IMLebanon

السفير: تضخم أسعار ترحيل النفايات لا يعيد فتح المطامر!

waste-6

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”: عادت التحركات الأهلية لتطل من على مشارف السرايا الحكومية، مستعيدة زخمها من الفشل الحكومي المستمر في حل قضية النفايات، ومن روائح الفساد التي ما تزال تنافس روائح النفايات وحرائقها.

وبالفعل، بات عدد من أعضاء حملات “الحراك المدني”، أمس، ليلتهم في خيام نصبوها في ساحة رياض الصلح، استعداداً لتحرك اليوم في المكان نفسه. ويهدف التحرك إلى الضغط على الحكومة لرفض خطة الترحيل المرتقبة، والمطالبة باعتماد خطة تعتمد على الفرز والتدوير خصوصاً بعدما تبين لمنظمات بيئية ومجموعات الحراك الشعبي، إثر جولة على معامل الفرز والتدوير والتسبيخ في مختلف المحافظات، أنه يمكن للبنان استيعاب حوالي ألف طن يومياً من المواد المفروزة والقابلة للتدوير في المنشآت الحاليّة، مع إمكان تصدير 950 طناً من النفايات المفروزة لا ترحيلها، وبالتالي تحصيل الأموال لا هدرها!

وفيما تواصل شركة “شينوك” الإنكليزية استعداداتها لترحيل النفايات، برزت في “الوقت الضائع” مساع سياسية لدفن النفايات اللبنانية في وطنها الأم. الحافز الأول هو الكلفة العالية للترحيل، خصوصاً بعد أن تقدمت أكثر من شركة بعروض تقارب نصف السعر المقدم من الشركة الإنكليزية، الأمر الذي استوجب طرح أسئلة عن المنطق في اعتماد الشركة التي ستتقاضى 125 دولاراً عن الطن الواحد، فيما قدمت شركة أخرى عرضاً بـ 80 دولاراً للطن، مع استعدادها لتقديم نحو ثلاثين في المئة من أرباحها إلى عدد من الوزارات.

لم يهتم وزير الزراعة أكرم شهيب كثيراً للعروض الجديدة لأسباب عدة، أبرزها تقديمها بعد انتهاء المهلة وعدم جديتها، وهو أوضح لـ “السفير” أن الشق المالي لا يشمل أكثر من 40 في المئة من موضوع الترحيل، فيما النسبة الأكبر، أي 60 في المئة، تخصص للشق القانوني والفني، وهو الشق الأكثر حساسية، ويتعلق بالحصول على الموافقات القانونية من الدول المضيفة والتأكد من تطبيق المعايير البيئية في التعامل مع النفايات في لبنان وفي البحر وفي الدولة المضيفة.

وذكر شهيب أن شركة “بوكسر” قدمت عرضاً بقيمة 85 دولاراً في 16 كانون الثاني، بينما كان يوم 30 تشرين الثاني هو آخر مهلة لتقديم العروض. أما شركة “مارين ترانسفير”، فقد أبدت في الرابع من كانون الأول اهتمامها بالترحيل، عبر عرض بلغت قيمته 180 يورو للطن، إلا أنها عادت وقدمت عرضاَ جديداً في العاشر من الشهر نفسه بقيمة 120 يورو، قبل أن تخفض أسعارها مجدداً في 29 كانون الثاني، فتقدم عرضاً بقيمة 80 دولاراً.

وإذ يؤكد شهيب أن الشركتين المذكورتين تخطتا المهل القانونية، يشدد على أن تخفيضات الشركة الثانية دليل على عدم جديتها، فيما يرى أن الشركة الأولى غير مؤهلة للتعامل مع مسألة الترحيل.

وإذا كان يصعب الحصول على أسعار جديدة من الشركة الإنكليزية، بعد أن وافق مجلس الوزراء على الأسعار المرتفعة، ثمة من يضيء على عقد الباطن الذي وقعته “شينوك” مع شركة “سيشي” الفرنسية، متسائلاً: هل الأمر يتعلق فقط بتقييم حالة النفايات المنزلية القديمة وتحديد الكمية الموجودة (تبين أنه يمكن معالجة نحو 70 في المئة منها) كما أعلن المعنيون، أم أن الأمر يتعداه لتكون الشركة الفرنسية هي المعنية فعلاً بمعالجة النفايات وتوضيبها ونقلها وترحيلها؟

وعليه، يسأل مصدر مسؤول “إذا كانت “شينوك” هي مجرد وسيط للشركة الفرنسية، ما الذي يلزم الدولة اللبنانية بالتعاقد معها، فيما يمكنها أن تتعاقد مباشرة مع المصدر وتوفر عمولة قد تصل إلى 20 في المئة”.

بعد المعطيات الجديدة، ولا سيما ما يتعلق منها بالأسعار، تردد أن الرئيس نبيه بري، الذي سبق واعترض علناً على الكلفة الباهظة للترحيل، أجرى جولة مشاورات جديدة بحث فيها إمكان إعادة تفعيل خطة المطامر. وفيما صار معروفاً أن مطمر “سرار” في عكار قد أصبح جاهزاً، تبقى العقبة في فتح مطمر “الكوستا برافا”، حيث تردد أن النائب طلال أرسلان اشترط موافقة أهالي الشويفات. علماً أنه تم التواصل أيضاً مع الفعاليات الأرمنية للتباحث في شأن إعادة فتح مطمر برج حمود، من دون إهمال خيار إعادة فتح مطمر الناعمة أمام نفايات الجبل حصراً، في حال رُفعت “الفيتوات” عن المطامر الباقية.

