Site icon IMLebanon

مستقبل العملة الرقمية

Bitcoin1
زينة مخيبر – إليزابيث ماك برايد

قامت علا دودين، في فبراير/شباط 2014، بتنظيم لقاء حضره نحو 100 شخص من هواة عملة (بيتكوين) في العاصمة الأردنية عَمان. وكانت العملة الرقمية قد ظهرت في ظروف غامضة قبل 5 سنوات. وعلى الرغم من أنه تم تداولها لفترة وجيزة في عام 2013 بسعر أعلى من سعر الذهب، فإنها كانت لاتزال على هامش الاقتصاد العالمي، وأسرت مخيلة بعض الأشخاص مثل المهندسة علا دودين، 27 عاماً.

يمكن لأي شخص إنشاء العملة، عن طريق برنامج من خلال القرص الصلب لأجهزة الحاسوب. ويعتمد سعرها على العرض والطلب، على الرغم من أن إجمالي عدد الـ(بيتكوين) الذي يمكن إنتاجه وإنشاؤه هو 21 مليون بيتكوين. وتستذكر دودين الاجتماع، حيث حضرته أيضاً إحدى الموظفات في (البنك المركزي الأردني) التي وقفت وحذرت الحضور من استخدام العملة الرقمية قائلة: “إنها موضة عابرة”. وبعدها بوقت قصير، أصدر (البنك الأردني المركزي) بياناً رسمياً، محذراً فيه المواطنين من تجريب العملة الرقمية التي تفتقد الدعم من أي مؤسسة مالية في العالم. ونظراً إلى التكهنات وعدم وجود رقابة تنظيمية، وقع الناس في فخ عمليات النصب والتعرض لخسائر كبيرة.

لقد كان (البنك المركزي الأردني) متبصراً، حيث إنه بعد 3 أيام من التحذير انهارت بورصة (Mt. Gox)، أكبر بورصة (بيتكوين) والتي تتخذ من طوكيو مقراً لها، وأشارت التقارير إلى أنه تمت خسارة نصف مليار دولار.

وتقول مها البهو، المديرة التنفيذية لدائرة نظام المدفوعات في (البنك المركزي الأردني): “نحن نؤمن إيماناً راسخاً بأنه في هذه المرحلة لن يسمح البنك المركزي أبداً للمؤسسات المصرفية والمالية، أو أي مؤسسة خاضعة لأنظمتنا أن تتعامل مع العملات الافتراضية”.

وتقول دودين: “وهذا قلل من حماسة التقنيين”. وذلك لن يدوم لفترة طويلة جداً، حيث يبدو أن أول عملة لامركزية في العالم وجدت لتبقى، ويبدو أنها تمتلك القدرة على الرسوخ في الشرق الأوسط. يقول باري سيلبرت، المدير التنفيذي لـ(Digital Currency Group) في نيويورك والتي تستثمر في شركات ناشئة لها علاقة بالبيتكوين في أنحاء العالم: “هناك كمية كبيرة من النقود التي تتدفق الى داخل وخارج هذه البلدان (الأسواق الناشئة) من أجل الحوالات، بالإضافة إلى الانتشار الكبير للهواتف النقالة وضعف الخدمات المصرفية”.

سيلبرت يُتم حالياً صفقة استثمار في شركة دودين الناشئة (BitOasis) ومقرها دبي، وقد استثمر العام الماضي في (Yellow)، التي تقع أيضاً في دبي.

وقد سجلت (بيتكوين) بعض النجاحات مؤخراً حيث منحت (محكمة العدل الأوروبية) هذه العملة بعض الشرعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وذلك عندما حكمت وأقرت باعتبار (بيتكوين) عملة تقابل السلعة، وبالتالي فهي معفاة من ضرائب القيمة المضافة عندما يبادل الأفراد اليورو مقابل الـ(بيتكوين).

وبعد الانخفاض الذي شهدته العملة الرقمية منذ انهيار بورصة (Mt. Gox)، فإن سعرها قد انتعش واسترد عافيته. وعلى الرغم من أنه من الممكن أن تشهد هذه العملة تقلباً بصورة عشوائية، فإن سعرها قد ارتفع أكثر من الضعف منذ بداية عام 2015 ليصل إلى 450 دولاراً بحلول نهاية العام.

ويوجد حالياً 200 ألف معاملة يومياً، وقد ارتفعت من 60 ألف معاملة في العام الماضي، وفقاً لموقع (CoinDesk) الذي يرصد العملة.

