأسواق في حاجة الى اسواق. أمام هذا الواقع، برز توجه متطور لحاكم مصرف لبنان “بدعم تمويل الرسملة وليس الدين ليبدأ الشباب بالعمل عبر تشجيعهم بتغطية المخاطر التي يمكن أن تواجه مشروعهم، وتالياً عندما ينمو المشروع سيصبح مؤهلاً أن يدرج كشركة في البورصة”. ولكن هذا الامر برأي العنداري تراكمي ويتطلب وقتاً، ولا يمكن ان يحصل بين ليلة وضحاها. ويأمل في أن نرى خلال 10 سنوات “شركات ناشئة في الاسواق المالية، وحينها يمكن أن نقول أنه اصبح لدينا اسواق مالية وذلك عبر المشاريع الجديدة التي ندعمها”.
يمنع ضعف السوق المالية اللبنانية وفق ما يقول العياش من إتاحة الفرص للاقتصاد، فهي “أضعف أسواق المال العربية، إذ أن ثمة 29 شركة فقط مدرجة في بورصة بيروت القيمة السوقية لأسهمها تبلغ نحو 9 مليارات دولار، اي ما يعادل 21% من الناتج المحلي، وهو من أضعف المستويات العربية والعالمية. فكل مؤشرات نشاط البورصة تبيّن ضعفها استناداً الى كل المعايير. في المقابل هناك مخزون كبير لسندات الدين الحكومية بالليرة والعملات الأجنبية يمتص سيولة كبيرة كان يمكن، لولا أوضاع الدولة والاقتصاد، أن تجيّر لتمويل المشاريع العامّة والخاصّة عبر البورصة”.
والمعلوم أن بورصة بيروت هي أقدم البورصات العربية، أنشأها الانتداب سنة 1920 لتمويل المصالح والخدمات الكبرى التي نفذتها فرنسا عندما تولت الوصاية على لبنان الحديث النشأة، لذا يأسف العياش أن تصبح، رغم قدمها، “أضعف البورصات العربية على الإطلاق. فإذا قارنا القيمة السوقية للأسهم المدرجة في بورصة بيروت مع القيمة السوقية لأسهم البورصات العربية نجد أنها تساوي حاليا 40% من القيمة السوقية لأسهم بورصة عمّان و14% لأسهم مصر، و9% لأسهم بورصتي الكويت ودبي و5% من قيمة أسهم قطر و2% من قيمة أسهم السعودية. وإذا كانت هذه المقارنة لا تأخذ في الاعتبار الفوارق بين حجمي الاقتصاد اللبناني والاقتصادات العربية، فإن نسبة القيمة السوقية للأسهم إلى الناتج المحلي هي في لبنان الأضعف عربياً مقارنة بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ناهيك بالدول الصناعية المتقدّمة”.