وفيما طُرحت إشكالية البند الجزائي الذي يلزم الطرف الذي يخالف العقد بدفع قيمة الكفالة المقدرة بـ2.5 مليون دولار، فقد أشار رافضون للترحيل إلى أن دفع هذا المبلغ من قبل الدولة لا يقارن بما يمكن توفيره من العودة إلى خيار الطمر، الذي لا يكلف أكثر من 100 مليون دولار بالمقارنة مع نحو 500 مليون دولار للترحيل.

ولا يخفي الداعون إلى العودة إلى خيار الطمر قلقهم من تكرار العراقيل التي وُضعت في السابق أمام خطة الوزير شهيب، علماً أن بعضهم ما يزال يلومه لاستعجاله إعلان فشل الخطة.

كل ذلك لا يلغي حقيقة أنه حتى الآن لا شيء جدياً في الأفق سوى الترحيل، الذي يسير بخطى ثابتة نحو مرحلة التنفيذ.

وبعدما تبين أن موافقة روسيا على استقبال النفايات في محارقها ما تزال منقوصة لعدم شمولها موافقة وزارة البيئة الفيدرالية، أبلغ شهيب “السفير” أن “شينوك” استكملت أمس كل المستندات، بما فيها موافقة وزارة البيئة الروسية، التي كانت قد تأخرت بانتظار إفادة من الدولة اللبنانية للسلطات الفيدرالية. وعليه يؤكد شهيب أنه لم يعد هناك أي عائق أمام توقيع العقد النهائي مع الشركة، متوقعاً أن يحصل ذلك يوم الأربعاء المقبل. وهو إذ أعلن أن روسيا لن تكون الوجهة الوحيدة للنفايات، فقد تحفظ عن ذكر اسم الدولة الثانية، بانتظار تقديم “شينوك” المستندات التي تثبت موافقتها، علماً أنه أشار إلى أن الشركة في صدد الحصول على موافقة أكثر من دولة.

ينفي شهيب أن يكون قد تم تخطي المهل التي وضعتها الحكومة، معتبراً أن مهلة الأسبوع التي يفترض أن تلي تقديم الشركة مستنداتها لم يتم تخطيها بعد. وبالنسبة إليه، فإن احتساب المهلة يبدأ من أمس، وليس من 29 كانون الثاني موعد تقديم المستندات الأولية (كان ينقصها موافقة وزارة البيئة الروسية)، وعليه فإن مهلة التوقيع تنتهي مع نهاية 11 الجاري.

وتتوقف مصادر بيئية عند هذه النقطة، فتؤكد أنه بحسب قرار مجلس الوزراء لا شيء اسمه مستندات أولية، وكان يُفترض بالشركة أن تقدم أوراقها في 29 كانون الثاني، فإما أنها فعلت وهذا يعني بالتالي وجوب التوقيع اليوم كحد أقصى، أو أنها لم تلتزم بالموعد فيلغى العقد معها، بما يسمح للدولة اللبنانية بإعادة طرح الحلول الأخرى، أو على الأقل، بإجراء مفاوضات جديدة وتحصيل أسعار أفضل.

ولأن أياً من الخيارين لم يحصل، فإن المهلة التي أعلنها شهيب تبقى وحدها صالحة (الأربعاء المقبل). وإذا لم يتأخر موعد التوقيع مجدداً، فإن الخطوة التالية ستكون تقديم الشركة لـ “كفالة حسن التنفيذ” وقيمتها 6 ملايين دولار، فيما سيكون على الدولة تأمين فريق الجمارك العامل على مدار الساعة، وتحديد خط سير الشاحنات المحملة بالمستوعبات على الرصيف رقم 9، والذي يشمل عملية الوزن و “السكانر”. وقد علمت “السفير” أن الشركة، في سياق تحضيرها لساعة الصفر، استقدمت 1400 حاوية، حيث يُفترض أن تضم كل شحنة 750 حاوية سعة كل منها 20 طناً.

وعليه، فإن الشركة يُفترض أن تبدأ الترحيل في مهلة أقصاها 28 شباط المقبل، حسبما أعلن شهيب، مشيراً إلى أن أي تأخير عن هذا الموعد، يتحمل مسؤوليته الطرف المسؤول عن التأخير، أي الشركة أو الدولة اللبنانية.

وفي سياق تكراره حرص الدولة اللبنانية على الالتزام بـ “اتفاقية بازل”، يؤكد شهيب أنه سيتم توقيع اتفاقية تعاون مع “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” (“يونيب”)، حيث ستهتم المنظمة، التي سيصل وفد منها يوم الإثنين إلى بيروت، بمراقبة آليات الترحيل والتأكد من مطابقتها للمعايير العالمية، إضافة إلى المساعدة في التحضير للحل المستدام.