وفي الحقيقة، إن الأمر الذي قد يهدد عملة (بيتكوين) لن يكون عمليات النصب والاحتيال، بل سيكون عملة مشفرة أخرى، أو يمكن أن تكون التكنولوجيا التي تعتمد عليها هذه العملة الرقمية. ويطلق عليها اسم (سلسلة الكتل– blockchain) وهي بمثابة مستودع حسابات أو دفتر حسابات رقمي. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قام العديد من الرائدين في القطاع، كشركة (IBM) و(J.P. Morgan)، وسوق لندن للأوراق المالية، وبنك (ANZ Bank)، بحشد الدعم لـ(Linux Foundation) الرائدة في البرمجيات مفتوحة المصدر، لتصميم تكنولوجيا (سلسلة الكتل) لتطبيقات أعمال تجارية أو معاملات محددة التي تستبعد الـ(بيتكوين).

وتدعي دودين حالياً، والتي شاركت في تأسيس موقع (BitOasis) قبل عام عندما كان سعر (بيتكوين) في أدنى مستوياته، وجود 20 ألف حساب مسجل في موقعها. ويستخدم أصحاب هذه الحسابات الموقع لتخزين أو تبادل العملة الرقمية وإجراء المعاملات. ولا تعد جميع هذ الحسابات نشطة، ولكنّ مستخدمي الحسابات النشطين يقيمون في الإمارات، والسعودية، ومصر، والمغرب.

ويزدهر قطاع الـ(بيتكوين) في المنطقة، حيث يستخدم الأشخاص في الكويت بطاقات الائتمان لشراء عملة (بيتكوين) عن طريق موقع (BitFils). وفي تونس، يوفر موقع (Nouqood) خدمة مشابهة. وقد أسس مهندس الحاسوب ديفيد الأشقر من لبنان موقع (Yellow) الذي يساعد في عملية مدفوعات (بيتكوين). كما يعد موقع (Umbrellab) في دبي موقعاً مماثلاً.

وتقول دودين “إنه كان يمكن تفادي الخسائر التي شهدتها بورصة (Mt. Gox)، من خلال وجود المزيد من الأمان”. وقد يكون ذلك ممكناً. ولحماية عملائها من السرقة، قامت (BitOasis) بوضع نظام متعدد التوقيع. وبالإضافة إلى كلمة السر الموجودة على خوادمها، هناك “مفتاحان” لدعم كل حساب.

وتعتبر شركة (CryptoCorp) في سان فرانسيسكو المختصة في مجال أمن (بيتكوين)، المسؤولة عن حماية مفتاح واحد. وفي كل مرة يقوم بها مستخدم الحساب بمعاملات تجارية، فإنه يتلقى مكالمة آلية على هاتفه من شركة (CryptoCorp) للمصادقة. وبعدها فقط تتم الموافقة أو الرفض على المعاملة التجارية.

ويتعهد مسؤولية مفتاح تشفير أخر محامية في شيكاغو تدعى باميلا مورغان، حيث تركز على الأعمال والمسائل الأمنية المتعلقة بـ(بيتكوين). وتسمى الشركة الخاصة بهذه المحامية (Third Key Solutions). تقول دودين: “إن هذه الشركة تزود شركة (BitOasis) بتحديثات أمنية شهرية”.

وفي أغسطس/ آب، أطلق (BitOasis) أول خدماته المدفوعة وهي: يمكن لصاحب الحساب أن يستبدل الدراهم الإماراتية بعملة الـ(بيتكوين) مقابل رسوم تبلغ قيمتها %1. وعقب إطلاق هذه الخدمة، تم إطلاق خدمات صرف العملات في الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والبحرين.

وتقول دودين: “إن العدد الشهري للمعاملات قد تضاعف 4 مرات بين شهري سبتمبر/ أيلول وديسمبر/ كانون الأول 2015”.

وتعتمد دودين على مصدر للإيرادات، ألا وهو المغتربون في العالم العربي الذين يتضررون من الرسوم المصرفية التي تتجاوز %3، عندما يقومون بإرسال تحويلات إلى أوطانهم. وتقول دودين: “إن ما نلاحظه هو أن عدداً من مستخدمي موقعنا هم من المغتربين الأوروبيين في دبي”. ويقوم مارتن سيس، المستشار في تكنولوجيا المعلومات من هولندا والذي يعيش في دبي، بتحويل 20 ألف درهم إماراتي شهرياً (5545 دولاراً) إلى بلاده. وقد اقتطع البنك الذي يملك حسابه فيه بين %3 و%8 من المبلغ، ولكن موقع (BitOasis) يقتطع %1.

