كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
يقول وزير الداخلية نهاد المشنوق إنه “انتزع” من مجلس الوزراء قرار إجراء الانتخابات البلدية وفرعية جزين النيابية. سيصحّ هذا الأمر قولاً وفعلاً إذا فتحت الصناديق في موعدها، وليس بمجرّد إقرار بند التمويل ومسارعة وزير المالية علي حسن خليل الى التأكيد عبر صفحته على “تويتر” أنه سيصرف الاعتمادات المطلوبة لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية.
لأسباب كثيرة، خصوصاً لدى الفريق المسيحي، ثمّة خشية من “تهريبة” تؤجّل الاستحقاق لمدة محدّدة الى حدّ التخوّف من “افتعال مشكل” أو “فتّيشة” تؤدّي غرضها المطلوب فتُدخِل المجالس البلدية والاختيارية نفق التمديد.
تقدّم فرعية جزين، في حال حصولها بمقوّمات المعركة الكاملة، نموذجاً عن تحوّل المعطى الأمني، بهمّة السلطة، من معرقل ومانع للانتخابات الى حاضن وحام للصناديق.. لكن عمليا، حتى في حال السير بخيار الانتخابات فإن جزين اليوم غير جزين بالامس. التحالف السياسي الرئاسي بين الرابية ومعراب غيّر كل الموضوع.
تنافست في انتخابات عام 2009 ثلاث لوائح مكتملة على ثلاثة مقاعد. لائحة “التيار الوطني الحر” (زياد اسود، عصام صوايا وميشال حلو)، لائحة الرئيس نبيه بري (سمير عازار، انطوان خوري، كميل سرحال)، ولائحة “14 آذار” (ادمون رزق، فوزي الاسمر، عجاج حداد).
يبلغ عدد الناخبين في قضاء جزين نحو 55 ألف ناخب، (شارك عام 2009 في الاقتراع 29225 مقترعاً)، وقد نال مرشحو لائحة عون معدلاً وسطياً من أصوات المسيحيين بلغ 54%، ولائحة “14 آذار” 25%، ولائحة عازار 16%.
في الدورة الماضية وزّع “حزب الله” أصواته بين حليف حليفه سمير عازار الذي نال 85.9% من البلوك الشيعي، فيما نال سرحال وخوري نسبه 42%. أما أسود وصوايا من لائحة “التيار”، فنالا نحو 52% من الصوت الشيعي، في مقابل النائب حلو الذي حظي فقط بـ13% من الصوت الشيعي.
“الرقم الشيعي” الهزيل لحلو هو الدليل الذي يرفعه العونيون اليوم بوجه النائب سليمان فرنجية الذي يروّج بأن الصوت الشيعي في جزين هو الذي “نجّح” نواب ميشال عون.
لكن هذه الخريطة لم يعد بالإمكان الركون اليها في حال المضيّ بالمعركة الانتخابية في جزين. لا الاصطفافات هي نفسها ولا التحالفات، باستثناء ثابتة واحدة: الصراع “الازلي” بين ميشال عون ونبيه بري!
يوحي “التيار الوطني الحر” في جزين اليوم، وهو القوة الانتخابية الاكبر في القضاء يليه “القوات اللبنانية”، أن لا شيء محسوما بعد وثمّة تخوّف من التأجيل في آخر لحظة. ميشال عون سيجتمع في الساعات المقبلة مع “مفاتيح” المناطق ليتباحث معهم في الملف البلدي، كما في فرعية جزين.
أما في حال السير بخيار الانتخابات، فإن مطّلعين يتوقّعون ان يكون خيار التزكية من ضمن الاحتمالات الواردة، وهذا دونه بعض الحواجز:
– هل ستقبل “القوات” بتسليف الرابية هذه الورقة على أمل التعويض في بقعة انتخابية أخرى. صحيح ان “القوات” ليس فريقا يشكل “بعبعا” انتخابيا للعونيين في جزين، لكن السير بخيار التزكية هو تجيير صريح لورقة لا بدّ أن تنال معراب مقابل لها في مكان آخر.
