هو مسار «التملّص» نفسه يُستكمل في تحديد ما إذا كان قانون الايجارات الجديد نافذاً أو لا، أو ما إذا كان قابلاً للتطبيق بأجزائه غير «المُبطلة». هذا المسار «افتتحه» قرار المجلس الدستوري المتخذ في 6/8/2014 الذي أبطل المواد المتعلّقة باللجنة الخاصة لتحديد بدل المثل للمأجور أو لبتّ أحقية المستأجر القديم في الاستفادة من مساعدة مالية (المادتان 7 و14 والفقرة ب 4 من المادة 18)، من دون أن يحدّد ما إذا كان يعدّ القانون نافذاً أو لا.
«الإرباك» الذي خلّفه القرار تُرجم عبر اجتهادات قانونية متناقضة حول نفاذ القانون وعدم النفاذ. نقل «طرفا النزاع»، المستأجرون القدامى ومالكو الابنية المؤجرة القديمة، نزاعهم الى القضاء الذي بات «يُنتج» أحكاماً قضائية متناقضة، على غرار اجتهادات القضاة المتناقضة. مجلس القضاء الأعلى تجنّب إعطاء رأي موحد في هذا الصدد، وترك الاجتهاد للقضاة بحجة «عدم إمكانية إلزام القضاة»، وفق ما صرّح به رئيس المجلس القاضي جان فهد إلى «الأخبار» سابقاً. إلا أن فهد نفسه كان قد شدّد على أهمية «الامن القضائي» القائم على ضرورة توحيد الاجتهاد والمساواة بين المواطنين في أحكام التقاضي. وبالرغم من ذلك، لم يُعلن المجلس أيّ رأي في هذه القضية الطارئة، وترك الفوضى تستفحل في قرارات القضاة وأحكامهم.
منذ أيام، «برز» رأي استشاري لمجلس شورى الدولة يوصي بالتريث في إصدار مشروع قرار وزارة المالية زيادة القيمة التأجيرية على ضريبة الاملاك المبنية لبدلات الايجار المعقودة في ظل قانون الايجارات رقم 160/92 إلى حين صدور القانون التعديلي لقانون الايجارات الجديد. وكان وزير المالية قد أصدر قراراً في 4 حزيران 2015 يطلب فيه من الوحدات المالية المعنية بضريبة الأملاك المبنية عدم زيادة القيمة التأجيرية لبدلات الإيجار المعقودة في ظل قانون الإيجارات رقم 160/92 إلى حين صدور القانون التعديلي لقانون الإيجارات الجديد استناداً الى رأي مجلس شورى الدولة (رقم 2015-107/2014 الصادر في 17/2/2015).
ومن ضمن تعليل المجلس لتوصيته أن «أحكام المادة 20 من هذا القانون تحدّد قيمة بدل المثل، رضاءً أو قضاءً، وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 18، وبما أن المادة 18 من هذا القانون قد تم إبطالها من قبل المجلس الدستوري، إضافة الى مواد أخرى، وبما أن سلامة التشريع تفترض عدم صدور أي نظام بصورة استباقية لصدور القانون وفي الحالة الحاضرة قانون الإيجارات خاصة (..)».
«هو إقرار من مجلس الشورى بعدم إمكانية تطبيق القانون»، هكذا ترجم المُستأجرون القدامى القرار، فرحين بـ»اجتهاد» جديد «يعترف» لهم بإشكالية قانون لم يُنصفهم، فيما اعتبره المالكون «إجراءً داخلياً متخّذاً من قبل وزارة المالية التي ليس من اختصاصها تحديد ما إذا كان القانون نافذاً أو لا»، على حدّ تعبير رئيس تجمّع المالكين باتريك رزق الله.
إلا أن «ريبة» المالكين القدامى من تعميم «تأويل» المستأجرين لرأي المجلس دفعهم الى زيارة رئيس المجلس القاضي شكري صادر، أول من أمس، للاستفسار عن مضمون الرأي الاسشاري، وفق ما لفت البيان الصادر عن المالكين.
وفي اتصال مع «الأخبار»، يصرّ القاضي صادر على أنه «ليس من صلاحية المجلس تفسير قرارات المجلس الدستوري ولا تفسير أحكام قانون الإيجارات الجديد»، لافتاً الى أن الرأي الذي اتخذ يتعلّق بقرار إداري يخص وزارة المالية. إلا أن صادر ذهب مع المالكين «الى أبعد من هذا»، على حدّ تعبير رزق الله الذي لفت الى أن «القاضي صادر قال أمام الوفد إنه ليس من صلاحية مجلس شورى الدولة تفسير قانون نافذ»، وهو أمر لم يشر اليه صادر في حديثه إلى «الأخبار».
هذا الأمر أثار «خيبة» لدى المستأجرين الذين عبّروا، أمس، عن «استهجانهم» لـ»التجاهل والتعتيم على فتوى مجلس شورى الدولة الصادرة منذ عام»، وتساءلوا: «كيف يمكن أن يكون رأي مجلس الشورى مرجعاً مقرراً لعمل دوائر الدولة ووزاراتها، ويصرف النظر عنه عندما يتعلق الامر بحقوق المواطنين».
يقول المحامي ماجد فيّاض في هذا الصدد إن رأي المجلس هذا «يأتي في السياق الذي يرى أن البلبلة القانونية لا تزال قائمة، وأنه لا مبرر قانونياً للعجلة من جهة تقرير بدل المثل للمآجير، لا سيّما في صدد ما يُشير اليه القرار من أن هناك بعض التعديلات التي ستُغيّر في طريقة احتساب بدل المثل، خصوصاً أنه لم يُعرف ما إذا كان سيتم اعتماد تحديد بدل المثل بـ4% (كما جاء في تعديلات لجنة الادارة والعدل) أو غيرها».
وجدّد البيان الصادر عن لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين «اللوم» على مجلس القضاء الاعلى، وتساءل :»لماذا ولمصلحة من يسمح رئيس مجلس القضاء الاعلى باستمرار الاحكام الاستنسابية ولا يبقي على التريث الذي التزم به قبل صدور القانون في شأن الدعاوى التي أقيمت في ظل القانون 160/92؟ ولماذا يقبل أن ينبري بعض القضاة لإصدار أحكام استناداً الى قانون معطل وغير قابل للتطبيق؟
كذلك يتساءل المستأجرون بشأن ما سمّوه «الصمت المريب» عن قرار النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، الذي «سخّر قوى الامن لحماية الدخول عنوة الى منازل المستأجرين» (http://www.al-akhbar.com/node/227063). من هنا، كانت الدعوة الى اجتماع موسّع الاربعاء المُقبل لـ»مناقشة المستجدات وتقرير خطوات التحرك المقبلة».