ويقول سيس: “إنها عملية متعبة، ولكنها ليست بصعوبة عملية البنوك”.

ويضيف بأنه يستمتع بالمغامرة من خلال بيع طلبات (بيتكوين) الخاصة به بسعر محدد مسبقاً في المستقبل. ولأن الأسعار تتقلب بقدر معقول، فإن سيس غالباً ما يحقق أرباحاً قليلة.

وتبحث (BitOasis) أيضاً في طرق لالتقاط التحويلات إلى البلدان العربية. ووفقاً للبنك الدولي، فإن 20 مليار دولار تدفقت إلى مصر، و9 مليارات دولار تدفقت إلى لبنان في عام 2014.

ومثل العديد من المناطق في أفريقيا التي تتخلى عن الخطوط الأرضية لاعتماد الهواتف النقالة، فهل يمكن للمستهلكين في الدول العربية حيث %14 فقط من البالغين يملكون حسابات مصرفية، أن يقوموا بالإنجاز نفسه مع التكنولوجيا المالية؟ إنها فكرة مثيرة.

لا أحد يتنبأ المستقبل بسرعة. ولا أحد يعرف كم من الوقت سيمضي من أجل أن تسود وتنتشر هذه العملة الرقمية في العالم. ويقول عمر الإبراهيم، وهو مستشار أمني مقيم في واشنطن: “لن تنتشر هذه التكنولوجيا حتى يبدأ التجار بقبولها”.

ووفقاً لموقع (BitPay) الأمريكي الذي يعالج مدفوعات (بيتكوين) للتجار، فإن أكثر من 100 ألف شركة في جميع أنحاء العالم تقبل حالياً العملة الرقمية. والآن، برزت الإمارات كواحدة من أفضل الدول في العالم، ولديها أكبر عدد من التجار الذين يقبلون عملة (بيتكوين). وتحتل المرتبة الـ14 بين 20 دولة.

وتعرض شركة (JadoPado) للتجارة الإلكترونية والتي تتخذ من دبي مقرا لهاً، شعار عملة (بيتكوين) على موقعها، إلى جانب شعارات شركات بطاقات الائتمان وشعار شركة (باي بال).

ويعتبر (Pizza Guys) في دبي إحدى الشركات الأولى في العالم العربي التي بدأت بقبول عملة (بيتكوين). وفي العام الماضي، صرح مالكها لـ(CoinDesk) بأن التعامل بالعملة الافتراضية يمكن في النهاية أن يقلل تكاليف المعاملات التجارية عبر بطاقات الائتمان التي يتكبدها المطعم.

وهذا ما تقوم به دودين وغيرها مثل الأشقر. إن تسهيل المدفوعات من خلال (بيتكوين) يعد أبسط، بالمقارنة مع عملية متعددة الخطوات لإنشاء معاملات بطاقات الائتمان.

وتقول دودين: “في غضون السنوات الـ5 أو الـ6 المقبلة، سنرى ما المنتجات والخدمات التي يحتاج إليها السوق فعلاً. هل ستكون التأمين أو الخدمات العامة مثل الدفع مقابل جمع النفايات؟”.

ويحتاج كل من دودين وشريكها المؤسس دانيال روبينيك إلى المواظبة لفترة طويلة، وبشكل كاف من أجل رفع عدد المستخدمين، ولإيجاد مستثمرين على استعداد للمجازفة. وقد دفع شريك، يفضل عدم الكشف عن اسمه، 100 ألف دولار تم إنفاقها على دفع الرسوم القانونية ودفع الأجور لمطوري البرمجية. ومن أجل نمو الفريق والتوسع في السعودية، فإنهم يسعون حالياً إلى تحصيل تمويل لرأس المال الأولي من أصحاب رؤوس الأمول المستثمرين. يقول سيلبرت: “قبل مجيء (BitOasis)، لم تكن هناك سوق منظمة (في المنطقة العربية)”. ولا تزال الجهة الاستثمارية الرئيسة الموجودة في الشرق الاوسط غير مكشوفة حتى الآن.