– هل سيمشي الرئيس نبيه بري بهذا الخيار في عزّ الخلاف السياسي والرئاسي بينه وبين العماد ميشال عون؟ مع العلم ان “حركة أمل” تحالفت مع “القوات اللبنانية” في جزين في الانتخابات البلدية الماضية. المعطيات تفيد في هذا السياق أن القرار بشأن جزين هو قرار مشترك بين “حزب الله” وبري، وقد يكون متّخذا سلفا، فيما يشير بعض المطلعين الى ان ترشيح نجل سمير عازار المحامي سمير عازار قد يكون واردا بقوة من باب استغلال الفرصة لـ “عدم إغلاق بيت آل عازار نيابيا”، وبالتالي منع تحجيم دور بري في المنطقة.
– ماذا عن القوى المسيحية الاخرى على رأسها “الكتائب” مع العلم ان لا ثقل انتخابيا كبيرا لها في القضاء، لكنها بكل بساطة تستطيع ان تعاند وتسير بمرشّح آخر يواجه مرشح “التيار الوطني الحر” أمل بو زيد الذي يقول العونيون إنه مقرّب من “القوات” ايضا؟
موقف “القوات” واضح وصريح حيال الانتخابات، مع تذكيرها بأن الموضوع لا يستأهل الحديث عن “انتزاع” قرار إجراء الانتخابات من مجلس الوزراء، فالمسألة لا تعدو كونها مجرد نقل اعتماد لتمويل البلديات لا أكثر ولا أقل في ظل إيحاء كل القوى السياسية أنها مؤيّدة لهذا الخيار.
وتشدّد أوساطها على ان الانتخابات البلدية، كما الفرعية في جزين، قد لا تكون محسومة بالرغم من الضغط المسيحي الكبير لإجرائها، ليس فقط من باب اختبار ورقة التفاهم مع “التيار الوطني الحر” بل ايضا تأمينا للديموقراطية والتزاما بالاستحقاقات.
تضع “القوات” في حسابها ان بعض القوى السياسية الحالية ليس لديها مصلحة فعلية في فتح ابواب مغلقة عليها، تبدأ بالعشائر ولا تنتهي بحسابات الزواريب وبعدم القدرة ربما على المونة على جمهورها في بعض البلديات الكبيرة والمؤثّرة!
في موضوع التزكية، وقبل التفاهم مع “التيار البرتقالي”، كان رأي “القوات” الصريح أن لا تحصل ترشيحات مضادة في مقابل مقعد شاغر بسبب وفاة. ويقول أحد نواب “القوات”: “ليت العونيين يختارون مرشّحا لديه قيمة قانونية وسياسية يخلف الراحل ميشال الحلو ويرضيه”. وماذا عن التحالف الانتخابي في جزين يردّ “لم نحدّد موقفنا بعد”.
قيادة “الكتائب” بدورها لم تتّخذ موقفا نهائيا من المسألة بعد، وستحضر انتخابات جزين على طاولة المكتب السياسي يوم الاثنين المقبل. وتشير أوساط كتائبية في هذا السياق الى “اننا سنتواصل مع من تبقى من حلفائنا”، مشيرة الى “ان ليس جزين البقعة المثالية لاختبار أول مؤشرات التحالفات الانتخابية بين عون وجعجع. فالجو من فوق شيء، ورأي القاعدة في جزين في مكان آخر تماما”.
و “الكتائب” الذي دعم إدمون رزق عام 2009، يتعاطى مع خيار التزكية بمنطق “السلّة المعلّبة” التي يرفضها حكما “وكأنهم يقولون لنا نحن رابحون سلفا، فيما عليهم ان يكتشفوا بأنفسهم حجمنا والرقم الذي يمكن ان نسجّله في الصناديق، الذي قد لا يوصل مرشحنا، لكنه بالتأكيد يعكس حضورنا الذي عزّزناه في جزين خلال الفترة الماضية”.