وتقول دودين: “تعتقد عائلتي بأن لدي ميلاً لإظهار السلوك الهوسي، والتركيز على شيء واحد منذ كنت طفلة. إنها سمة مفيدة جداً في حال بأنك تدير شركة ناشئة”.

وكمراهقة ترعرعت في عَمان، فإنها أمضت أوقات فراغها في قراءة كتب علم الفيزياء وعلم الفلك، وكانت عضواً في نادي الروبوتات في المدرسة. وقد حصلت على شهادتها في الهندسة الإلكترونية من (جامعة برمنغهام) في المملكة المتحدة في عام 2008، وعملت لفترة وجيزة في شركة (Ernst & Young) في لندن. وبعدها قررت بأن عالم الشركات صارم وجامد للغاية. وبحثت دون كلل عن فرص أخرى، وخلال بحثها استقالت وسافرت لمدة 6 أشهر، قبل أن تعود إلى عَمان في عام 2010، في أعقاب الأزمة المالية.

وعملت في مؤسسات غير ربحية مثل (مؤسسة نهر الأردن)، ومع مؤسس شركة (أرامكس) فادي غندور، وعملت على مشاريع ريادة الأعمال الاجتماعية. وتقول: “تعلمت كيفية التفكير كريادي، وأصبحت على اطلاع بالنظام الإداري وتحديات ممارسة الأعمال التجارية في الشرق الأوسط. إنني أمتلك الشغف في التكنولوجيا والتمكين الاقتصادي”. وفي عام 2013، بدأت بالاهتمام بالأخبار الصادرة عن (بيتكوين)، واطلعت على تقرير من تأليف ساتوشي ناكاموتو، مبتكر العملة الغامض. ورأت أن هذه العملة تتوافق مع إيمانها بالتمكين الاقتصادي من خلال التكنولوجيا. وقامت بتنظيم أول لقاء في عمان، وكان الأشقر الذي يدير اللقاءات المتعلقة بـ(بيتكوين) في بيروت، متحدثاً في هذا اللقاء.

وقد دفعها كل من تحذير (البنك المركزي الأردني) في عام 2014، وازدهار وانتشار جماهير (بيتكوين) في دبي للسفر إلى الإمارات. وفي ذلك العام، قامت بتنظيم مؤتمر استمر ليومين سلط الضوء على العملة الرقمية وتم عقده في (Capital Club) في (مركز دبي المالي العالمي)، بمساعدة ظافر يونس، مؤسس وكالة تسويق وسائل إعلام اجتماعية أردنية، وهو الآن شريك تجاري في شركة (500 Startups) في سان فرانسيسكو.

وقد حضر المؤتمر نحو 200 شخص. وتقول دودين: “لقد فكرت بدبي كمكان للبدء والانطلاق”. وفي المؤتمر، ألتقت دودين مطور البرمجيات التشيكي روبينيك، وقررا إنشاء (BitOasis). وتضيف دودين: “كلما كنت أتأمل وأفكر في الأمر الذي يمكنه التأثير والتغيير، وفي كيفية قيامنا بالأمور كأشخاص ومجتمعات وشركات، فإنني وصلت إلى نتيجة بأنني يمكن أن لا أسامح نفسي إذا لم أقم بإنشاء وابتكار شيء”. ومنذ ذلك الحين، ساعدت (BitOasis) في تنظيم (مؤتمر بيتكوين في دبي) آخر في (مركز دبي المالي العالمي في فبراير/ شباط 2015. وكمتحدثة مشاركة، فازت دودين مؤخراً بالمركز الأول في اللقاء الذي نظمه موقع (TechCrunch). وقد دعا موقع الإعلام التكنولوجي الأمريكي دودين في مايو/ أيار الماضي، لحضور اللقاء الذي استمر ليومين في نيويورك، حيث حصلت على فرصة للقاء شركات رأس مال استثماري.

ولايزال الأمر صعباً بالنسبة لها لممارسة وتطبيق ما تبشر به في العالم العربي، ولكن كلما كان ذلك ممكناً فإنها تستخدم الـ(بيتكوين) التي تملكها، حيث قامت في الشهر الماضي بحجز إقامة لها في فندق في سنغافورة من خلال موقع (Expedia)، وقامت بالدفع باستخدام عملة (بيتكوين). وتماما مثل الإنترنت، عندما ظهر لأول مرة، فإن الـ(بيتكوين) في أيامها الأولى.